المال الأفريقي المستباح

السبت، 27 أكتوبر 2018 09:31 ص
المال الأفريقي المستباح
أحمد صلاح المستشار الإعلامي السابق ببروكسل يكتب:

تشير الصورة الذهنية للقارة الأفريقية إلى أنها تعاني من الفقر والصرعات والحروب بين أبنائها، ولكن بتحليل المشهد الأفريقي بدقة بالغة يمكن لنا أن نصل إلى حقيقية هامة مفادها "أن الثروات الأفريقية الضخمة هي مكمن الآثام والشرور التي يحياها أبناء القارة".

وفى الواقع، يتأسس هذا المنطق على تكالب القوى العظمى على القارة الأفريقية ليس بهدف تنميتها وتطويرها، ولكن للاستفادة من ثرواتها الطبيعية الضخمة، وليس أدل على ذلك من اليورانيوم المستخرج من النيجر والذي تعتمد عليه فرنسا في المقام الأول لتشغيل مفاعلاتها النووية، وهو ذات الوضع بالنسبة لبلجيكا التي تعتمد اعتمادا كليا على اليورانيوم الكونغولي في تشغيل مفاعلاتها النووية باعتبارها أحد المستعمرات البلجيكية السابقة، ولذلك فتعتبرها بلجيكا مصدرا شرعيا للحصول على احتياجاتها من المواد الأولية التي تذخر بها الكونغو.

إضافة إلى ذلك، فإن تجارة النفط والغاز، والأحجار الكريمة والمعادن النادرة قد نجحت في إشاعة ونشر الفوضى الممنهجة في أفريقيا، فخلال السنوات التي طوّرت فيها البرازيل والهند والصين وغيرها من «الأسواق الناشئة» اقتصاداتها، ظلت الدول الأفريقية الغنية بالموارد مقيّدة بسلسلة الإمدادات الصناعية، وعانت أزمات سياسية وصراعات عرقية، وفي الوقت الذي تمثل أفريقيا نحو 30%من احتياطات العالم من النفط والغاز والمعادن، و14% من سكان العالم، إلا أن حصتها من التصنيع العالمي ثابتة لا تتحرك عند عتبة الـ1% حتى عام 2011 وهى نسبة ثابته منذ عام 2000، هذا على الرغم من رواج صادرات أفريقيا من الموارد الطبيعية التي بلغت عام 2010 نحو 333 مليار دولار من صادرت الوقود والمعادن، إضافة إلى اعتماد فرنسا التام والكامل على اليورانيوم من النيجر في تشغيل مفاعلاتها النووية وهو ذات الأمر بالنسبة لبلجيكا التي تعتمد تماما على اليورانيوم الكونغولي في تشغيل مفاعلاتها النووية .

وفى الواقع، فإن عمليات النهب والسلب التي تتعرض لها اليوم مقدرات القارة الأفريقية تتم بوتيرة متسارعة كما لم يحدث من قبل. ومع تزايد الطلب العالمي على موارد أفريقيا، تصبح مجموعة من الأفارقة غنية بطريقة مشروعة، إلا أن الأغلبية العظمى، مثل القارة ككل، تعاني الفقر، بسبب السلب والنهب.

شبكات السلب والنهب:

ولكن يجب أن نقر ونعترف بأن تكالب القوى العظمى على الموارد الأفريقية قد ضل طريقه ليتجاوز نطاق الدول ويتجه صوب شبكات تهريب دولية تعمل خارج القانون لنهب الموارد الأفريقية بيسر وسهولة ويعود ذلك لأسباب عديدة منها تزايد مناطق الصراع في أفريقيا وهى غالبا مناطق غنية بمواردها الطبيعية وتكون خارج نفوذ الدولة، ما يسهل عمليات السطو على ما تتمتع به هذه الأقاليم من موارد طبيعية، وليس أدل على ذلك مما تناولته مؤخرا تقارير صادرة عن بعض المنظمات غير الحكومية مثل منظمة (The Sentry وهى منظمة بين حكومية معنية بمكافحة الفساد ويعد الممثل الإنجليزي جورج كلونى أحد مؤسسياها)  بشأن نشاط شبكات مشبوهة تحصل على الذهب من مناطق الصراع في شرق الكونغو.

وأكد تقرير صادر عن المنظمة منذ بضعة أيام على تواجد كميات كبيرة من الذهب المستخرج من مناطق الصراع في غرب جمهورية الكونغو الديمقراطية فى الأسواق العالمية، وهو الذهب الذى تعتمد عليه كبريات الشركات الأمريكية بعد تنقيته فى أحد المصانع بأوغندا عن طريق وسيط لشبكة يديرها البلجيكي Alain Goetz .

وفى سياق متصل، تشير الأمم المتحدة إلى استخدام جزء كبير من عائدات الذهب المستخرج من مناطق الصراع من شرق الكونغو فى تمويل العناصر المسلحة هناك، وأن قيمة إجمالي مبيعات الذهب غير الشرعية هناك تتراوح بين 300 و 600 مليون دولار سنويا.

ويشدد كذلك التقرير الصادر عن منظمة (The Sentry) على اعتراف اثنين من كبار مهربي الذهب للمنظمة بتسليمهم كميات من الذهب المستخرج من شرق الكونغو بطريقة غير شرعية إلى المصنع الأوغندي وهو ذات النشاط الذى تعاون فيه وسطاء إقليميين آخرين.

وفى هذا الشأن، قد أكد أربعة وسطاء إقليميين للمنظمة، أن المهربين Buganda Bagalwa و Mange Namuhanda الوارد أسماؤهم فى تقارير عديدة صادرة عن الأمم المتحدة قد أمدوا بدورهم المصنع الأوغندي بالذهب فى 2017 إلا أن المصنع بادر بنفي تام تلقيه أي كميات من الذهب الواردة من شرق الكونغو من هذين التاجرين .

والثابت، فإن مسار الذهب المستخرج من مناطق الصراع في شرق الكونغو يشمل حوالى ستة مراحل بين شرق الكونغو والمستخدمين النهائيين مثل شركات الكترونية او بنوك او مستثمرين.

ومن جانبها، أكدت وسائل الإعلام الغربية على ان هناك شركات عديدة مثل امازون وسونى وجنراك اليكرتك، إضافة إلى 280 شركة أمريكية أخرى قد اعترفوا بتنقية الذهب فى بلجيكا فى إطار إحدى حلقات استخدام الذهب المستخرج من مناطق الصراع فى شرق جمهورية الكونغو.

ولذلك فيمكن لنا أن نستخلص إلى أى مدى أضحت الشعوب الأفريقية تمثل ضحية لما تتمتع به من موارد طبيعية بدلا من أن تمثل مصدر لنموها وتطورها ويعود هذا في الأساس إلى سوء استخدام القوى العظمى للمقدرات الأفريقية، ما دفع ذوى النفوس سواء من الأفارقة أومن الغرب كذلك للاستفادة بدورهم وبطريق غير شرعية من موارد أفريقيا الضخمة.

وأخيرا، فإن الحل الأمثل للقضاء على ماكينة نهب الموارد الأفريقية إنما يكمن في ضرورة تغيير القوى العظمى من استراتيجيتها نحو القارة السمراء والكف عن النظر إليها باعتبارها مخزن موارد طبيعية، والعمل على تطوير وتنمية القارة الأفريقية في ضوء ما تتمتع به القارة من موارد، وأن يتم ذلك في إطار مؤسسي تام وخالص يعزز من قدرات وكفاءة مؤسسات الدول، لأنه بزيادة التنمية في أفريقيا يقل الفقر، ومن ثم يتراجع نشاط شبكات تهريب مقدرات القارة الأفريقية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة