مئوية عيد الجهاد الوطني.. قصة يوم لقاء سعد زغلول بالمعتمد البريطاني وتشكيل الوفد المصري

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018 03:00 م
مئوية عيد الجهاد الوطني.. قصة يوم لقاء سعد زغلول بالمعتمد البريطاني وتشكيل الوفد المصري
سعد زغلول والنحاس باشا
وجدي الكومي

ربما لا تعرف الأجيال الجديدة الشابة، أي شيء عن عيد الجهاد الوطني الموافق اليوم الثالث عشر من نوفمبر 1918، ولولا جهود المؤرخين، والباحثين في التاريخ، ما تذكرنا واحدة من أهم مناسبات مصر التاريخية، وهي مناسبة عيد الجلاء الوطني، الذي تمر عليه اليوم مائة عام، حيث كان عيد الجهاد الوطني، عيدا قوميا لمصر، حتى ثورة يوليو 1952، ولا ندر أسباب إلغاء هذا العيد، فهل كان هذا غيرة من فصل حاسم من فصول الوطنية المصرية؟ وهل نالت مصر استقلالها، دفعة واحدة، أم على عدة مراحل؟

جدارية بالإسكندرية لسعد زغلول بينما يقدم عريضة الجلاء للسير ونجت
جدارية بالإسكندرية لسعد زغلول بينما يقدم عريضة الجلاء للسير ونجت

في مثل هذا اليوم قبل قرن من الزمان توجه سعد زغلول، وعلى شعراوي، وعبد العزيز فهمي، لدار المندوبية البريطانية لمقابلة السير ونجت المعتمد البريطاني لطلب السفر إلى مؤتمر الصلح الذي عقدته أوروبا في باريس.

كانت إنجلترا قد اكتشفت أهمية مصر ودورها المحوري، خلال الحرب العالمية الأولى، وقررت ألا تتنازل عنها، أو تفك نظام الحماية الذي أعلنته على مصر قبل الحرب، وقررت إشراك الأجانب في مجالس المديريات، والمجالس المحلية، والقروية، وإقرار نظام الامتيازات الأجنبية، بما يسمح بتغلغل النفوذ الأجنبي في مصر، ومنح الأجانب حق الترشيع، وإنشاء مجلسين، أحدهما يسمى مجلس الأعيان، أو الشيوخ، ويضم الوزراء، والمستشارين الإنجليز، والثاني مجلس نيابي، يتم اختيار أعضاءه بطريقة الانتخاب، لكن هذا المشروع تم رفضه، وبمجيء السير ونجت لمصر، كان عليه أن يضمها للإمبراطورية ودخل في مناقشات مع السلطان حسين كامل، عرف منها أنه لا مانع لديهما لكن السلطان حسين كان يتطلع أن تكون ذريته وارثة للعرش، ورأى أن نظام الحماية البريطانية لم يحدد شكلا للوراثة، وحسب مذكرات سعد زغلول، فإن السلطان حسين سعى في عقد مشروع اتفاق مع إنجلترا هادفا معالجة أمر الوراثة، يتضمن أن تكون حكومة مصر ملكية مقيدة تحت رئاسة سلطان وراثي، ووزراء ينتخبهم هو، وأن يكون للدولة الحامية الحق في أن تحتل أي نقطة من الديار المصرية، على مصاريف من طرف الحكومة لا تزيد على مبلغ معين.

انزل المشروع الذي أبرمه سلطان مصر حسين كامل، البلاد إلى مرتبة العبودية، إذ كان ما يهمه أن يرث العرش، وفي مقابل ذلك اعترف باستمرار الحماية، ولم يعارضها، ورضى عن تصرفات إنجلترا أثناء فترة الحرب، بل أعطاها الحق بالإضافة إلى حقوق الحماية في الاحتلال لأي بقعة من مصر، كذلك أطلق يد المستشار المالي في ميزانية مصر، وأطلق سيف السردار فيها حتى الوظائف وافق حسين كامل على أن يحتلها الإنجليز.

لم تكن الحرب العالمية الأولى لتنتهي دون مساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي وجدت نفسها متورطة في الحرب، عندما ضربت الغواصات الألمانية البواخر الأمريكية في عرض الأطلنطي، فأعلن الرئيس الأمريكي ولسون الحرب على ألمانيا، وعقب دخول ولسون الحرب، أعلن في 8 يناير 1918 مبادئ مهمة اتخذتها الشعوب نصيرا لها، وهو تعميم مبدأ مونرو، وتطبيقه في كل أنحاء العالم، وبين أن لكل شعب حقا في اختيار السياسة التي تتفق معه، وتقرير مصيره.

