كلمة أردوغان.. لا قديم يُعاد ولا جديد يُذكر
الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018 06:02 م
تمخّض الرئيس التركي فولد "الرواية السعودية"، هذا بالفعل مُلخّص الكلمة التي أفردت لها القنوات التركية ساعات وملأت من أجلها قنوات الإخوان الأرض ضجيجًا، وتحدث فيها عن مقتل المواطن السعودي الإعلامي جمال خاشقجي.
الوهم الذي عاشه المتاجرون بالقضية على حساب المصلحة، قبل التباكي على خاشقجي نفسه، كانت صدمتهم أكبر، فانتظروا مزيدًا من الإثارة يسدّون بها فراغ شاشاتهم وتدويناتهم على "تويتر"، لكن أردوغان لم يُرض طموحهم.
في مطلع حديثه لم يتكلّم الرئيس التركي في شيء واضح، أكثر من ذكره كلمة "النفط" نحو 20 مرة، ثم اتجه للحديث عن القضية المُنتظَرة، لكنه فعليًّا لم يأتِ بجديد، قال إن السعودية اتخذت خطوة مهمة بإعلان مقتل خاشقجي، وذكر رواية الـ15 فردا المتورطين، ثم طالب بمحاكمتهم.
كملة "أردوغان" أصابت الإخوان ومن على شاكلتهم بصدمة كبرى، فقد انتظروا من حليفهم الأكبر وقائدهم الإسلامي وخليفتهم المزعوم إظهار تسجيلاته وفيديوهاته التي طالما تحدّثت عنها صحيفة "صباح" التابعة لشقيق صهره، لكن الرجل خيّب آمالهم ولم يأت بجديد، غير ما أعلنت عنه المملكة.
حتى وصف أردوغان للواقعة بـ"البشعة" قاله وزير خارجية السعودية عادل الجبير، في مقابلته مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، أوضح خلالها أن مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول كان "خطأ كبيرًا وجسيمًا" ووعد أسرته بمعاقبة المسؤولين عن ذلك، كما وعد الملك وولي العهد.
السؤال الحائر في القضية إذن: أين اختفت جثة خاشقجي؟.. حتى هذا لم يردّ عليه "أردوغان"، العالم ببواطن الأمور وبكل "درجات السلم" المتورِّطة في قضية مقتل الصحفي السعودي، وقد سبقته الرياض في ذلك على لسان وزير خارجيتها، في المقابلة نفسها المشار إليها، والتي قال فيها: "نجهل مكان وجود جثّة خاشقجي.. لا أحد يعلم".
أما فيما يخصّ مُحاسبة المتورِّطين التي لوّح بها "القائد العثماني المُنتظَر"، فهذا شيء طبيعي وأقسم عليه من في السعودية فردًا فردا، جاء على لسان ولي العهد محمد بن سلمان، كما جاء على لسان الجبير: "سنُحمِّل جميع المتورِّطين المسؤولية عن أفعالهم، بغضّ النظر عن مناصبهم، الملك سلمان عازم على استمرار التحقيقات، وعازم على إظهار الحقائق، وعازم على محاربة المسؤولين عن الحادثة، وعازم على وضع سياسات وإجراءات تمنع تكرار حدوث هذه الحادثة مرة أخرى".
أين الحقائق التي تشدّق بها "أردوغان" إذن، سوى بعض الكلمات العنتيرية التي أراد بها كسب حفنة من مشاعر مؤيديه، في وقت ورَّطت فيه سياسته اقتصاد تركيا في سلسلة من الانهيارات المُتعاقبة، وخسارة حلفائه في أوروبا، وانقلاب سياسي عليه في أنقرة بعد إعلان دولت بهجيلي، زعيم حزب الحركة القومية التركي، فضّ التحالف الانتخابي والسياسي مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.
الجميع يعرفون أنهم لا يريدون "خاشقجي" في حدّ ذاته، قدر ما يُريدون مصالحهم الاقتصادية ومراوغة سياسية للضغط بطريقة غير مباشرة على المملكة؛ للتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية على أنقرة، وقالها "أردوغان" بلسانه قبل ذلك الخطاب، وسط اشتعال أزمة مقتل خاشقجي: "لا تريد أنقرة أن تتضرَّر علاقتها بالمملكة العربية السعودية"، فدعونا من نغمة الدفاع عن الإنسانية والإسلام وحقوق الأفراد داخل المجتمع التركي، فلن تُفيد هذه النغمة المُصطنَعة في غسل يد رجل الدوحة وعباءة قيادات الإخوان من دعم الإرهاب، المصالح وحدها تحكم يا عزيزي.