أبرزها عدم دستورية بعض مواد قانون «المهن التعليمية».. 4 أحكام للدستورية العليا
السبت، 01 ديسمبر 2018 02:00 م
أصدرت المحكمة الدستورية العليا، اليوم، 4 أحكام قضاية هامة بشأن قانون نقابة المهن التعليمية، ونقابة المهندسين، وهى كالتالى: «عدم دستورية بعض مواد قانون نقابة المهن التعليمية، وعدم دستورية حرمان عضو نقابة المهندسين من معاشة إذا حكم عليه تأديبي أو قضائي، وتأييد دستورية قانون ضريبة الدمغة، ورفض الطعن علي بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية».
وإليكم الأحكام كالتالى:
قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، في الدعوى رقم 118 لسنة 26 قضائية «دستورية»، بعدم دستورية نص الفقرة الأولى، وعبارة "وتفصل محكمة النقض فى الطعن «الواردة بصدر الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 فى شأن نقابة المهن التعليمية، وسقوط نص الفقرة الثانية وباقى أحكام الفقرة الأخيرة من المادة ذاتها».
وأقامت المحكمة حكمها تأسيسًا على أن المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن التعليمية تنص على أن "لخمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية حق الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية أو فى تشكيل مجالس الإدارة أو فى القرارات الصادرة منها، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقادها بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، ويجب أن يكون الطعن مسببًا وإلا كان غير مقبول شكلاً.
وتفصل محكمة النقض فى الطعن على وجه الاستعجال فى جلسة سرية، وذلك بعد سماع أقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين".
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليه أن شرطين يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو فى تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها:
أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل.
ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقًا عليها جميعًا من الجهة المختصة.
وحيث إن الطعـن على قـرار معين – وكلما توافر أصـل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيم هذا الحـــــق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم، وكان حق النقابة ذاتها فى تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادة (76) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًا أو متمحضًا عملاً ماديًا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
بيد أن نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليها قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابًا عدديًا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، والتى لا يقوم العمل النقابى سويًا بدونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا.
وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن فى قراراتها – متحدون فيما بينهم فى موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًا يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق فى الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون " أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً".
وحيث إنه لما تقدم، فإن النصوص المتقدمة تغدو مصادمة لنصوص المواد (76، 77، 94، 97، 184، 190) من الدستور الحالى، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليها برمتها، وكذا عبارة "وتفصل محكمة النقض فى الطعن" الواردة بصدر الفقرة الأخيرة من هذه المادة، وسقوط نص الفقرة الثانية، وباقى الأحكام التى تضمنتها الفقرة الأخيرة من المادة ذاتها، لارتباطها بالنصوص المقضى بعدم دستوريتها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها عنها أو تطبيقها استقلالاً عنها.
عدم دستورية حرمان عضو نقابة المهندسين من معاشة إذا حكم عليه تأديبي أو قضائي
قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، في الدعوى رقم 100 لسنة 38 قضائية " دستورية"، بعدم دستورية المادة (85) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، فيما نصت عليه من جواز حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف ".
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المادة (85) المطعون فيها نصت على أنه "يجوز لمجلس النقابة حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا، أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، ويجب أن يصدر القرار، فى هذه الحالة، بأغلبية ثلثى أعضاء مجلس النقابة".
وحيث أن الحـق فى المعاش - إذا توافر أصـل استحقاقـه وفقًا للقانون - إنما ينهض التزامًا على الجهة التى تقـرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص القانون فى ذمة الجهة المدينة، وإذ كان الدستور قد خطا بمادته (17) خطوة أبعد فى اتجاه دعـم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية، الاجتماعية منها والصحية، بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهـم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى، التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تعتبر المادة (8) من الدستور مدخـلا إليها.
وحيث إن تنظيم المهن الحرة، ومنها الهندسة، وهى مرافق عامة، مما يدخل فى صميم اختصاص الدولة، بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر، لأعضاء المهنة أنفسهم، لأنهم أقدر عليه، مع تخويلهم نصيبًا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم، مع الاحتفاظ بحقها فى الإشراف والرقابة تحقيقًا للصالح العام، فإن مؤدى ذلك أن تقوم الهيئات التمثيلية لهذه المهن بما تلتزم به الدولة تجاه أصحابها.
وحيث إنه لما كان ذلك ، وكان المشرع قد أنشأ صندوقًا للمعاشات والإعانات، يقوم بترتيب معاشات، وإعانات وقتية ودورية، لأعضاء نقابة المهندسين، ولورثتهم، تحقيقًا للتكافل بين سائر أعضاء النقابة، لمواجهة الأخطار الاجتماعية، التى قـد يتعرض لها أى منهم، محددًا إياهــــــا بالتقاعد، أو الوفاة، أو العجز الصحى، وذلك لضمان دخل بديل للمهندس، أو ورثته، بحسب الأحوال، إذا ما تحقق أى من هذه الأخطار، فلا يترك، أو يتركـــون فريسة فى مواجهتها. فلهذا التأمين، بهذه المثابة، وظيفة اجتماعية، تتمثل فى درء الخطـر عن المهندسين أو ورثتهم، ويقوم على اعتبار اجتماعى، مبناه التضامن بين المهندسين الذين تجمعهم ظروف متشابهة، ويتعرضون للأخطار ذاتها.
والاشتراك فيه يشمل جميع المهندسين، ويتم تغطيته عن طريق ثلثى الاشتراكات التى يؤديها المستفيدون منه سنويًا، على النحو المتبع فى الغالبية العظمى من نظم التأمين، وعن طريق موارد أخرى، نصت عليها المادة (76) من قانون نقابة المهندسين المشار إليه، من أهمها رسوم قيد الأعضاء، والدمغة الهندسية، ورسوم تقدير الأتعاب، وبعض الرسوم التى تحصل عند توافر موجباتها. وهى موارد ارتأى المشرع توجيهها لتحقيق الوظيفة الاجتماعية سالفة البيان، بإدراجها كموارد رئيسية للصندوق القائم على تحقيقها ، محددًا حالات الخطر التى يضطلع الصندوق، تحقيقًا لوظيفته الاجتماعية، بدرئها.
وإذ أجاز النص المطعون عليه لمجلس نقابة المهندسين بقرار يصدر بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس حرمان العضو من كل أو بعض ما تقــرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا، أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، فإنه يكون قد أهدر حق المهندس، حالئذ، فى التأمين الاجتماعى، الذى أنشئ صندوق معاشات وإعانات النقابة لتحقيقه، ضمانًا لحيـاة كريمة للمهندس المحال إلى المعاش وأسرته، مما يتمخض معه هذا النص حرمانًا من التأمين الاجتماعى وإهدارًا لمبدأ التضامن الاجتماعى، ومن ثم عدوانًا على حقوق هذه الفئة من المواطنين، أعضاء نقابة المهندسين، يجاوز سلطة المشرع العادى فى تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، والتى أخضعها الدستور بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (92) منه، لقيد عام، بموجبه لا يجوز للتنظيم الذى يقرره أن ينال من أصل هذه الحقوق والحريات وجوهرها، سواء كان مصدرها الدستور ذاته أو القانون، الأمر الذى يقع معه النص المطعون فيه مصادمًا بذلك لنصوص المواد (8، 92/2، 128) من الدستور.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن ما تضمنه النص المطعون فيه من جواز حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، يضحى مخالفًا لنصوص المواد (8، 33، 35، 92/2، 128) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوري
الدستورية العليا تؤيد دستورية قانون ضريبة الدمغة
قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، في الدعوى رقم 144 لسنة 21 قضائية " دستورية": برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المادة (57) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، والتي تنص على أن " تُستحق الضريبة النسبية على الأعمال والمحررات المصرفية على الوجه الآتى:
(1) فتح الاعتماد: خمسة فى الألف على عقود وعمليات فتح الاعتماد وكذلك على تجديدها بشرط ألا يكون الاعتماد مغطى نقدًا بالكامل، فإذا غُطى بعضه نقدًا فُرضت الضريبة على ما لم يُغَط .............
(3) السُلف والقروض والإقرار بالدين:
- واحد فى الألف عن كل مبلغ يزيد على مائة جنيه ولا يجاوز مائتي جنيه.
- ثلاثة فى الألف عن كل مبلغ يزيد على مائتى جنيه ولا يجاوز عشرة آلاف جنيه.
- أربعة فى الألف عن كل مبلغ يزيد على عشرة آلاف جنيه.
وتُعفى من الضريبة الودائع الآجلة بكافة أنواعها فى المصارف وهيئة البريد".
وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين سواءً كان بنيانها ضريبة أو رسمًا أو تكليفًا آخر هى التى نظمها الدستور بنص المادة (119) منه، وكانت المادة (38) من الدستور، وإن خص بها النظام الضريبي متطلبًا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواه، وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمتها المادة (119) من الدستور، ويتعين بالتالى وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنًا عليها بمختلف صوره، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها.
ولما كان ذلك؛ وكانت الضريبة المطعون عليها، لا تناقض الأسس الموضوعية لفرض الضريبة، ولا تجاوز أغراضها، ولا تحيف بنسبتها على الدخل المفروضة عليه، ولا ترهقه عسفًا، أو تمحيه بددًا، لا تناقض مبدأ العدالة الاجتماعية، منضبطة بأحكام الدستور، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف نصوص المواد (3، 23، 34، 38، 39، 119، 120) من دستور سنة 1971، وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر فى دستور سنة 1971، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
الدستورية العليا ترفض الطعن علي بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية
قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، في الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية " دستورية"، برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أن " "يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل - بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة - سلطات قاضى التحقيق فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الأبواب الأول والثانى والثانى مكررًا والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات.
ويكون لهم فضلاً عن ذلك سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة المبينة فى المادة (143) من هذا القانون فى تحقيق الجرائم المنصوص عليها فى القسم الأول من الباب الثانى المشار إليه بشرط ألا تزيد مدة الحبس فى كل مرة على خمسة عشر يومًا.
ويكون لهؤلاء الأعضاء من تلك الدرجة سلطات قاضى التحقيق فيما عدا مدد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى المادة (142) من هذا القانون، وذلك فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات".
وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن توافر الضمانات القضائية، وأهمها الحيدة والاستقلال، يعد أمرًا لازمًا فى كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلتان فى مجال مباشرة العدالة، وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدرًا، وهاتان الضمانتان تتوفران بلا ريب فى أعضاء النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية، أحاطها المشرع بسياج من الضمانات والحصانات على النحو الوارد بقانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، على نحو يقطع بتوافر ضمانتى الاستقلال والحيدة لهم، فضلاً عن أن عضو النيابة العامة يمارس أعمال التحقيق والتصرف فيه من بعد ذلك.
وقد حل محل قاضى التحقيق لاعتبارات قدرها المشرع، والتى من بينها ما قررته المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية من منح أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضى التحقيق، وذلك فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات المتعلقة بجرائم الرشوة، بما فيها السلطة المقررة لقاضى التحقيق بمقتضى نص المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية فى شأن إصدار الأمر بالمراقبة والتسجيل، وتحديد مدتهما فى الإطار الذى عينه القانون.
وفى هذه الحدود فإن عضو النيابة العامة يستمد حقه لا من النائب العام بصفته سلطة الاتهام، وإنما من القانون ذاته، وهو الأمر الذى تستلزمه إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة، وما يصدر عن عضو النيابة من قرارات وأوامر قضائية فى هذا النطاق، إنما يصدر منه متسمًا بتجرد القاضى وحيدته، مستقلاً فى اتخاذ قراره عن سلطان رئاسة رئيس أو رقابة رقيب، ومن أجل ذلك حرص الدستور الحالى على النص فى المادة (189) منه على أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، ليتمتع أعضاؤها بذات ضمانات القضاة، وأخصها الاستقلال، وعدم القابلية للعزل، ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، التى أكد عليها الدستور فى المادة (186) منه، الأمر الذى يضحى معه الأمر الصادر من أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل بالمراقبة والتسجيل وتحديد مدتها وتجديدها، المقررة لهم بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (95)، والفقرة الثانية من المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، داخلاً فى نطاق الأمر القضائى المسبب الذى اشترطته المادة (57) من الدستور لفرض تلك الرقابة.