في ذكرى ميلاده.. ألبير قصيري «فولتير النيل» الذي رفض الجنسية الفرنسية

السبت، 03 نوفمبر 2018 06:30 م
في ذكرى ميلاده.. ألبير قصيري «فولتير النيل» الذي رفض الجنسية الفرنسية
الروائي المصري الراحل ألبير قصيري
وجدي الكومي

تحل اليوم السبت، ذكرى ميلاد الكاتب المصري الكبير الراحل ألبير قصيري، المولود عام 1913، في الثالث من نوفمبر، والمتوفي منذ عشر سنوات، في باريس، عام 2008، حيث أقام طيلة حياته.

ألبير قصيري
ألبير قصيري

 

وُلد ألبير قصيري في حي الفجالة بالقاهرة لأبويين مصريين، أصولهما من الشوام الروم الأرثوذكس، ينتمون إلى بلدة القصير، قرب حمص في سوريا، وانتقلت عائلته إلى مصر أواخر القرن التاسع عشر.

قرأ قصيري لبلزاك، وموليير، وفيكتور هوجو، وفولتير، ورفض الحصول على الجنسية الفرنسية، على الرغم من حصوله على العديد من الجوائز الأدبية من فرنسا، مثل جائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية عام 1990 عن رواياته الست التي كتبها عن عامة الشعب بمدينة القاهرة، ومنها "بيت الموت المحتوم" و"العنف والسخرية" و"شحاذون ومتغطرسون" و"طموح في الصحراء" و"ألوان العار".

في حوار أجرته الكاتبة الصحفية الفرنسية ألييت أرميل سنة 1994، مع قصيري، قال ردا على سؤال لها عن التناقض بين حياته في فرنسا لمدة 45 عاما، وأحداث قصصه التي تدور في مصر: لا يوجد تناقض، لأنني أعود باستمرار إلى مصر، كانت لدي أسرة هناك، والآن من بين أفراد أسرتي لم يتبق سواي، لا زلت أنعم بحياة أبناء وبنات شقيقاتي وأشقائي، لكن آخر إخوتي توفي قبل سنة، فعمري الآن تقريبا 81 عاما.

طموح في الصحراء
طموح في الصحراء

 

وعما إذا كان يشعر أنه مصري أم فرنسي، قال: أشعر دائما بأنني مصري، فأنا لدي وطن، إنني لم أقصد فرنسا بحثا عن جواز سفر أو عمل، ومع ذلك أنا كاتب فرنسي، حتى أنني حصلت على جائزة الفرنكفونية.

في يونيو الماضي أقام المركز الثقافي الفرنسي احتفالية لتأبين ألبير قصيري بمناسبة مرور عشر أعوام على رحيله، يقول الروائي أحمد ناجي، الذي أدار الندوة التي حضرتها ناشرة قصيري جويل لوسفيلد، والمترجم الكبير بشير السباعي، وكاترين فرحي، والأستاذة الدكتورة حنان منيب، وكريستوف عياد، وإيرين فينولجليو، يقول ناجي: أثناء إعدادنا لاحتفالية عشر سنوات على رحيل قصيري التي أقيمت ليومين في القاهرة، أخذت أقلب في أوراق وصور ألبير قصيري، التي وصلتنا من باريس من خلال ناشرته، المقتنيات كانت دفاتر يكتب فيها ملاحظاته، ورسائل منه وأخرى موجهة إليه، دفتر يحتوي على ما يبدو أنه بداية رواية جديدة، ومن بين المقتنيات ظرف يحتوى عشرات الصور الفوتوغرافية غالبيتها مطبوعة بأحجام كبيرة، غاب قصيري عن معظم تلك الصور، وإن حضر أصدقاؤه، وأشخاص قرر لسبب ما الاحتفاظ بصورهم.

مؤامرة مهرجين
مؤامرة مهرجين

 

كان هم ألبير قصيري في أعماله فضح القاهرة التي تدعي التمدن والمعاصرة، وربما عشقها، وكانت منطقة إبداعه الأثيرة هي الهامش، الذي يحيا فيه شخصياته، يقول ناجي: في قصة ألبير قصيري "قتل الحلاق امرأته" المنشورة لأول مرة بالعربية في العدد الأول من مجلة التطور عام 1940، بترجمة عن الفرنسية لعلي كامل، يصف قصيري هذه المدينة، وتعيش شخصياته في بيئات مظلمة، يزدهر فيها الفقر وتسبح في محيط شاسع من اليأس، ثورة محبطة لمجموعة من الكناسين، وشاويش يستعرض قوته على سكان الحي الشعبي الفقير، وطفل حافي القدمين لا يملك سوى جلباب خفيف في برد الشتاء، ويحمل حزمة برسيم تحت إبطه.

ويتابع ناجي: في العدد الثاني من مجلة التطور، سينشر قصيري وبترجمة بديعة لعبد الحميد الحديدي قصته "اضطرابات في مدرسة الشحاذين، ينشأ خلاف فكري ويتحول إلى صراع أيدولجي محتدم بين المعلم أبو شوالي، الأستاذ بالمدرسة، والأديب جاد، وأفكاره الحديثة القائمة على علم النفس، حول فن الشحاذة.

سينشر قُصيري تلك القصص في مجموعة واحدة العام 1942 تحت عنوان “بَشَر نسيهم الله”. في هذه الفترة كان ابن حى الفجالة بالقاهرة، المولود العام 1913، يعج بالسخط الثورى لشباب جيل الحرب العالمية الثانية، ويقضي معظم الوقت في صحبة “جماعة الفن والحرية” وقائدها السياسي جورج حنين. يروى مجدى وهبة -أستاذ الأدب الانجليزى بعد ذلك- عن لقاء في العام 1942، عندما زار جورج حنين وكان يقيم في منزل والديه، حيث وجد عنده ألبير قصيري، رمسيس يونان، لطف الله سليمان وسلامة موسى.

 

كان النقاش محتدماً. سلامة موسى يتحدث عن التنوير والسلام والحضارة المصرية واللغة العربية، بينما جورج حنين وجماعته يتحدثون عن الثورة المستمرة، وخيانة الاتجاه الثوري في الاتحاد السوفياتي، ونكوص أراجون عن السريالية ببقائه في الحزب الشيوعي الفرنسي، كما أبدى حنين اشمئزازه من كلام ستالين عن الموضوع القومى. ومبكرًا، سينسحب ألبير من هذه النقاشات لينتقل للعيش في فرنسا، لكنه سيستمر في الكتابة عن شخصيات يدفعها البؤس نحو مزيد من السخط على المجتمع، ينتظرون ثورة غير محددة الموعد. وحينما تأتى الثورة العام 1952، ستكون جماعة ألبير قصيري من أشد المتفائلين، حتى أن جورج حنين كتب في رسالة لهنرى كاليه أثناء أزمة مارس 1954: “نعم، صديقي العزيز، نحن لا نرفض شيئاً. الضوضاء والهيجان، الضجة والعاصفة، كلها هنا.. الأعصاب لم تستسلم بعد.. بالنسبة للمستقبل، فجَسور جداً من يعطيه اسمًا”.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق