مئوية الحرب العالمية الأولى.. كيف كانت أحوال مصر خلال هذه الحرب؟
الإثنين، 12 نوفمبر 2018 03:00 م
احتفل قادة العالم أمس الأحد بمئوية الحرب العالمية الأولى، أو التي كانت تعرف بالحرب العظمى، حيث قادت فرنسا الاحتفالية، ودعت 70 من قادة الدول إلى العاصمة باريس، للمشاركة في مسيرة إلى قوس النصر، وتصدر زعماء الدول السبعين، دونالد ترامب، وأنجيلا ميركل، وإيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الذي افتتح منتدى باريس الأول للسلام.
ماكرون ومريكل وترامب والعاهل المغربي، وفلاديمير بوتين في احتفالية باريس بمئوية الحرب العالمية الأولى
في كتابها "مصر في الحرب العالمية الأولى" تكشف المؤرخة لطيفة سالم، العديد من الجوانب التي كانت عليها مصر خلال اندلاع الحرب في العام 1914، حتى 1918، وتتطرق عبر فصول الكتاب الست، إلى أوضاع مصر السياسية " الفصل الأول" والاقتصادية، في الفصل الثاني، والاجتماعية في الثالث، والتعليم والثقافة في الرابع، والميدان الحربي في الخامس، والحركة الوطنية في الفصل السادس.
غلاف كتاب مصر في الحرب العالمية الأولى
وتشير المؤرخة لطيفة سالم في مقدمة الكتاب، إلى أن مصر كانت محتلة من قبل إنجلترا منذ صباح 15 سبتمبر 1882 بعد هزيمة الثورة العرابية في الوقت الذي كانت فيه مصر من الناحية الرسمية لها استقلالها الذاتي بمقتضى تسوية 1840 و1841، وكانت إنجلترا خلال الاحتلال تحاول إقناع الدول بأن مصر لإنجلترا وتسعى للاعتراف بالوضع القائم فيها، وتخطيط علاقاتها مع الدولة العثمانية صاحبة السيادة الشرعية على مصر، والارتباط بينها وبين الخديو الحاكم المستمد سلطته من خليفة المسلمين في الآستانة.
جنود في الخنادق خلال الحرب
تلونت سياسة إنجلترا تجاه تركيا أو الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر، فكثيرا ما كانت تعلن لها عن نيتها في سحب جيوشها منها، وكثيرا ما حددت موعد جلائها عن مصر، ثم خلفت به، مما أقلق الدولة العثمانية، فاستعانت بجمال الدين الأفغاني صاحب صيحة وحدة العالم الإسلامي وعندما أرادت تعيين الحدود بين مصر وممتلكاتها، رأت أن تضم العقبة وملحقاتها وشبه جزيرة سيناء إلى ولاية الحجاز، وأرسلت الفرمان الجديد لعباس حلمي الثاني في 17 يناير 1892 حاملا هذا المعنى، إلا أن إنجلترا تصدت لهذه الخطوة من قبل الدولة العثمانية، واعتبرتها تهديد للمصالح البريطانية في مصر، وأمر كرومر بعدم قراءة الفرمان، ومضى ضغط إنجلترا على الآستانة حتى تراجعت عن تعيين الحدود، وعادت الدولة العثمانية في أوائل عام 1905 لعرقلة مسار إنجلترا في مصر، فنضجت مسألة الجامعة الإسلامية، وحاولت الاعتماد على ألمانيا التي ظهرت كدولة قوية في أوروبا لمناوئة إنجلترا، وعندما أحست إنجلترا برغبة الدولة العثمانية في فتح مسألة تعيين الحدود مرة أخرى، أعدت سيناء للأعمال الحربية، وسرعان ما اعتدى الأتراك عليها، واحتلوا طابا لمد خط سكة حديد، وعندما طالبت إنجلترا الدولة العثمانية بأن تجلو عن طابا، حاولت الأخيرة الاعتماد على فرنسا وألمانيا لكسب تأييدها، لكن خاب أملها، ففرنسا وروسيا لهما ميول للانحياز لإنجلترا، وألمانيا فضلت الحياد، فهذا تراجعت الدولة العثمانية وانسحبت في مايو عام 1906 من طابا.
الجنود يرتدون أقنعة الغاز في الحرب العالمية الأولى
في الفصل الأول من الكتاب، تشير لطيفة سالم إلى أحوال أوروبا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكيف حاولت ألمانيا التي ظهرت كدولة موحدة، أن تفرض مطالبها على دول أوروبا بأن يكون لها مثل ما لهم، فسعت لتقوية أسطولها الحربي، وزيادة قواتها المسلحة، والتقرب من الدولة العثمانية، التي كانت آخذة بالضعف، والتدهور، ففي عامي 1908 و1909 ضمت النمسا ولايتي البوسنة والهرسك ، واحتلتهما عسكريا، وهو ما أثر على الدولة العثمانية، كما تسببت الحربين البلقانيتين الأولى والثانية في إضعاف العثمانيين، وارتداد الراية العثمانية نحو الآستانة، وأخيرا غزو إيطاليا لطرابلس الغرب، وبرقة، وإجلاء العثمانيين عنها.
في النصف الأول من سبتمبر 1914 كان الجيش العثماني آخذا في التجمع على حدود مصر، وجمعت الجمال الكافية لاختراق سيناء، والوصول إلى القاهرة، وفي نفس الوقت قرر مجلس الوكلاء أن تقوم الحكومة العثمانية تبليغ الحكومة المصرية الإرادة السنية القاضية بإلغاء الامتيازات، وتطلب منها التنفيذ في مصر بصفتها ولاية عثمانية، فاحتج السفير البريطاني لدى الآستانة على حشد الجيوش العثمانية بالقرب من الحدود المصرية.
وتوتر الجو بين إنجلترا والدولة العثمانية، وكانت الأخيرة تحس أن لندن تعد لها عملا عدائيا في مصر، فهي تخشى أن تضمها إليها، وراحت تذيع في الدول الصديقة أن إنجلترا نقضت اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، ليس فقط باحتلالها قناة السويس، وإنما أيضا بتسليحها للوقوف أمامها، وقد كان من الطبيعي أن يخلق موقف إنجلترا نوعا من القلق والريبة للحكومة العثمانية بالنسبة للحالة في مصر، ومن تلك الإجراءات التي اتخذت حتى إن مصر غدت كأنها جزء من الإمبراطورية البريطانية، فالأحداث تؤيد ذلك، إذ أصبح كل شيء في مصر يبدو في صف إنجلترا.
في 12 أكتوبر 1914 كتب السفير الإنجليزي بالآستانة إلى حكومته يقول: لقد أكدت للصدر الأعظم في مناسبات عدة بأن حكومة جلالة الملك لن تغير الحالة في مصر، ومع ذلك فإن التصريح بأن مصر كدولة في حالة حرب، وطرد وكيلي ألمانيا والنمسا منها ووصول كتائب عسكرية من الهند هذا كله خلق جوا من القلق في تركيا.
مضت الحكومة العثمانية تندد بأعمال إنجلترا في مصر، وفي أول نوفمبر 1914 أرسل السلطان منشورا إلى الدول الكبرى ليلفت نظرها إلى أن وجود الجنود الإنجليز في مصر لا يسمح بممارسة حقوق سيادته.
وبإعلان إنجلترا الحرب على الدولة العثمانية في 5 نوفمبر رأت ضرورة السيطرة التامة على مصر والقضاء على التبعية الاسمية لها، خاصة وقد كانت تعلم جيدا أن مصر هي الهدف المقصود، فعملت منذ اليوم الأول لنشوب الحرب معها على جعل مصر أشبه بمستعمرة إنجليزية فأخذت الحاميات الإنجليزية ترسل إلى الإسكندرية وضواحيها لحفر الخنادق وإقامة الاستحكامات.
خلعت إنجلترا الخديو عباس حلمي الثاني الذي كان يحكم مصر في ذلك الوقت، وكان في زيارة لأوروبا بدأها في الفترة من 21 مايو 1914، وانتقل من فرنسا إلى تركيا، وكان معروف عنه انحيازه إلى الوطنيين، والداعين للتحرر من الاحتلال البريطاني، فخلعته إنجلترا، بدعوى انحيازه إلى عدوها في الحرب وأسندت الحكم إلى حسين كامل، شقيق الخديو توفيق، وعم عباس حلمي الثاني، ولقبوه بلقب سلطان مصر، وفي 18 ديسمبر، فرضت إنجلترا الحماية على مصر، منهية علاقتها بالدولة العثمانية، وانفصالها عنها، ثم أعلنت الأحكام العرفية.
شاركت مصر مرغمة في الحرب العالمية الأولى، وأرسلت أكثر من مليون و200 ألف مقاتل ما بين عسكريين ومدنيين من العمال والفلاحين، وفقدت مصر خلال هذه الحرب ما يقرب من نصف مليون شهيد، ودفنوا في بلاد مختلفة بمقابر الكومنوليث.