نقطة نظام.. نعمة الإلحاد!

الجمعة، 07 ديسمبر 2018 06:37 م
نقطة نظام.. نعمة الإلحاد!
مختار محمود يكتب:

بعدما ألقتْ أزمة "فستان رانيا يوسف" أوزارها، انشغل المصريون الأسبوع الماضى بإشكاليةٍ جديدةٍ وهى: "الجنس فى الجنة". أحدُ المشايخ المغاوير فاجأ مُشاهديه بما لم  يخطرْ لهم على بالٍ، وقضى على أحلامهم عندما قطع بأنه "لا جنسَ فى الجنة"، وأسهبَ فى رأيه إسهاباً بغيضاً. فردَّ عليه آخرون، وقالوا قولاً آخر غيرَ قوله، وأكدوا حقيقة الجنس فى الجنة.
 
مواقعُ التواصل الاجتماعى الباحثة دوماً عن الإثارة لم تجدْ أفضل من "هذا السُّخف"، فتلقفته ليتحول بين عشيةٍ وضُحاها إلى مادةٍ دسمةٍ للسخرية والاستهزاء والتحفيل. مواقعُ وجروباتُ الملاحدة انتهزتْ الفرصة جيداً وغمزتْ ولمزتْ فى الإسلام وربِّ الإسلام ورسول الإسلام، حتى أن أحدَهم كتب مُعلقاً: "ما أعظمَ نعمة الإلحاد وكفى بها نعمة".
 
ليس على هذا المُلحد الضالِّ حرجٌ، فمشايخُنا الكرامُ هم من يمنحون الفرص لكل عابر سبيل، حتى ينالَ من دين الله الخاتم. حبُّ الاختلاف وإثارة الجدل والبحثُ عن الأضواء، سماتٌ مشتركة عند من يتخذون الإسلامَ وسيلة للتكسُّب والتربُّح، "بزنس الأديان" أسهلُ صُنوف "البزنس" وأكثرُها ربحاً، لا يتطلبُ جهداً ولا شقاءً ولا إرهاقاُ ولا تخفياً من أجهزة الأمن، وربما لا يتم تحصيل الضرائب من العاملين به، لم نسمعْ يوماً أن أحد المشتغلين بالدعوة ذهب إلى مصلحة الضرائب ودفع ما عليه، ولكن نسمع عن رجال دين يقيمون فى القصور والفيلات، وينافسون "محمد رمضان" فى اقتناء السيارات الفارهة، ويستبدلون كلَّ حينٍ امرأة بأخرى،  يغرقون حتى آذانهم فى بحور الشهوات، ثم يأمروننا فى مواعظهم الرخيصة بالصبر والزهد والعفاف.
 
الشيخ المُعمم عالى المقام ليس عليه إلا أن يجلسَ فى الاستوديو المُكيَّف، ويضبطَ وجهه الباهت أمام الكاميرا، ويفتى فتوى شاذة، أو يقول رأياً شارداً، حتى يتحاكى بسيرته الركبانُ، ويكون أكثر طلباً للبرامج والحوارات والمُداخلات. أحدُهم –بكل أسفٍ- كان يحتلُّ منصباً أزهرياً مؤثراً، أفتى مؤخراُ بإباحة أكل الكلاب والقطط، وهو الذى كان يُحرمها آنفاً، وأحدُهم أباح بخطبة البنت وهى فى بطن أمها، وأحدهم أعاد "إرضاع الكبير" إلى الصدارة مُجدداً.
 
كلُّ هؤلاء لا يبغون إصلاحاً، فليس من بينهم رجلٌ رشيدٌ. جنونُ الأضواء أصابَ عقولهم بالخرف، وضمائرَهم بالشطط، وقلوبهم بحبِّ الدنيا، فكانتْ النتيحة إعراضاً من الشباب عن الإسلام والانسلاخ منه والمجاهرة بالإلحاد على رؤوس الأشهاد. المُزعجُ حقاً.. أنَّ الشيخ الذى نفى وجود الجنس فى الجنة، يزعم أن فتواه أصابت الجماعات الإرهابية فى مقتلٍ، لأن عناصرها  تفجر وتقتل وتذبح طمعاً فى مضاجعة الحور العين، وكأن تلك الجماعات تصدق وتقتنع بما يردده هذا الشيخ وأقرانه، لستم أهلاً للثقة يا مولانا حتى يصدقكم الإرهابيون ويؤمنوا بشواردكم.
 
قبل سنوات.. قلنا: إن تيارات الإسلام السياسى كانت سبباً رئيساً فى جنوح قطاعاتٍ كبيرة وفئاتٍ عديدة عن الإسلام،  حتى استخدموه مطيَّة لبلوغ أهدافهم.ولكن تعاقبتْ السنون ليتولى مشايخ آخرون المسؤولية، ويفاقموا بضمورهم العقلى وسطحيتهم الفكرية ظاهرة الإلحاد، نسوا الله فأنساهم أنفسهم. لو اضطلع هؤلاء المشايخ بمسؤوليتهم كاملة ما وصل المجتمع المصرى إلى ما وصل إليه من انحلالٍ وانحرافٍ أخلاقىٍّ واجتماعى لا شاطئ له، ولا يعلمٌ أحدٌ متى وكيف يتم تجفيف منابعه، وإعادته إلى الفطرة التى فطرَ الناسَ عليها.
 
هم تخلوَّا عن أدوارهم الحقيقية، وانشغلوا بتوافه الفتاوى والقضايا، تارةً تسييساً، وتارة أخرى تسطيحاً، طمعاً فيما أيدى الناس، وزهداً فيما عند الله. وإذا كان هذا هو حال المشايخ والعلماء والمشتغلين بالدين، فمن حق هذا المُلحد البائس أن يردد: " ما أعظمَ نعمة الإلحاد.. وكفى بها نعمة".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة