بعد اختفاء حصة وكراسة الخط العربى.. هل يعود زمان «حسّن خطّك» للقضاء على «نبش الفراخ»؟

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018 03:00 م
بعد اختفاء حصة وكراسة الخط العربى.. هل يعود زمان «حسّن خطّك» للقضاء على «نبش الفراخ»؟
كتايب
كتب ــ محمد أبو النور

دخلت مرحلة تردى وتراجع الكتابة باللغة العربية والخط العربى إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليه، بعد أن سيطرت عملية «نبش الفراخ» فى الكتابة ــ كما يسميها المثقفونــ على كل مناحى الحياة فى مصر، بداية من مراحل التعليم المختلفة مروراً بالمصالح الحكومية، من وزارات وهيئات ومؤسسات، ومنها المحاكم والصحف والفضائيات ولدى الأطباء و الصيادلة إلخ إلخ.

هذا الوضع المأساوى للكتابة بلغة الضاد في بلادها، لم نصل إليه فجأة بل جاء نتيجة طبيعية وتراكمية لعدد من الأسباب والمعوقات، طوال سنوات الربع قرن الأخير بداية من التسعينات وربما قبلها بقليل، وقد بلغت أزمة الكتابة باللغة والخط العربى ذروتها بوصول وزراء لمواقع المسئولية وهم لايجيدون الكتابة بل ويقعون فى أخطاء إملائية، بعد أن اختفت كراسة وحصة الخط العربى والتى كانت اللبنة الأولى ومعها الكتاتيب فى تعليم واتقان الكتابة بخط جيد وجميل.

الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم

الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم

 

عبارة «حسّن خطّك»

فى وقت من الأوقات، كانت القرى والعزب والنجوع بالمراكز وحضر المحافظات غنيّة، بمن يجيدون الكتابة بالخط العربى وكانوا هم الأغلبية، بينما كانت هناك فئة من المتعلمين والموظفين وطلاب العلم تحاول أن تنزوى فى ركن بعيد ويعتريها الخجل والحرج لعدم القدرة على الكتابة بخط واضح، بل كانت الكلمة الشهيرة «حسّن خطّك»، التى كان يكتبها المعلمون ومدرسو اللغة العربية فى كراسة الواجب للتلاميذ، خلال مراحل التعليم الأولى تلقى عليهم هموماً ثقيلة ويحاولون إخفائها عن الوالد والوالدة والأسرة والأصدقاء، وكانوا يخجلون منها تمام الخجل.
 
فى بعض الأحيان كان الأطفال ينزعون هذه الورقة بتوقيع المدرس «حسّن خطّك»، حتى يأمنوا السخرية والاستهزاء من جانب كل من يراها، غير أنه وبمرور الزمن وتراجع الكتابة بالخط العربى،أصبح الأمر لا يشكل حرجاً ولا حياء فى أن يكتب مسئول كبير،فى وزارة أو مصلحة حكومية أو خاصة على طريقة نبش الفراخ، فى حين أنه كان هناك مزارعون وأرباب مهن لم ينالوا حظاً كبيراً من التعليم، يبدعون فى الكتابة بالخط العربى نسخ ورقعة، درجة تبهر من يشاهده، وجميعنا قد يعرف قريباً أو جاراً أو بلديات كان يكتب بطريقة وخط جميل، بحيث يجعله مقصداً لنا فى مراحل التعليم الأولى من أجل كتابة اللوحات المدرسية.
 
وكثير منهم كان يعمل فى وظائف عمال فى السكك الحديدية أو المستشفيات أو التليفونات قبل أن تتحول إلى شركات، أو مأذونين شرعيين ومنهم غير أن الكثير منهم كان قد اتقن الخط نتيجة تردده على كُتّاب القرية، وهو صغير وتعلّم جودة الكتابة من الريشة والقلم واللوح القديم الذى كان شائعاً فى الكتاتيب في الخمسينات والستينات والسبعينات بينما حلت الكراسات محل الألواح بداية من منتصف السبعينات.
 