وشدد ولسون على أن ممتلكات الدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى يجب أن تكون سيادتها مضمونة، وكان لانهيار الدولة العثمانية وانهزامها سببا في إيقاظ الوعي القومي في الشعوب العربية، وخاصة مصر، وبعدما تأكد أن النصر صار قريبا من إنجلترا، بدأ المصريون ينتظرون منها رد الجميل، بعد التضحيات التي قدموها في الحرب لها ولحلفائها.

في مقاله بمجلة ديوان يكشف الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة الأسبق، أنه مع نهاية الحرب حدث ما لم يكن في الحسبان وما لم تكن تتوقعه سلطات الاحتلال التي تصورت واهمة أن الهدوء الذي خيم على البلاد أثناء الحرب كان خنوعًا من المصريين وقبولًا للاحتلال، فقبل أن تنتهي الحرب اتفق سعد باشا زغلول الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وزعيم المعارضة بها وزميليه عبد العزيز فهمي بك وعلي شعراوي باشا على أن يطلبوا من دار الحماية تحديد موعد لهم ليقابلوا السير ريجنلد وينجت المندوب السامي البريطاني.

 

وقبل أن تعلن الهدنة بساعات تقدم سعد ورفيقيه يوم الاثنين 11 نوفمبر بطلبهم إلى دار الحماية بوساطة من حسين باشا رشدي رئيس الوزراء، فاستجابت دار الحماية لطلبهم وحددت لهم موعدًا يوم الأربعاء 13 نوفمبر 1918 الساعة الحادية عشر صباحًا.
وبالفعل ذهبوا إلى دار المعتمد البريطاني وهو الحاكم الفعلي للبلاد، وقابلوه ودار بينهم حوار طويل استمر لمدة ساعة؛ طالبوا فيه بإنهاء حالة الأحكام العرفية  والسماح لوفد يمثل المصريين بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح الذي كان سيحدد خارطة العالم الجديد بعد الحرب.

وكان رد المعتمد البريطاني السير وينجت الرفض القاطع على أساس أنهم لا يحملون أي صفة تتيح لهم تمثيل مصر أو الحديث باسم المصريين.
وأورد المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن ثورة 1919 نصًا للحوار الذي دار بين الزعماء الثلاثة والمندوب السامي البريطاني، حيث طالب سعد زغلول بإلغاء الأحكام العرفية وإنهاء مراقبة الصحف والمطبوعات، تلك الرقابة التي ضاق بها المصريون...
وقال سعد: "المصريون لهم الحق في القلق على مستقبلهم"، وعندما رد عليه ونجت مطالبًا إياه والمصريين بعدم التعجل والنظر للعواقب البعيدة، علق سعد على مقولة ونجت بأنها عبارة مبهمة غير مفهومة.

 

وقد وجه ونجت أثناء الحديث انتقادات لمحمد فريد ورجال الحزب الوطني، أوضح علي شعراوي باشا دوافع الحزب الوطني في اتخاذ المواقف المتشددة...
وقال: "نريد صداقة الحر للحر لا العبد للحر"...
عندها قال ونجت في استنكار: "إذًا فأنتم تريدون الاستقلال"...
فرد سعد: "ونحن أهل له"...

كانت محاولة عرقلة المعتمد البريطاني لسفر الوفد المصري، قد باءت بالفشل، بعدما اتفق سعد زغلول على تأليف هيئة تسمى الوفد المصري، في إشارة إلى أنها وفد مصر، للمطالبة باستقلالها، وأن تحصل هذه الهيئة على توكيلات من الأمة للحديث باسمها، ولم يتوقع ونجت ولا إنجلترا ولا سلطان البلاد الجديد أحمد فؤاد، الذي عينه الإنجليز، بعد وفاة حسين كامل، أن المصريين سيجمعون التوكيلات فردا فردا، لسعد زغلول ورفاقه ليكونوا وكلاء عن مصر في حضور مؤتمر الصلح، وليشكلوا وفدا يمثلها هناك، للسعي من أجل الحصول على الاستقلال.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة