رغم خطورة القضايا.. لماذا لا يسمح القانون بالاستئناف على أحكام الجنايات؟
السبت، 27 أكتوبر 2018 01:00 م
من المدهش والمثير من الناحية القانونية أن القضايا البسيطة يمكن المتهم فيها من الطعن علي أحكامها بأكثر من طريقة وأسلوب، إلا أن الاحكام التي تصدر من محكمة الجنايات علي الرغم من شدتها وجسامتها التي تصل إلي حد أزهاق الروح لا يمكن فيها المتهم إلا بالطعن بطريق النقض فقط لا غير.
مثال
وهناك حكاية يمكن أن تستهل بها موضوعنا وهو لماذا لا تستأنف أحكام محكمة الجنايات؟..تدور أحداث تلك الحكاية فى قيام (أ) بتحريك الدعوي العمومية ضد (ب) متهما أياه باحداث الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبي عرضت القضية علي المحكمة في غيبت ( أ ).
فأصدرت المحكمة حكما غيابيا، فطعن (أ) بطريق المعارضة، فأيدت المحكمة الحكم فطعن ( أ) علي الحكم بطريق الاستئناف ولم يمثل بالجلسة المقررة، فقررت المحكمة سقوط الاستئناف فطعن (أ) بطريق المعارضة الاستئنافية، ومثل أمام المحكمة، فقضت بتأييد الحكم، فطعن (أ) علي الحكم بطريق النقض .
في حين قام (س) باتهام (ص) بتزوير محررا رسميا وأحيل (س) للمحاكمة أمام محكمة الجنايات فأصدرت المحكمة حكمها بمعاقبة المتهم فطعن بالنقض.
اقرأ أيضا: لا للانتقام.. كل ما تريد معرفته عن نظرية المسئولية التعسفية في استعمال الحق
درجتين فى الجنح
وفى هذا الشأن، يقول الخبير القانونى والمحامى أحمد عبد القادر، أن الرواية سالفة الذكر تُظهر الضمانات التي تحمي المتهم في الجنح، ويتعري منها المتهم أمام محكمة الجنايات فيحق للمتهم في الجنح أن يطعن علي الحكم الصادر ضده بالمعارضة أن كان غيايبا، ثم يطعن عليه بطريق الاستئناف، ثم يمكن أن كانت أصدرت محكمة الجنح المستأنف حكمها غيايبا من الطعن بطريق المعارضة الاستئنافية، ثم يمكن من الطعن بعد ذلك بطريق النقض أو التصالح أمام المحامي العام في بعض القضايا.
درجة واحدة فى الجنايات
ووفقا لـ«عبد القادر» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن ذلك الأمر بعكس محكمة الجنايات، فصدور الحكم من أمام محكمة الجنايات بالإدنة يستتبع الطعن عليه بطريق النقض فقط، ولا شئ غير الطعن بالنقض، ما يطرح معه سؤالاَ ملحاَ لماذا لا تستأنف أحكام محكمة الجنايات؟، فعلي الرغم من الضمانات التي وضعها المشرع للمحاكمة أمام محكمة الجنايات إلا أننا نراها ناقصة أهم الضمانات وهي أعطاء الحق للمتهم في استئناف الحكم الصادر من محكمة الجنايات تطبيقا لما نص عليه مبدأ التقاضي علي درجتين، فإذا لم يلاقي الحكم الصادر من محكمة أول درجة قبولا لدي أحد الخصوم جاز له استئنافه أمام دائرة أخري تشكل من قضاة محكمة النقض أو روساء محكمة الاستئناف علي أن تملك المحكمة الاستئنافيه السلطة في تعديل أو إلغاء أو تأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة.
النقض فقط
أسمع تيار-بحسب «عبد القادر»- ينهاض حديثي وبقرر بأن الطعن بالنقض علي الحكم الصادر من محكمة الجنايات كافي، لذا لازما أن أعرض وجهة نظري بموضوعية، نظرا لأهمية هذا الموضوع وأرتباطه الوثيق بشريحة كبيرة من أفراد المجتمع .
لماذا شرعت طرق المحاكمة أمام محكمة الجنايات بهذة الطريقة؟ :-
ويرجع السبب في جعل الحكم الصادر من محكمة الجنايات لا يقبل الطعن إلا بطريق النقض إلي أنه منذ زمن طويل كانت جمهورية مصر العربية تنافس الدول من حيث النظافة والتقدم والرقي، فأختيرت القاهرة كأجمل عاصمة في العالم، وكان عدد السكان ليس كبير، وكانت هناك عادات وتقاليد وأعراف تسيطر علي مجريات الحياة اليومية الأمر الذي معه كان ارتكاب الجرائم التي تعد بمقتضي القانون جناية قليلة للغاية-هكذا يقول «عبد القادر».
لذلك ونظرا لأهمية وجسامة تلك الجرائم شكلت لها دوائر علي قدر كبير من الخبرة القانونية، وحفظ لها كضمانة للطعن علي الحكم الصادر فيها الطعن بطريق النقض، فكان النقض حينها مستعد ومستوعب لكم القضايا التي تحال إليه من محكمة الجنايات، ولكن مع تتطور الحياة وتواري العادات والقيم الحميدة التي كانت تحض الناس عن الخطيئة ومع كثرة السكان وانتشار البطالة الأمر الذي معه انتشرت الجريمة في مجتمعنا نتيجة عدة عوامل من أهمها الباطلة، مما أدي إلي كثرة التي تعد بمقتضي القانون جناية .
اقرأ أيضا: من منكم بلا خطيئة.. كارت المعلومات الجنائية من لحظة التسجيل لخطوات المحو من الفيش
دراسات سابقة للإشكالية
الكلام لـ«عبد القادر»-لست أنا أول من ينادي بتعديل اجراءات المحاكمة أمام محكمة الجنايات ولست الأخير، فموضوع جواز استئناف أحكام محكمة الجنايات مثار من فترة ومن أفضل ما قراءت وفي ذلك الاتجاه تبني المستشار خالد الكباشي رئيس محكمة استئناف الإسكندرية سابقا، عرض هذا الاتجاه في بحث أعده بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية بجعل التقاضي أمام محكمة الجنايات علي درجتين بدلا من درجة واحده.
فقد تعرضت تلك الدراسة والتي جاءت في ثماني أبواب، وفيها انتقد النظام القانوني المصري لمنعه الطعن بطريق الاستئناف علي الإحكام الصادرة من محكمة الجنايات، مما يعد مخالفة للمعاهدة الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية التي صدقت عليها مصر، بل ومخالفة للمصدر التاريخي للتشريع المصري والذي يعود للتشريع الإجرائي الفرنسي الذي أصبح فيه التقاضي أمام محكمة الجنايات علي درجتين، وقد وضعا الباحث تصور للمادة 366 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية بالنص التالي :-
«تشكل في كل محكمة من محاكم الاستئناف دائرة أو أكثر للجنايات ودائرة أو أكثر للجنايات العليا المستأنفة تؤلف الأولي من ثلاثة من قضاتها ونوابها وتؤلف الثانية من ثلاثة من رؤسها».
ولم يكف المنادين بالتعديل عند هذا الحد فقد تقدم الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق بطلب لإجراء تعديل قانون الإجراءات الجنائية بإجازة الطعن بالاستئناف علي الإحكام الصادرة من محكمة الجنايات علي أن يتم الطعن أمام محكمة أعلي درجة من محكمة الاستئناف وأقل درجة من محكمة النقض .
استئناف الجنايات والاتفاقيات الدولية
وقد أثيرت-بحسب «عبد القادر»- من قبل تلك الاشكالية حين تم محاكمة عصمت السادات وقرار دفاعه بطلب بتمكينه من استئناف الحكم الصادر ضده في جناية استناد للاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية التي تجيز الطعن بالاستئناف علي كل حكم يصدر ضد الإفراد بعقوبة مقيدة للحرية أيا كانت المحكمة التي أصدرت هذا الحكم ولو كانت محكمة الجنايات، وقد تمسك الدفاع بتلك الاتفاقية حيث أن الاتفاقيات تأتي في مصاف الدساتير والقانون ولا يجيز مخالفتها طالما أن الدولة طرفا فيها، إلا أن المحكمة قد التفتت عن هذا الطلب ولم تمكنه من التقرير بالاستئناف، ويبقى السؤال ما هو الآثر المترتب علي إبقاء أحكام الجنايات دون الطعن عليها بالاستئناف؟
:- يمكن أن نلخص الخطأ في أستمرار نظام التقاضي أمام محكمة الجنايات علي ما هو عليه في عدة نقاط من أهمها:
1-أن الفصل في النقض يستوجب من الوقت الكثير الذي يصل إلي حد قيام المتهم بتنفيذ العقوبة قبل نظر الطعن، مما يجعل هناك بطئ أو انعدام للعدالة ويعد هذا خرقا لمبدأ العدالة الناجزه .
2-أن إلقاء هذا الحكم الهائل من الطعون الجنائية أمام محكمة النقض لهو من الأمر الشاق علي شيوخ القضاة حيث أن أعمار قضاة النقض لا تسمح لهم باستيعاب هذا الكم من الطعون، مما يعد أرهارق واستنزاف لهم .
3-أن هذا الوضع قد يكلف الدولة مبالغ هي في حل عنها حيث تلتزم الدولة بتعويض المتهم إذا قضي العقوبة ثم نقضت محكمة النقض الحكم بعد أن يكون المتهم قد نفذ العقوبة هنا يجوز للمتهم مطالبة الدولة بالتعويض لما إصابة من أضرار.
اقرأ أيضا: اعرف حقك القانوني.. التهرب الضريبى من الحقوق المشروعة إلى التجريم والسجن
-الفوائد التي ستعود حال تعديل نظام التقاضي أمام محكمة الجنايات :-
1-توفير ضمانة أخري للمتهم تضمن له حماية أفضل في تحقيق العدالة وتحقيق أفضل دفاع للمتهم .
2-تدارج لأي خطأ أو سهو قد يقع من محكمة أول درجة كما أنه يوفر للمتهم ضمانة أخري وهي الفصل السريع في الطعن بدلا من انتظار البت في الطعن بالنقض والذي يستغرق وقت طويلا .
3-رفع الإرهاق وتكدس القضايا عن محكمة النقض مما يجعل محكمة النقض تؤدي دورها الحقيقي في الطعن علي الإحكام وفقا لصحيح القانون وتحقيق لمبدأ العدالة الناجزه .
4-توفير مبالغ للخزانة العامة للدولة .
-موقف الدساتير المصرية من ذلك التعديل المقترح-طبقا لـ«عبد القادر» :-
لم تتعرض كافة الدساتير المعمول بها داخل جمهورية مصر العربية قبل ثورة يناير لاحقية المتهم في أستئناف الاحكام التي تصدرها محكمة الجنايات، ولكن الوضع تغير بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير فقد سن مؤسسي وواضعي الدستور المصري عام 2012 لنص دستوري رقم 77 والذي ينص علي أن :-
«فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، لا تقام الدعوي الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية مختصة، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونيه عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع وكل متهم في جناية يجب أن يكون له محام يدافع عنه ويحدد القانون الجنح التي يجب أن يكون للمتهم محام فيها، وينظم القانون استئناف الإحكام الصادرة في جنحه أو جناية، وتوافر الدولة الحماية للمجني عليه والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء».
ثم أوقف هذا الدستور بعد ثورة الثلاثين من يونيو وشرع دستور أخر للبلاد وهو المعمول به الآن نصت فيه المادة 96 علي أن :- «المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وينظم القانون استئناف الإحكام الصادرة في الجنايات، وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء وفقا للقانون».
وأخيراَ، أكد «عبد القادر» أن الأمر الذي أصبح الحلم وشيك المنال بعد أن نصت الدساتير المتعاقبة بجواز الطعن في الصادر من أمام محكمة الجنايات بطريق الاستئناف ليكتمل الحصن الذي بناه المشرع للمتهم من ضمانات تعد بمثابة ضمانات حقيقة تضمن للمتهم محاكمة عادلة وناجزة .
اقرأ أيضا: هل يصبح خريجو سجون ما قبل 25 يناير مليونيرات؟.. دعوى تطالب بالتعويض عن أيام الحبس
اعداد مشروع قانونى
يشار إلى أن الحكومة ممثلة فى وزارة العدل-بحسب مصادر قضائية- تُعد مشروعاَ قانوناَ جديداَ بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، فيما يتضمنه من استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات ليكون التقاضى على درجتين فى الجنايات بدلا من درجة واحدة بما يتوافق مع المادتين 96 و240 من الدستور.
ووفقا لـ«المصادر» أن القانون الجديد الجارى اعداده يستهدف تعديل المواد 366 و366 مكرر و367 من القانون رقم 150 لسنة 1950 بشأن الإجراءات الجنائية، التى تتحدث عن تشكل محاكم الجنايات وتحديد أدوار انعقادها والتى كانت تنص على أن يكون التقاضى فى قضايا الجنايات على درجة واحدة فقط.