قصة منتصف الليل.. أب للإيجار يتحول لمصدر أمان
الخميس، 22 نوفمبر 2018 10:00 م
اتكأت "هالة" على أريكتها تحتسى مشروبها الدافئ وهى تداعب هاتفها الصغير، لتشاهد صور طفلتها منذ الأيام الأولى من ولادتها، والتى لم تجد وسط كل هذه الصور ظهور لزوجها الذى تركها قبل أن يعلم بخبر حملها، وتعاملت على مدار 4 سنوات، وكأنها لم تتزوج يوما، وملأت قلبها بحب ابنتها الوحيدة، والتى اعتبرتها الحسنة الوحيدة من هذه العلاقة.
قاطع تفكيرها صوت طفلتها، وهى تطرق الباب بعنف، فأسرعت لاستقبالها رغم وصولها مبكرا من الحضانة، فوجدت طفلتها "ريم" عينيها مليئة بالدموع ورفضت الحديث ودخلت مسرعة إلى غرفتها، فوقفت المشرفة على توصيل الأطفال لمنازلهم من الحضانة تقص على "هالة" ما حدث.
الطفلة الصغيرة تستمع لأحاديث زملاءها عن والديهما، وكلما نطقوا كلمة بابا تلتفت لهم الفتاة باستنكار وتتساءل "يعنى إيه بابا"، وهو ما جعل الأطفال يسخرون منها بشدة، وقابلت الفتاة هذا الموقف بالبكاء. ومع تكراره لعدة أيام، قررت الفتاة تجنب التعامل مع الأطفال لتجلس وحيدة خوفا من إعادة الموقف، ولكن اليوم وقفت المعلمة تشرح للجميع أهمية وجود الأب والأم فى حياتنا، وتردد أغانى فى حبهم، فوقفت إحدى الأطفال، وأشارت إلى "ريم" قائلة: "ريم مش عارفة يعنى إيه بابا.. دى تقريبا ملهاش بابا زينا".
وهنا انهمرت "ريم" فى البكاء أمام الجميع، وتركت الجميع وجرت بعيدا، فحاولت إيقافها، ولكنها رفضت، وطلبت الذهاب إلى المنزل، وهو ما فعلناه عسى أن تهدأ، وبعدما استمعت "هالة" لهذا الحديث، احتارت فى الأمر، وشعرت بالعجز عن التصرف، فأين أجد والدها الذى لم نعلم عنه شيئا منذ سنوات، ولم يعلم بإنجاب الفتاة من الأساس.
ظلت "هالة" تفكر فى الأمر إلى أن قررت محادثة صديقتها، عسى أن تجد الحل لديها، وهو ما حدث بالفعل، فقد اقترحت صديقتها عليها أن تؤجر شابا ليلعب دور الأب فى عيون ابنتها بمقابل مادى فى كل لقاء، وبدأت الصديقتان فى رحلة البحث عن هذا الشاب، إلى أن وجداه بالفعل من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، شاب فى أواخر العشرينات من عمره يدعى "أحمد" مر بتجربة بائسة فى علاقة زوجية انتهت بالطلاق، لعدم قدرته على الإنجاب، واتفقا على أن يخبر الفتاة بسفره كل هذه الأعوام، واشترت "هالة" مجموعة كبيرة من الملابس والهدايا لإبنتها ليعطيها لها هذا الشاب.
وبالفعل جاء "أحمد" لمنزل "هالة" واستقبلته بحفاوة، وأخبرت ابنتها قائلة: "بابا رجع من السفر تعالى بسرعة"، فأسرعت الفتاة إلى الشاب، وكادت قدميها أن تطير من سرعتها للوصول إليه، وارتمت فى أحضانه، وبعد دقائق تعالى صوت بكاءها فرحا برؤية والدها، وفى ذات اللحظة شعر الشاب بالحب الذى حرم منه، حب الأطفال المليئ بالبراءة والحنان، فظل عناقهما مستمرا لساعة تقريبا، وبعدها بدأ يفتح الحقائب ليعطيها الهدايا، ولكنها رفضت وعادت إلى حضنه، وطلبت منه أن يحملها ويذهب بها إلى غرفتها.
فنظر "أحمد" إلى "هالة"، فأجابته بعينيها بالموافقة، فاصطحبها لغرفتها، وظلت يداها متشابكة حول عنقه لساعات طويلة، إلى أن غفلت عيناها، فخرج من الغرفة فوجد الأم فى انتظاره، لتعطى له المبلغ المتفق عليه، ولكنه رفض بشدة، وطلب منها أن يلعب دور الأب مع الطفلة دون مقابل، فمثلما هى بحاجة إليه فهو بحاجة إليها أيضا، فصمتت "هالة" أمام إصراره، إلا أنه تركها وعاد إلى منزله على أن يأتى فى صباح اليوم التالى.
وفى كل صباح يأتى "أحمد" يصطحب "ريم" إلى الحضانة أمام زملاءها، ويعود فى موعد خروجها ليصلها للمنزل، ويقضى معها طوال اليوم حتى تغفل فى غرفتها، ومع الوقت اعتادت "ريم" على وجوده، فأصبحت ترفض الطعام بدونه، وترفض النوم دون أن يداعب شعرها، وأصبح وجوده أمر فى غاية الأهمية، وفى الوقت ذاته كان يشعر "أحمد" بذات الأمر، فقد اعتاد على طفلته المدللة، ولم يتصور الحياة بدونها بعد ذلك.
وظل الأمر على ما هو عليه لعامين، خلال هذه الفترة وجد كل منهم ما ينقصه فى الطرف الآخر، فالشاب كان يحتاج لجو عائلى وطفل يحلم به ليلا نهارا، والطفلة تحتاج لأب، والأم تحتاج إلى أنيس لوحدتها وأب لإبنتها لتعيش سوية، فعاشت الأسرة فى أمان إلى أن فوجئت "هالة" بعودة زوجها وهنا وقعت فى حيرة، فكيف تخبره بأنها أنجبت وكيف تخبر الفتاة أن الشاب الذى تعيش معه طوال اليوم ليس والدها الحقيقى، ولكنها وجدت "أحمد" يفاجئها بطلبه الزواج منها ليكتبا نهاية المسلسل الذى صنعاه سويا من أجل طفلتها، وبالفعل كانت "هاله" حصلت على حكم من المحكمة بطلاقها من زوجها لغيابه التام وتوجهت برفقة "أحمد" إلى المأذون وعقدا قرانهما واتفقا على أن يبدأوا حياة جديدة يملأها الحب والاحتواء.