سر أزمة البطاطس والتحرك الحكومي المطلوب
الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018 09:25 ص
يوم كتابة «القايمة»، هرب أحد الشباب من الفتاة التي كان ينوي الزواج منها.. ولما سألوه عن سر هروبه، قال: «أهلها كانوا عاوزين يشيلوا الجهاز كله، ويخلوا البطاطس والطماطم عليَّ»!
انتهت النكتة المريرة، البئيسة، المعبرة عن الحال الذي آلت إليه أسعار البطاطس، والطماطم، والخضار والخضروات والفواكه بوجه عام.. فهل الأسعار المنتشرة في الأسواق، تتناسب مع السلع المعروضة، أم هناك مبالغات وتعمد استغلال المستهلك؟ وإذا كان هناك استغلال، فأين أجهزة الدولة المنوط بها حماية المستهلك؟
لأكثر من أربعة عقود ونصف- هي سنوات عمري- لم أرَ أو أسمع عن الأسعار التي ضربت البطاطس- الوجبة الشعبية لمعظم الأسر المصرية- وتجاوز سعرها اثني عشر جنيهًا، في الأسواق الشعبية، بحسب زوجتي، اللهم إلا إذا كانت زوجتي تضحك عليَّ، و«تخنصر» من مصروف البيت، وتتهم «التجار الشرفاء» باستغلال المواطنين!
لكن الأمر لم يتوقف عند زوجتي، فجنون الأسعار ضرب كل فئات المجتمع، عدا فئة الحرامية، واللصوص، وتجار المخدرات، ورجال الأعمال غير الشرفاء.. حتى الأنين المكتوم من لهيب الأسعار خرج إلى العلن، ونقلته شاشات الفضائيات، ووسائل الإعلام المختلفة، وبات المواطنون ينتظرون تدخل جهاز حماية المستهلك، والأجهزة الرقابية؛ لضبط أسعار السوق، والعودة بها إلى سيرتها الأولى.
في كل مرة تخرج فيها الأسعار عن السيطرة، نسمع كلامًا غريبًا عن الأسباب، وكلها تصب في خانة «المواطن السبب»، على الرغم من أن الحقيقة الواضحة وضوح بطن الحامل في شهرها التاسع، تؤكد أن المستهلك بريء براءة السادات من قتل عبد الناصر.. وأن السبب الحقيقي هو «الجشع»؛ جشع التجار المحتكرين؛ جشع مافيا السلع؛ جشع تجار الجملة والتجزئة الباحثين عن الثراء الحرام، والذين لا يجدون مَنْ يتصدى لجعشهم، بل-ربما- يجدون مَنْ يتواطأ معهم في بعض الأجهزة..
ربما تسألني: وأين دور جهاز حماية المستهلك؟ واين مباحث التموين؟ وأين الحديث عن ضبط الأسواق؟ وأين المسؤلون الذين- من المفترض- أن يحنوا على المواطنين ويترفقوا بهم، ويطبطبوا عليهم، بعض أن أصبحت أسعار السلع والخدمات في مستوى الحرامي «ميسور الدخل»!
هل الحكومة لا تعلم أسباب ارتفاع البطاطس والطماطم والحاصلات الغذائية؟ ربما لا تعلم.. هذا إذا افترضنا حسن الظن.. لكن من أين لنا بحسن الظن وحاتم نجيب، نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة، كشف مفاجآت حول أسباب ارتفاع أسعار البطاطس، مرجعا ذلك إلى احتكار كبار المنتجين وتخزين كميات كبيرة فى الثلاجات لتعطيش السوق.. ألم تسمع الحكومة هذا التصريح؟ وإن كانت سمعته وعلى علم به فماذا تنتظر؟ ولماذا لا تلقي القبض على التجار المحتكرين، وتخلص المواطنين من جشعهم، وتحتسب الأجر والثواب عند الله؟!
قد يصبر المواطن- مرغمًا ومضطرًا- على ارتفاع الأسعار، واضعًا حذاءً قديمًا في فمه، لكن أنى له الصبر على تصريحات الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، الذي أرجع ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة إلى «ارتفاع معدل الاستهلاك وحساسية سعر المنتج للمواطنين»، وأننا: «بنفسح الخضار»!
«إحنا بنفسح الخضار»! يا له من تصريح مبتكر، لم يأتِ به الأوائل، وأعاد إلى ذاكرتنا تصريحات لمسؤول طالب «ست البيت» بعدم استخدام الأرز في إعداد المحشي.. ومسؤول آخر طالب المستهكلين بالاستغناء عن اللحمة والفراخ والسمك.. وثالث طالبنا بالاستغناء عن البيض حتى ينخفض سعره، على الرغم من أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من البيض!
إننا ننتج نحو أربعة ملايين و560 ألف طن سنويًا من البطاطس، ومع ذلك ترتفع الأسعار بشكل مستفز بسبب تخزين بعض التجار البطاطس في الثلاجات لتعطيش السوق.
وللأسف، بدلًا من أن يتحرك المسؤولون لإنقاذ المواطنين، يخرجون علينا ويطالبوننا بتنظيم حملات مقاطعة، بينما يعلم الجميع أن المقاطعة لن تجدي إلا إذا كانت أجهزة الدولة تقف وراءها، وتدعمها، على الأقل.
وبعد أن استفحلت أزمة البطاطس، تحركت الوزارات والأجهزة المعنية وشنت حملات على ثلاجات أباطرة التخزين، لمصادرة البطاطس وطرحها بالأسواق.. لكن ما أخشاه، أن يتكرر ما يعقب هذه الحملات، خاصة أن التحرك الحكومي كان من المفترض أن يكون قبل الأزمة، ويحول دون تفاقمها، وأن ردع مافيا الاحتكار لن يكون بحملات تفتيشية مفاجئة فقط، وإنما بالرصد الدائم، والمراقبة الفاعلة، والمتابعة المستمرة، وملاحقتهم قانونيًا، وعدم التهاون معهم قضائيًا.. أليس كذلك؟!