«ارقص للقرد في دولته».. أمثال مصرية أحرقت الحكم العثماني
الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018 02:00 ص
ارتبطت الأمثال الشعبية داخل المجتمعات العربية، بالأحداث التي يتعرض لها المواطنين، وعبرت في كثير من الأحيان عن حالات رفض واستهجان لمواقف بعينها تصدر عن الحُكام، وكانت في الأغلب تستخدمها الشعوب العربية لرفض الانتهاكات التي يتعرضون لها على يد المحتلين والموالين لهم داخل تلك الدول، فكانت الكثير من الأمثال كالرصاص الذي يوجه لصدور أعداء الوطن، إلا أن الشعب المصري على مر الزمان، كان له الريادة في إطلاق الأمثال الشعبية ضد المحتل العثماني، وحولوا تاريخ احتلالهم لمصر إلى مجرد «جيفة» لا تقوى الحيوانات على مجرد الاقتراب منها، بسبب رائحتها العفنة التي تزكم الأنف، بسبب ارتباط العثمانيين في ذاكرة المصريين بالدم والبارود والظلم والفساد وما نتج عنه من حالة يأس في نفوس الشعب، اضطرتهم لاستخدام سلاح السخرية ضد الحكم العثماني في مصر، فنشروا ضده عدد ضخم من الأمثال الشعبية الساخرة، كان خلف كلا منها قصة شيقة.
«يا رب يا متجلي اهزم العثمانلي»
يقدم المؤرخ ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» صورة حقيقية عن اقتحام السلطان سليم الأول لأسوار القاهرة، وما ارتكبه جنوده من فظائع بحق المصريين، فوقع الغزو العثماني لمصر كالمصيبة على البلد الآمن التي ذكرها القرآن الكريم، وكانت الحرب التي نشبت بين المماليك والجيوش التركية في الشام هي أحد سباب كره الشعب المصري للعثمانيين.
وذكر ابن إياس في كتابه أنه منذ عام 1516 انطلقت صيحات المصريين لدعم الجيش المملوكي، ورفع المصريون أكفهم بالدعاء على جيوش المحتل العثماني «يا رب يا متجلي اهزم العثمانلي»، إلا أن هزيمة المماليك في معركة مرج دابق بالشام، كانت بمثابة الدافع لتحول المقولة لتكون رمز للصمود، وأصبحت جزء من دعاء خطبة الجمعة ودعوات المصلين بالمساجد، وخرجت مسيرات جابت القاهرة لتحفيز القوات المملوكية على مواصلة الدفاع عن دولتهم.
كما ويقول المؤرخ ابن إياس في كتابه، إن المصريون تجمعوا تحت قيادة السلطان «طومان باي»، إلا أن انهزام الجيش المملوكي في الريدانية بفعل الخيانة، أصاب المصريين بالحزن والانكسار، فكان باعثا على أن يصبوا غضبهم على العثمانيين في صورة أمثال شعبية ساخرة لازمت الوجدان المصري طوال الاحتلال العثماني وتركت أثرا حتى الأن.
«راحت رجال الهيبة وبقيت رجال الخيبة»
كانت إحدى وسائل تهكم المصريين على الظلم والظالمين، هي إطلاقهم لمسميات ساخرة ومزرية على السلاطين والولاة الأتراك، ومن ذلك إطلاقهم على «خاير بك» أول والي عثماني لمصر، لقب «خاين بك»، بسبب دوره الخبيث في هزيمة جيوش السلطان المملوكي قانصوه الغوري في الشام، ثم تسهيله الاستيلاء على مصر مقابل تولي حكمها، والذي تسبب في شنق السلطان طومان باي على باب زويلة، فردد المصريون مقولة «راحت رجال الهيبة وبقيت الخيبة».
«ارقص للقرد في دولته»
كان المحتل العثماني يعلم أن مصر هي الولاية الأغنى في الإمبراطورية العثمانية، وهو ما جعلها مطمعا لكبار القادة في بلاط اسطنبول، ومن جلها قدموا الرشاوي لحصد هذا المنصب، ولما كان السلطان مدركا أن ولاية مصر ليست إلا وسيلة لتضخيم ثروات الوالي الشخصية، عمد إلى تغيير شخص الوالي بشكل مستمر حتى لا تذهب ثروته أبعد مما ينبغي، دون النظر إلى تضرر المصريين من استمرار النهب المتواصل لثروات وخيرات بلدهم، فسخروا منه على الدوام، خاصة حين كان يعزل والٍ ويولى آخر، فاطلقوا بهذه المناسبة المثل القائل «ما تفرحوش في اللي انعزل إلا أما تشوفوا اللي نزل».
بطش الولاة العثمانلية وسياساتهم الظالمة ضد المصريون، دفعت أهل مصر إلى اتباع المداراة تجاه الولاة، والتي عبروا عنها بالمثل القائل «اسجد لقرد السوء في زمانه وداريه ما دمت في سلطانه»، وكذلك مثل «إن كنت في بلد بيعبدوا الجحش حش وإدي له»، و «ارقص للقرد في دولته».
«أخرة المعروف ضرب الكفوف»
أشتق المصريون لفظ «غُز» من كلمة «غزاة»، وأطلقوها على العسكر التركي، وبسبب فساد الأتراك في أرض مصر وجميع أنحاء الإمبراطورية العثمانلية، وإذا دخلوا قرية نهبوها وأجبروا أهلها على خدمتهم بالسخرة ويعاملونهم بشكل سييء ومهين، وعند خروجهم من القرية يضربون الرجال العاملين في خدمتهم كنوع من التجبر وفرض السطوة والسيطرة، فأطلق عليهم المصريون مثل «آخرة خدمة الغُز علقة» تعبيرا عن غدر وخيانة المحتل العثماني، والمثل الآخر «آخر المعروف ضرب الكفوف» دلالة على قبح المكافأة رغم حسن العمل.
«خيوب باشا.. شيلني وأشيلك»
تولى اشتهر «أيوب باشا» منصبه في القاهرة عام 1645، واشتهر بين عموم المصريين بلقب «خيوب باشا» الذين حرفوا اسمه وامستمدوه من كلمة «خيبة» تعبرا عن فشله في إدارة مصر وانتشار الفوضى وجرائم القتل والسرقة فيها.
اشتهر أيوب باشا بمقولة «شيلني وأشيلك» حينما عرض جميع الوظائف الحكومية للبيع لتعويض الرشوة الكبيرة التي دفعها في إسطنبول لصالح السلطان العثماني إبراهيم المجنون، كي يوليه حكم مصر، فصارت الرشوة في العهد العثماني والمعروفة باسم «البقشيش» أمرا مسلما به إلى حد أن الإدارة المركزية في إسطنبول أبقت رواتب ولاتها في الأقاليم المختلفة منخفضة، أخذة في الحسبان الرشاوي التي يتقاضونها بانتظام، فأطلق المصريون العنان لألسنتهم ضد الولاة المرتشين، وراحوا ينسجون عدة أمثال شعبية تعبيرا عن السياسات العثمانية الفاسدة، والتي أثرت على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل مصر على مدار 400 عاما.
«أطعم الفم تستحي العين»
كان المصريون على علم بالسبل الملتوية التي أوصلت الحكام العثمانيين إلى كرسي الولاية في قلعة الجبل، فكانوا يتعمدون تذكيره بأصله الوضيع وسبه قائلين «لعنك الله ولعن الياسرجي (تاجر العبيد) الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميرا»، وبات معروفا عند العامة من الشعب أن الوالي العثماني «كرشه واسع»، تعبيرا عن حجم الرشاوي التي يتلقاها الوالي العثمانلي، وانتشرت الأفة بين موظفي الدواوين الحكومية في القاهرة وفي الأقاليم، واعتبر «البقشيش» حق أصيل لا تسير المعاملات الرسمية على أيديهم دون الحصول عليه، ما كان سببا في إطلاق المصريين المثل الشعبي «ارشوا تشفوا» و «أطعم الفم تستحي العين».
«يفتي على الإبرة ويبلع المدرة»
بلغت الرشوة في ظل الاحتلال العثماني بعد اسقراره بمصر، إلى سلك القضاء، والذي تضرر بدخول سليم الأول إلى أرض المحروسة، وتعينه قاضيا روميا من إسطنبول كقاضي قضاة القاهرة، والذي كان يجهل العلوم الشرعية، حتى أن ابن إياس وصفه بأنه «أجهل من حمار».
انتشرت الرشاوي بين القضاة، وتقاعسوا عن أداء مهامهم إلا بعد الحصول على رشوة فقال المصريون فيهم المثل «يفتي على الإبرة ويبلع المدرة»، إلا أنه كانت هناك حادثة مشهورة بين أرجاء المحاكم المصرية، صيغ فيها المثل الشعبي «الحق نطاح»، على أساس الخصومة التي رفعت في مجلس أحد القضاة وقدم خلالها أحد الخصوم «أوزة» كرشوة للقاضي، بينما قدم الثاني «خروفا» فقبل الخروف وحكم لصاحبه قائلا «الحق نطاح».
ولما التصقت بألسنة القضاة كلمة «فوت علينا بكرة»، تعبيرا عن عدم الاهتمام بالقضية التي لم يقدم صاحبها رشوة، تداول المصريون أزجال ابن عروس والتي أبدعت التعبير عن صبر المصريون على بلاء العثمانيين، فقال «لابد من يوم معلوم..تترد فيه المظالم.. أبيض على كل مظلوم.. أسود على كل ظالم».