أبناء مشاهير الفن والأدب والسياسة يكشفون كواليس الحياة الخاصة لآبائهم
الأحد، 21 أكتوبر 2018 08:00 ص زينب وهبة تصوير - السعودى محمود
صرح الكاتب الصحفى خيرى حسن، مدير تحرير جريدة الوفد، لـ «صوت الأمة» عن كتابه «أبى كما لم يعرفه أحد»، الذى تم توقيعه يوم الأحد الماضى بدار الهلال، وذلك بحضور نخبة من السياسيين والأدباء والإعلاميين والشخصيات المهمة، بأن كتابه هذا ضمن سلسلة يقوم بعملها، ودورها الأساسى هى البعد الإنسانى فى حياة المبدع، فقبل أن يظهر المبدع إبداعه لا بد أن نراه إنسانا قبل أى شىء آخر، كيف تعلم وكيف كبر وما الذى أثر فى تكوينه، وما هى الاحباطات التى واجهته، وماهى لحظات النجاح التى حققها، وما هى لحظات الإخفاق وكمية العقبات التى كانت فى طريقه، وكيف استطاع مواجهتها وتخطيها لكى يصل إلى حالة الإبداع؟
وأكد خيرى حسن أن الحالة النفسية الإنسانية لها دور فى حياة المبدع منذ نشأته، بل من بداية زواج والده ووالدته مرحلة الاختيار وحب والده لوالدته أو حتى حدوث انفصال، والأب عاش بعيدا، فهل هذا أثر عليه؟
أوضح خيرى حسن أن هذا الكتاب، يوضح الحالة الإنسانية لكل مبدع فى مختلف المجالات سواء سياسيا أو ثقافيا أو فنيا، كيف عاش، وكيف تربى، وكيف نجح، والغرض عندما أقرأ ذلك كذاكرة، فكانت البداية بالابن لكى يكلمنى عن والده فأقرب إنسان للأب هو الابن، ولو افترضنا وجود أب مبدع ليس له أولاد فأستعين بالزوجة أو الصديق، وهذا فى الكتاب الثانى الذى يسمى عشرة عمر، مشير إلى أن السلسلة ثلاثة أجزاء أى ثلاثية، فهى ثلاثة كتب الكتاب الأول أبى كما لم يعرفه أحد، تناولت فى هذا الكتاب 26 شخصية كجزء أول من ثلاثة أجزاء، وذلك لأن الكتاب الذى يصدر عن مؤسسة دار الهلال حجمه محدود، طبقا لإصدارات المؤسسة، وباقى الـ40 شخصية فى جزء ثانٍ، فسيقوم بعمل جزء ثانٍ فى أبى كما لم يعرفه أحد أيضا، أما الجزء الثالث، فهو كتاب عشرة عمر، موضحا أنه سيقوم بعمل موضوع فيه عن الشاعر العظيم أمل دنقل، فهو لم ينجب، ويتحاور مع زوجته عبلة الروينى الكاتبة الصحفية المهمة، فستتكلم عن زوجها إنسانيا، وسيعمل أيضا فى كتاب عشرة عمر مع المطرب محمد حمام، مطرب المقاومة فى السويس أيام 1967، فهو لم ينجب فاستعان بصديقه يتحدث عنه إنسانيا.
وأشار خيرى حسن إلى أن نقطة الاشتراك الإنسانية بين كل الشخصيات المبدعة فى شتى المجالات فى شيئين المعاناة والشىء الثانى نجاحهم فى أن يتجاوزوا هذه المعاناة، فكل هؤلاء المبدعين وجدوا صعوبات فى النشأة وفى التكوين، ووجدت صعوبات لكى تصل سواء كممثل أو صحفى أو كاتب أو سياسى، لأنها لم تتوقف على فنانين فقط، فمثلا يوجد الشيخ النقشبندى، فهذه العقبات ساعدت فى أن يكون عندهم صلابة وإصرار على النجاح، فعندما طلب الرئيس الراحل أنور السادات من النقشبندى أن يغنى لبليغ حمدى، رفض النقشبندى فى البداية، ولكن طلبوا منه فى الإذاعة ذلك، فخرج بأغنية مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى، وبعدها يسمع الشيخ النقشبندى بليغ حمدى وهو يلحن فى الاستوديو، وكان يجلس بالخارج، وهو غير مقتنع تماما أنه لن يقول شيئا من ألحان بليغ حمدى، ولكنه بالفعل عمل النقشبندى روائع بعد ذلك.
وقال أيضا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فى سنة 1951، جاء من الصعيد، وكانت أمنيته أن يذهب للإذاعة، فلم توجد وسائل إعلام مثل الآن، مما جعله يضطر أن يجلس فى مسجد السيدة زينب لكى ينتظر اليوم الذى تأتى فيه الإذاعة تسجل، وذلك فى أيام الملك سنة 1951 قبل ثورة 1952، فيذهب مرة والثانية والثالثة لكى يصادف أن الإذاعة تسجل، فيأتى أحدهم يقول له اسمعنا صوتك كما نسمعك فى المآتم فى الصعيد، فيبدأ يذهب للإذاعة، وفى هذا التوقيت لم يجد مكانا يسكن فيه، فيسكن فى غرفتين بالإيجار، وبذلك حقق الشيخ عبدالباسط عبدالصمد أمنيته فى أن وجد أحدا يسمعه، فيطلبون منه أن يدخل مسجد السيدة زينب، ويعجبون كثيرا بصوته فيأخذونه فى الإذاعة.
وأشار خيرى إلى أن الفكرة فى وجود الوسائل، فلو شخص صوته جميل، يكون مكانه الإذاعة، ولو صحفى جيد، يكون مكانه الأهرام أو الأخبار، فكيف تتم المثابرة والكفاح والإصرار أيضا لو كاتب مسرحى جيد، ما الذى ستقوم بعمله لو أنك كاتب شعر جيد، ما المكان الذى ستقوله فيه، فكل هذا معاناة المبدع مع الحياة حتى يخرج لنا هذا الإبداع.
وأوضح أن من خلال الكتاب نعرف معاناة كل مبدع مع الحياة، وعندما أقرأ هذا سيقوينى، وأكون إيجابيا مع الحياة لأن إبداع هؤلاء معروف للكل، لكن لا أحد يعرف معاناتهم التى يعرضها الكتاب.
ويضرب خيرى حسن مثالا كصلاح نظمى الفنان العبقرى، الذى نجده دائما على الشاشة زعيم عصابة وقويا وعنيفا، أنه تزوج وبعد زواجه بـ5 أعوام امرأته أصيبت بالشلل، فيعيش معها 35 عاما لم يتزوج غيرها، ويقوم بحملها ودخولها دورة المياه وخدمتها، ونجده إنسانا مرهف المشاعر، ويقول لها مقولة رائعة (لو أنتى عظم فى أفة حشيلك)، لكننا نراه على الشاشة العنيف القوى زعيم العصابة، لكن عندما أصيبت امرأته بشلل بعد الزواج بـ5 أعوام فأى إنسان آخر لا يتحمل هذا، ومن الوارد جدا أن يتزوج بأخرى، لكن نجد صلاح نظمى، تحمل هذا وهو جانب إنسانى لا نعرفه.
ويضرب مثالا آخر بالفنان توفيق الدقن، ففى آخر أيامه، يدخل فى فيلم للمخرج أحمد يحيى، وبعد أن يتفقوا أن يضعوا صورته على الأفيش، ولكن يقولون إنه كبير فى السن، ويرفضون ذلك، ولم يضعوا صورته على الأفيش، فيعيش حزينا بسبب هذا الموضوع، فيقول لابنه المستشار ماضى، فيحزن ماضى، بسبب هذا الموقف، فيطلب من والده أن يرفع قضية عليهم، لأن الناس تعرف حقيقة من هو توفيق الدقن ومكانته، وأيضا فى بدايات توفيق الدقن، وجد صعوبة فى أول مشهد يؤديه فى السينما أمام الفنان محمود المليجى، فتبدأ الكاميرا تدور، فيقول المخرج اجهز يا أستاذ توفيق، ويطلبون منه أن يتكلم، فلم يعرف ويبكى، ويذهب لغرفته، فيذهب إليه محمود المليجى، فيقول له توفيق إنه كان حلم والدتى أن أقف أمامك، وعندما أقف أمامك وأراك لا أستطيع النطق، ويجرب مرة والأخرى، فالممثل هو الذى يفرض على المخرج والمنتج إبداعه وفنه، وفى حالة توفيق الدقن، أوقفوا التصوير يوما كاملا وظلوا وراءه حتى قام بالتمثيل وساندوه، وهذه الروح هى التى تخلق هؤلاء الناس وتقويها.
ويتناول خيرى فى كتابه شخصية مرسى جميل عزيز، فهو لديه ابن واحد يسمى مجدى، وكان مصمما على أن يدخله الجيش، لأنه يشعر بأن الجيش هو الذى يصنع مصر، وابنه واحد ولم يخف عليه.
أيضا الشاعر الكبير حسين السيد، كان والده رجل تجارة، وكان أصلهم تركيا، فكان والده عنده تجارة كبيرة جدا، وكان المورد الوحيد للجيش المصرى قبل 1952 موردا للخضراوات واللحوم وغيرها وعندما قامت ثورة 1952 وانشغل الضباط الأحرار فى ترتيب الأوراق، وفى سنة 1954 الرئيس جمال عبدالناصر، أخذ يفكر مع المشير عبدالحكيم عامر، وسأله من يورد للجيش، فقال له حسين السيد، نقلا عن أبيه، لأنه توفى، وقال له أنت حسين السيد، وكان معروفا لأنه كان يكتب لمحمد عبدالوهاب منذ زمن طويل، وقال له لماذا هو يا حكيم، ورد حكيم عليه لأننا جئنا ووجدناه يورد للجيش منذ 10 سنوات، فرد عليه جمال بأنه بذلك لا توجد مناقصة، فنقوم بعمل مناقصة عامة، فيدخل المناقصة مثل غيره وأخبره أننا قمنا بالتعاقد بالفعل فالخضراوات وغيرها بالمخازن، قال له لا ينفع، وقوموا بإعادة هذا الموضوع من البداية وانتهى، وضاعت كل ثروة أسرة حسين السيد، ضاعت فى كل هذا، وثروته حينها كانت تقدر بـ150 ألف جنيه سنة 1954، وعندما يتم حسابها الآن تقدر بـ15 مليونا أو 20 مليونا، ورغم ذلك رفع حسين السيد قضية، ولم تنجح، ورغم ذلك أيضا حسين السيد أكثر شخص كتب أغانى لجمال عبدالناصر، مثل ناصر كلنا بنحبك وغيرها. وأشار إلى أن حسين السيد تجاوز عن هذا الموضوع لأنه وجد هناك نظاما فى مصر وحلما وأملا، فتجاوز عن مشكلته الشخصية، وانضم مع الناس من أجل البلد، وهذه كانت وجهة نظره، فهذه حالة إنسانية، وجانب إنسانى.
وكان الشيخ عبدالباسط عبدالصمد له عطر خاص يستخدمه، وكان يتصور صورا بالألوان، وكانت حينها غير منتشرة، ويضعها فى محفظته، وعندما ينزل من العربية ويذهب للإذاعة يأتون له بالصور يمضيها أوتوجراف شيخ، وكان يرتدى أفضل الثياب من بيوت الأزياء العالمية، كما يطلق عليه شيخ مودرن، ومعنى ذلك أنه غير متجهم، ويرى أن الدين بشاشة وابتسامة وشىء جميل، وجمال صوته، وجمال شكله، فهناك نسمع أصواتا تجعلنا ننفر، ولكن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، كان يحببك فى العيش شكلا ومضمونا وصوتا وزيا، وتوفى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد صغيرا 55 عاما، إثر إصابته بالتهاب الكبد الوبائى، بالرغم من أنه حدثت له حادثة فى قنا ونجا منها، أصيب فقط فى عينه، وعندما عاد مرض، وأرسلوه إلى لندن للعلاج، وبعد أسبوعين من العلاج، قال لابنه طارق عبدالباسط عبدالصمد، لواء فى الشرطة، أن يرجعه مصر، فقال له إنه سيموت ويريد أن يموت فى مصر، فقال له ابنه طارق لا لن تموت والأعمار بيد الله، وبعد أن عاد لمصر بـ3 أيام توفى.
وتناول خيرى حسن، شخصيات سياسية بارزة فى الكتاب، مثل د.رفعت المحجوب، كان يدير مجلس الشعب فى وقت عصيب، كان فيه إخوان وحزب الوفد بقوته، والحزب الوطنى بقوته، وكان أستاذ قانون وعلوم سياسية، وبعد زواجه من السيدة التى تكون والدة ابنته د.إيمان المحجوب، أستاذة فى طب قصر العينى، والدكتور أشرف والدكتور أيمن أستاذ علوم سياسية، وزوجته كانت طالبة عنده تجلس فى المدرج أمامه، وهو يدرس لها فى الجامعة وبعد 10 سنوات أصيبت بالسكر، ثم تطور الموقف إلى أن أصيبت بالشلل، ثم تطور الشلل إلى غيبوبة، وظلت فى غيبوبة 15 عاما، وبالرغم من قوة شخصيته التى كنا نراها فى المجلس، فإنه عندما يذهب لمنزله فى العجوزة، فيذهب بين الجلسة الصباحية والجلسة المسائية يعطيها العلاج ويشرف عليها، ويأتى بمعجون الأسنان يغسل به أسنانها وكل يوم يفعل ذلك، وعندما تسأله ابنته لا داعى للمعجون، فهى فى غيبوبة فمن الممكن أن تتوفى فى أى لحظة، فيقول لهم إنها ستفيق من الغيبوبة، وأنا واثق فى ذلك، وعندما تفيق سترى أسنانها نظيفة، فهى تحب ذلك، وظل فى هذا 15 عاما وتوفت وبعدها تم اغتياله بالخطأ، وكل مواقفه السياسية معروفة، ولا أحد يعلم بهذه القصة الإنسانية.
والتقت «صوت الأمة» بالدكتور أشرف حسن البارودى، ابن الفنان حسن البارودى، الأستاذ بكلية السياحة والفنادق، وأوضح أنه يحتفل بتوقيع الكاتب الصحفى خيرى حسن بكتاب «أبى كما لم يعرفه أحد» وحسن البارودى ضمن الأربعين شخصية الذين اختارهم خيرى حسن للحديث عن الجانب الإنسانى، وقال د. أشرف البارودى، إنه يعتبر خيرى حسن أديبا، وليس كاتبا صحفيا فقط، وذلك لأنه صاغ الحوار الذى دار بين حسن البارودى بأسلوب أدبى بليغ، لدرجة أننى أستعين ببعض الكلمات التى قالها أستاذ خيرى عندما يطلب منى حوارا صحفيا.
وأوضح د. أشرف البارودى، أن يوم 17 سبتمبر هو تاريخ وفاة والده الفنان حسن البارودى، وفى ذكرى وفاته لو تكلمنا عن حسن البارودى الفنان، سنجد له مدرسة خاصة فى الأداء والإقناع والتقمص الشديد لأنه عندما كان يمثل، كان يتوحد مع الشخصية بدرجة كبيرة جدا، وهذا التوحد أرهق وحير الكثير من النقاد فى الحقيقة، وكتب حسن البارودى فى مذكراته أن بلغت درجة اقناعه أن الجمهور يقومون بسبه فى الصالة على أساس أنه أتقن دوره وبعض المشاهدين الذين نطلق عليهم المشاهد بالعاطفة وهو محدود الثقافة، والذى لا يعرف أن يفرق بين الحقيقة والتمثيل، فحسن البارودى تفاعل مع المسرحية لدرجة أن البارودى بعد انتهاء المسرحية وخروجه من باب الممثلين، وجد شخصا يريد أن يضربه من الذى فعله فى المسرحية، حيث صدقه جدا ولم ينقذه من هذا الرجل إلا الأستاذ حسين رياض، والأستاذ يوسف وهبى، ومحمود المليجى، وسراج منير، كل هؤلاء أنقذوا حسن البارودى من هذا الرجل الذى يريد ضربه.
ويقول د. أشرف حسن البارودى عن والده الفنان حسن الباردوى إنه إذا تكلمنا عن حسن البارودى الإنسان فإنه كان رجلا محبا للحياة وطيب القلب، ويرى أن الفن رسالة عظيمة هدفها إسعاد البشر، وكان يتقن اللغة العربية والإنجليزية.
ومن الشخصيات التى تناولها الكاتب الصحفى خيرى حسن فى كتابه وسلط الضوء فيها على الجانب الإنسانى لكل شخصية عبدالرحمن الأبنودى وعماد حمدى ومحمود شكوكو ومحمود السعدنى وعبدالحكيم قاسم ومحمد رشدى ومحمد نوح ورياض القصبجى وعلى إسماعيل وبدر الدين أبو غازى ويحيى حقى وعلى سالم وأحمد فؤاد نجم.