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى

 ملاحظ و«عرضحالجى»

منذ الصغر تعلق الكثير بخطوط «خضير البورسعيدى» من خلال كتابته الجميلة باللغة العربية رقعة ونسخاً، كما تعلق بأسماء لها شبيه ومثيل نادر فى كل محافظات وقرى مصر.
 
ففي قرية منهرة محافظة بنى سويف، لن ينسى أحد عبد التواب كيلانى وأحمد طرفاية، لحلاوة وجمال كتابتهما وخطوطهما في اللغة العربية، والتى كانت مثار إعجابنا لأوقات طويلة نسرح فى جمالها، على الرغم من أنهما لم يصلا فى التعليم لمراحل متقدمة، كما كان يجذب انتباه أهالي القرية الحاج عثمان أمين من قرية كوم الرمل فى حلاوة وجمال خطه والذى أخذه عنه ابنه كُريم عثمان أمين المدرس بالأزهر.
 
الفنان مسعد خضير البورسعيدي نقيب الخطاطين
الفنان مسعد خضير البورسعيدي نقيب الخطاطين

الذكريات الجميلة مع الخط العربي، لم تعد، لكن كيف تعود؟، نقيب وشيخ الخطاطين المصريين خضير البورسعيدى، قال في كلمات بسيطة على طريقة «وكل لبيبٍ بالإشارة يفهمِ»: «فى عام 2006 كان لدينا 12 ألف طالب يلتحقون بمدارس الخطوط على مستوى الجمهورية، لكن مع تراجع اهتمام وزارة التربية والتعليم بها، تراجع هذا العدد كثيرًا، علاوة على تراجع أعداد مدارس الخط العربي من 340 مدرسة إلى 40 مدرسة خط».

se

الكتاتيب فى القرى تحافظ على اللغة العربية

العودة للكتاتيب

 

«لا أعتقد أن هناك كاتبا أو شاعرا أو مفكرا مرموقا لم يلتحق بالكُتّاب، وهناك أمثلة كثيرة مثل طه حسين والعقاد والرافعى وغيرهم ممن سبقوهم أو لحقوا بهم».. بهذه الكلمات تحدّث الإعلامى محمد عبد الرحمن بخبرته الطويلة فى الكتاتيب وإعلام الأزهر والفضائيات، مضيفًا: لقد كان الكُتّاب ومازال هو المدرسة الأولى لتعليم وتحفيظ الأطفال القرآن الكريم وتدريبهم على مهارات الخط والكتابة، وقد كان للكُتّاب أدواته التى تطورت بتطور الزمان مرورا باللوح الخشبى ثم اللوح المعدنى وصولا إلى الكراسة العادية.

وتابع: «كان سيدنا أو مُحفظ القرآن الكريم شخصية حازمة لكن تأثيره على الأطفال ممن يتعلمون على يديه تختلف من مُعلم إلى آخر حسب الشخصية، وقد يظن البعض أن دور الكتاب مقصور على تحفيظ القرآن الكريم فحسب، ولكن من المهم التأكيد أيضا على دوره التربوى والاجتماعى للأطفال، فالكُتّاب وسيلة للتفاعل الاجتماعى بين الطفل وأقرانه، يكتسب منهم ثروته وحصيلته اللغوية وسلوكه الاجتماعى، كما أن للكُتّاب دور لايمكن إنكاره فى تعليم مبادئ الدين الإسلامى خاصة الصلاة».

وانتهى إلى أن الكُتّاب كذلك من الوسائل المهمة لتأهيل الطلاب على القراءة والكتابة قبل التحاقهم بالمدرسة، وعندما بدأ يختفى الكُتّاب بمفهومه القديم تدريجيا، شاهدنا للأسف تلاميذ فى المرحلة الإعدادية لايجيدون القراءة ولا الكتابة مما يؤكد على أن الكُتّاب دوره مكمل للعملية التعليمية، لكن مما يبعث على الأمل أن الكتاتيب عادت فى ثوب جديد فى أشكال أكثر تطورا من خلال طريقة نور البيان وغيرها، التى أفرزت أطفالا يجيدون مهارات القراءة والكتابة فى عمر الأربع والخمس سنوات.

 

 

الإعلامى محمد عبد الرحمن عويس
الإعلامى محمد عبد الرحمن عويس

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق