في ذكرى ميلاد المؤرخ الأمريكي ول ديورانت.. ما حكاية «قصة الحضارة» التي جابت العالم؟
الإثنين، 05 نوفمبر 2018 04:30 م
في الخامس من نوفمبر عام 1885، وُلد المؤرخ الأمريكي ول ديورانت، الذي اشتهر بمنجزه الضخم "قصة الحضارة"، وتوفى عام 1981، وتلقى تعليمه في مدراس نورث آدامز، بولاية نيوجيرسي، وفي العام 1917، نال درجة الدكتوراة من جامعة كولمبيا، وأخذ يعلم الفلسفة في نفس الجامعة التي نال منها شهادته، وهو ما أهله لإخراج كتابيه "قصة الفلسفة" و"قصة الحضارة.
مجلدات قصة الحضارة
وكتاب قصة الحضارة عرفته الأجيال في مصر بعدما تم إتاحته عبر طبعة مكتبة الأسرة، ولكن قصة مؤلفه ظلت مجهولة، ولعل ذكرى مولده اليوم فرصة للكتابة عن هذا المؤرخ الأمريكي الذي ترك إرثا كبيرا.
من أجل هذا الإنجاز الكبير، طاف ول ديورانت البلاد، فسافر إلى أوروبا عام 1927، وذهب إلى مصر والشرق الأدنى والهند والصين واليابان عام 1930، وعاد ليطوف بالعالم من جديد، فزار اليابان ومنشوريا وسيبريا وروسيا عام 1932.
قصة الحضارة
والناظر إلى منجز قصة الحضارة، الذي وضعه ول ديورانت، لا يملك إلا أن يعجب بهذا الهرم الكبير، حيث يقول دورانت في الباب الأول من المجلد الأول لمنجزه، أن الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة، الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة، وإزهارها.
يشير ديورانت إلى أن الحضارة مشروطة بطائفة من عوامل هي التي تستحث خطاها، أو تعوق مسراها، وأولها العوامل الجيولوجية، ذلك أن الحضارة مرحلة تتوسط عصرين من جليد، فتيار الجليد قد يعود للأرض في أي وقت فيغمرها من جديد، بحيث يطمس منشآت الإنسان بركام من ثلوج وأحجار، ويحصر الحياة في نطاق ضيق من سطح هذه الأرض، وشيطان الزلازل الذي تبني حواضرنا في غفوته، ربما تحرك حركة خفيفة بكتفيه فابلتعنا في جوفه.
يلقي ول ديورانت على العوامل الجغرافية دورا في نمو الحضارة، إذ يقول: فحرارة الأقطار الاستوائية وما يجتاح تلك الأقطار من طفيليات لا تقع تحت الحصر، لا تهيئ للمدنية أسبابها، فما يسود تلك الأقطار من خمول وأمراض، وما تعرف به من نضوج مبكر وانحلال مبكر من شأنه أن يصرف الجهود عن كماليات الحياة التي هي قوام المدنية، ويستنفدها جميعا في إشباع الجوع وعملية التناسل، بحيث لا تدر للإنسان شيئا من الجهد ينفقه في ميدان الفنون وجمال التفكير.
في الجزء الثاني من المجلد الأول لقصة الحضارة، الذي خصصه ويل ديورانت للشرق الأدنى، يتحدث المفكر والمؤرخ الأمريكي عن حضارات مصر والعراق، سومر وبابل، يقول:«لقد انقضى منذ بداية التاريخ المكتوب حتى الآن ما لا يقل عن ستة آلاف عام، وفي خلال نصف هذا العهد كان الشرق الأدنى مركز الشؤون البشرية، التي وصل إلينا علمها» وإذا ذكرنا هذا اللفظ المبهم في هذا الكتاب، فأنه يقصد به جميع بلاد آسيا الجنوبية الغربية الممتدة جنوب روسيا والبحر الأسود، وغرب الهند وأفغانستان.
المتطلع على أجزاء قصة الحضارة يقع في حبها بسهولة، ويتصفحها بسرعة، ويتمنى لو يمتد به العمر لمطالعتها كلها، خاصة الأجزاء التي يتحدث فيها عن اليونان، والهند، وعصر الإيمان، والنهضة، لقد ترك ويل ديورانت منجزًا كبيرا مهما، لا يجب أن تخلو منازلنا منه، ومن الواجب على مدارسنا الاحتفاء به، وتضمين مقتطفات، وفصول منه في مناهجها الدراسية للأطفال منذ الصغر.