مش كل جرائم القتل زى بعضها.. لـ«القتل شبه العمد» صور كثيرة تعرف عليها

الخميس، 18 أكتوبر 2018 07:00 م
مش كل جرائم القتل زى بعضها.. لـ«القتل شبه العمد» صور كثيرة تعرف عليها
القتل - صورة أرشيفية
علاء رضوان

عشرات الوقائع التى تحدث يوماَ بعد يوم تتمثل فى «القتل شبه العمد»، وهو أحد أنواع القتل الثلاثة، وهى: «القتل مع سبق الإصرار والترصد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ»، باعتبار أن كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة له عقوبته الخاصة به. 

فى التقرير التالى «صوت الأمة» يرصد «القتل شبه العمد» من حيث الخطأ في الشخص والخطأ في الشخصية، والقصد المحدود والقصد غير المحدود، والقصد المباشر والقصد الاحتمالي، والقتل بدافع الشفقة، وإثبات نية القتل-بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض أشرف الزهيرى.

1- ضربه بعصاً صغيرة ضرباً خفيفاً، فأصاب منه مقتلاً فمات من ذلك الضرب.

2- ألقاه في ماء مغرق إلا أن ذلك الشخص يحسن السباحة، ولكنه فاجأه ريح شديد، أو موج، فغرق ومات، أما إذا كان لا يحسن السباحة، فإنه عندئذ يكون قتل عمد.

3- أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء، قد يزيد، وقد لا يزيد، فزاد الماء، ومات الشخص، أما إذا كانت الزيادة متيقنة، فحصلت، ومات، كان ذلك قتل عمد.

3- القتل الخطأ: وحقيقة القتل الخطأ: أن يقع من الشخص من غير أن يقصده، ولا يريده؛ وذلك: كمَن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله، أو رمى صيداً، فأصاب إنساناً، أو رمى شخصاً فأصاب غيره، فكل هذه الصور وغيرها كثير، تُعدّ من قبيل القتل الخطأ، الذي لم توجد فيه حقيقة القتل العمد، ولا شبه العمد.

إن أمكن أن يُسأل الفاعل عن جريمة القتل الخطأ إذا حدثت الوفاة أو الإصابة الخطأ في حالة عدم حدوث الوفاة، أما إذا لم يصب المقذوف أي شخص أو أي شيء، فإن الفاعل لا يمكن مساءلته من الناحية الجنائية، ذلك أن الشروع لا يكون إلاّ في الجرائم العمدية-وفقا لـ«الزهيرى». 

ما-الفرق-بين-القتل-العمد-والقتل-غير-العمد-مع-اعطاء-مثال

وأخيرا فإن الجهل بالنتيجة ينفي القصد الجنائي، ذلك أنه يعني أن الفاعل لم يقصد إحداث النتيجة ذاتها، وبالتالي فإنه لا يمكن مساءلة الفاعل مسئولية عمدية، فإذا اعتقد الفاعل وهو يضع مادة مخدرة في كوب للماء أنها مادة منومة ثم اتضح أنها مادة سامة، مما ترتب عليه وفاة المجني عليه، فإن هذا يدل على أنه لم يتوقع حدوث هذه النتيجة، وهذا لا يمنع من مساءلته على أساس القتل الخطأ، إذ كان يتعين على الفاعل أن يحتاط في سلوكه ويمتنع عن وضع المادة المخدرة قبل التحري والاحتياط .

الخطأ في الشخص والخطأ في الشخصية:

الخطأ في الشخصية لا ينفي القصد الجنائي، فإذا طعن زيد شخصا من الخلف معتقدا أنه عدوه عمرو فقتله واتضح أنه صديقه بكر، فإنه يسأل عن قتله لبكر عمدا، هذا بالإضافة إلى الشروع في قتل عمرو ونكون عندئذ بصدد تعدد معنوي للجرائم، ويُسأل الفاعل عن الجريمة الأشد فقط  وهي هنا جريمة القتل العمد .

القصد المحدود والقصد غير المحدود:

يتجه القصد المحدود إلى شخص أو أكثر معينين ، بينما يتجه القصد غير المحدود إلى قتل عدة أشخاص دون تمييز بينهم، كمن يلق بقنبلة على جمع غفير من الناس .

القصد المباشر والقصد الاحتمالي:

يتمثل القصد المباشر في إرادة إحداث نتيجة معينة فتحدث تلك النتيجة المقصودة، وهذه الصورة لا تثير صعوبات، أما القصد الاحتمالي، فإن الفاعل فيه يقصد تحقيق نتيجة وهو يقوم بنشاط معين ولكنه يتوقع احتمال أن تحدث نتيجة إجرامية أخرى بسبب النشاط الذي يأتيه فلا يمنعه هذا من المضي قدما في سلوكه فيقبل هذه النتيجة إن حدثت، طالما أنه مصمم على بلوغ مأربه، كالسائق الذي يقود سيارته بسرعة كبيرة للهروب من الشرطة ويتوقع أن يقتل أحد المارة فيقبل هذه النتيجة إن هي حدثت، لأن كل ما يهمه هو التخلص من مطاردة الشرطة له-بحسب «الزهيرى».   

اقرأ أيضا: من «العمد» إلى «الخطأ».. أنواع القتل في القانون المصري وعقوباته وآثاره وشروطه

ومن أمثلة ذلك أيضا أن يصوب صائد سلاحه إلى طائر وهو يرى أن عدوا له يقف بعيدا عنه، بحيث إن الطلق الناري من المحتمل أن يصيبه فيقتله فلا يعبأ بذلك ويقبل هذه النتيجة إن هي حدثت، وكثيرا ما يحدث ذلك في الحوادث الإرهابية التي يطلق فيها الإرهابي النار على رجل الشرطة المستهدف مع أن هذا الأخير يتواجد مع أشخاص آخرين. ومن أمثلتها أيضا أن يسرق سائق أحد الركاب ويتركه ف مكان صحراوي موحش حتى يهرب قبل أن يبلغ عنه وهو يعلم أن هذا المكان غير مطروق في الساعات المتأخرة من الليل وأن احتمال أن يأكله الذئب أمر قائم ، فلا يثنيه ذلك عن تركه موثقا في هذا المكان قابلا وفاته إن حدثت لأن ذلك في صالحه .

القتل بدافع الشفقة:

إذا توافر القصد الجنائي، بالإضافة إلى الركن المادي فإن جريمة القتل تقوم ولا عبرة عندئذ بالدافع، سواء أكان هذا الدافع نبيلا أم خبيثا.

وقد كان القتل بدافع الشفقة أحد الموضوعات التي أثارت صعوبات قانونية، ويُقصد بذلك أن يضع أحد الأشخاص نهاية لحياة أحد أحبابه بناء على طلب هذا الأخير حتى يضع حدا لعذابه ومعاناته المؤلمة عندما يكون مريضا بشكل لا أمل في شفائه مرضا يجعله دائما طريح الفراش، كما يتحقق هذا الفرض دون طلب من المجني عليه عندما تقتل الأم وليدها المشوه إشفاقا منها على حياته بعد ذلك وتجنبا للتعاسة التي ستلازمه طوال حياته .

إثبات نية القتل:

جريمة القتل لا تقوم إلاّ بتوافر قصد إزهاق الروح، وحيث إن هذا القصد أمر باطني يضمره الفاعل فإن مشاكل كثيرة تثور حول إثباته واستخلاصه من الوقائع.  

ومن قواعد إثبات هذه النية:

أ – لا يلزم أن تكون الأداة قاتلة بطبيعتها :

لا يلزم أن تكون الأداة التي استعملت في القتل ما تحدث القتل عادة ، ذلك أنه يمكن:

- توافر نية القتل مع أداة غير قاتلة بطبيعتها:

يمكن أن تتوافر نية القتل مع أن الأداة المستعملة غير قاتلة بطبيعته كالحجارة أو كالعصا. 

736

- عدم توافر نية القتل مع أداة قاتلة بطبيعتها:

على الرغم من استعمال الجاني لأداة قاتلة بطبيعتها كسلاح ناري، فإن نية القتل لا تكون متوافرة لديه، تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن استعمال سلاح قاتل بطبيعته لا يكفي بذاته لثبوت نية القتل ما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجاني ".

(ب‌) لا يلزم أن تكون الإصابة في مقتل :

استقر قضاء النقض على أنه لا يشترط إصابة المجني عليه في موضع معين للقول بتوافر نية القتل .

الشروع في قتل:

تتحقق جريمة الشروع في قتل في فرضين:

الفرض الأول: عدم تحقق النتيجة

يتحقق الشروع في حالة عدم تحقق النتيجة رغم البدء في التنفيذ بغرض ارتكاب القتل في حالتين :

الحالة الأولى: الجريمة الخائبة

وفيها يقوم الفاعل بالنشاط كاملا ولكن لا يتحقق غرضه رغم ذلك، كمن يطلق الرصاص على المجني عليه ولا ينجح في إصابته و من أو من يقدم لغيره السم فيمتنع عن تناوله، وبالتالي فإن عدم حدوث النتيجة يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه .

وقد يصيب الفاعل المجني عليه في جسمه ولكن يتم إسعافه، وبالتالي لا تتحقق النتيجة وهي الوفاة، فالأمر في كلتا الحالتين من قبيل الشروع، وذلك إن إنقاذ المجني عليه من الوفاة هو سبب خارج عن إرادة الفاعل، وهذه الحالة هي من قبيل الشروع، مثلها في ذلك مثل الحالة التي لا ينجح فيها الفاعل في إصابة المجني عليه، غاية الأمر أن للقاضي أن يحكم بعقوبة أشد في حالة إصابة المجني عليه عن الغرض الذي لم تتحقق فيه إصابته .

الحالة الثانية – الجريمة الموقوفة :

لا يتمكن الفاعل في هذه الجريمة من القيام بالنشاط المكوّن للجريمة، بسبب لا دخل لإرادته فيه، كمن يتربص أمام منزل المجني عليه وهو مسلح انتظارا لإطلاق الرصاص عليه، ولكنه يتم القبض عليه في هذه الحالة، وقبل أن يقوم بالنشاط المكوّن للجريمة .

وعلى الرغم من عدم إتيان الفاعل للنشاط المادي المكوّن للقتل، فإن تربصه أمام منزل المجني عليه ليس من قبيل الأعمال التحضيرية، بل إنه بدء في التنفيذ بالمعيار الشخصي المعروف في الشروع، ذلك أن الفاعل لو تُرك لارتكب جريمة القتل حالا ومباشرة، وهذا هو مضمون المعيار الشخصي في الشروع .

الفرض الثاني : تحقق النتيجة وانقطاع علاقة السببية

قد يُسأل الفاعل عن الشروع في قتل رغم تحقق لنتيجة وهي وفاة المجني عليه إذا انقطعت علاقة السببية بين نشاط الفاعل والنتيجة، وتنقطع علاقة السببية في حالتين :

الحالة الأولى : تدخل عامل غير مألوف بين النشاط والنتيجة

تنقطع في هذه الحالة علاقة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه بسبب عامل لاحق على النشاط، هذا العامل يلزم أن يكون غير مألوف حسب المجرى العادي للأمور حتى يقطع علاقة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه .  

ومن أمثلة العامل غير المألوف وقوع خطأ جسيم من الطبيب في أثناء إجراء عملية جراحية للمجني عليه أو تعمد المجني عليه تسوئ حالته لتشديد المسئولية الجنائية للجاني أو حدوث واقعة غير متوقعة كحريق بالمستشفى الذي نقل إليها المجني عليه .

الحالة الثانية: وجود عامل غير متوقع في أثناء النشاط

وهنا يتوافر العامل غير المتوقع في أثناء إتيان الفاعل للنشاط فتدخل هذا العامل ليس كالحالة الأولى، يحدث بشكل لاحق بعد النشاط ولكنه كان سابقا على النشاط و معاصرا له، وهو كما في الحالة الأولى قد أسهم بشكل مباشر في حدوث النتيجة، بل إن دوره كان أكبر في حدوث النتيجة .  

ومن أمثلة ذلك أن يكون المجني عليه مريضا بمرض خطير عجل بوفاته، بحيث يمكن القول أنه إذا كان المجني عليه صحيح البدن لكان قد قاوم الإصابة وأمكن إنقاذه .

والقاعدة التي تبناها القضاء في تحديد تأثير المرض على علاقة السببية أن يكون المرض من النوع الغريب وغير المألوف، أما إذا كان من النوع كثير الحدوث، فإنه لا يقطع علاقة السببية، إذ على من يقدم على فعل الإيذاء أن يتوقع أن يكون المجني عليه مريضا بما يساهم في إزهاق روحه .  

ومن الأمثلة على مساهمة المرض المتوقع في حدوث الوفاة أن تكون إصابة المجني عليه في غير مقتل كما لو كانت في ساقه أو في كتفه، وبسبب إصابة المجني عليه بمرض السكر فإن إسعافه كان صعبا بسبب نزيف الدم المتواصل مما عجل بوفاته. 

اقرأ ايضا: ربما تكون أغرب حوادث القتل.. «أيد هون» تكتب السطور الأخيرة في حياة طبيب مصر الجديدة

وأيا ما كان الأمر فإنه يلزم لاعتبار المرض عاملا غير مألوف يقطع علاقة السببية أن يكون الجاني غير عالم به، لأنه إذا كان عالما به وأطلق على المجني عليه النار أو طعنه بمطواة قاصدا قتله، فإنه إنما أراد أن يستفيد من تأثير هذا المرض ويستغله لصالحه في إحداث النتيجة، فالمرض أصبح وسيلة يستفيد بها الجاني، ومن ثم فعلاقة السببية تتوافر في حالة العلم به .

حكم الاستحالة من الشروع:

قد يبدأ الفاعل في التنفيذ ولا تحدث النتيجة أي يتواجد في حالة جريمة موقوفة أو جريمة خائبة، على الرغم من ذلك فإن الجريمة لا يمكن أن تقع إذا ترك وشأنه، فالجريمة إذن مستحيلة، والتساؤل هنا هو : هل البدء في التنفيذ يُعد شروعا في قتل، إذا كان هذا القتل مستحيلا، كما لو كان المجني عليه ق د فارق الحياة أو أنه لم يكن بالمنزل في أثناء ترصد الجاني له مسلحا بقصد قتله؟

وقد ثارت مشكلة الجريمة المستحيلة في الفقه وهل يشترط توافر المحل أي المصلحة محل التجريم لكي يُعد الفعل شروعا ؟

في هذا الموضوع ظهرت نظريتان:

الأولى، تقوم على التمييز بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية، والنظرية الثانية تعتمد على التمييز بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية .

تتجه النظرية الأولى إلى عدم اعتبار البدء في التنفيذ من قبيل الشروع إذا تخلف شرط قانوني في الجريمة، كما لو كان المجني عليه قد فارق الحياة لحظة البدء في التنفيذ، ذلك أن جريمة القتل تشترط لوقوعها أن ترد على إنسان حي .  

أما الاستحالة التي ترجع إلى الوسيلة، كما لو تناول الجاني مسدسا لقتل المجني عليه، ولما أراد أن ينفذ جريمته اتضح أن ما يمسكه بيده مسدس أطفال أبدله زوجته بالمسدس الحقيقي لفشلها في إقناعه بالعدول عن مشروعه الإجرامي .

أما أصحاب نظرية التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية، فإنهم لا يوافقون على التوسع الذي يؤدي إليه تطبيق النظرية الأولى من حيث مجال الشروع، ذلك أن كل بدء في التنفيذ يُعد شروعا بحسب النظرية السابقة ن ما عدا تخلف شرط يفرضه القانون، وبدلا من ذلك فإن أنصار نظرية الاستحالة المطبقة والنسبية يركنون إلى معيار تهديد المصلحة المحمية، فإذا كان البدء في التنفيذ يهدد هذه المصلحة بالخطر فإن الشروع يُعد قائما والعكس بالعكس، ومن ثمّ فإنهم يرون أن الاستحالة المطلقة لا ينبعث عنها تهديد .  

ومن أمثلة الاستحالة المطلقة أن يكون التهديد بمسدس أطفال أو أن يكون القتل بعصا رفيعة مع أن المجني عليه قوي البنية، ففي كل حالة لا يمكن فيها أن تحدث النتيجة، فإن الاستحالة هي من النوع المطلق .

images (1)

 وبالتالي لا محل للقول بالشروع، على الرغم من البدء في التنفيذ ويدخل أنصار هذه النظرية في مجال الاستحالة المطلقة حالة تخلف شرط قانوني في المصلحة ، كما لو كان المجني عليه قد فارق الحياة قبل البدء في التنفيذ «وهو فرض الاستحالة القانونية عند النظرية الأولى».

تعدد الجناة ولحظة الوفاة:

لتحديد لحظة الوفاة أهمية كبيرة في حالة تعدد الجناة مع عدم وجود رابطة للمساهمة الجنائية بينهم، فإذا قام تشخصان بإطلاق الرصاص على ثالث دون أن يتواجد بينهما اتفاق مسبق، أو حتى تفاهم لحظة وقوع الجريمة، فإن كلا منهما يقوم بالنشاط مستقلا عن الآخر كما لو لم يكن عالما بأن هناك شخصا آخر يريد قتل المجني عليه أو سمع ثوت عيار ناري أطلقه آخر على المجني عليه ولم يكن متفقا أو متفاهما مع هذا الشخص، ولما خُيل إليه أن المجني عليه لم يصبه المقذوف أطلق هو عليه النار .  

فإذا ثبت أن الرصاصة الأولى هي التي قتلت المجني عليه فور إصابته، فإن هذا يعني أن الشخص الثاني أطلق الرصاص على شخص كان قد فارق الحياة، فهو لا يرتكب جريمة قتل، كما أنه لا يُنسب إليه شروع في قتل . أما الشخص الأول فإنه يُسأل عن جريمة قتل تامة، لكن الاستعداد للقتل والتربص له يُعد شروعا فيه طالما كان المجني عليه حيا في ذلك الوقت ، كما في المثال السابق .

وتوزيع هذه المسئولية يختلف فيما لو كان الاثنان على اتفاق مسبق على القتل أو توافر لديهم تفاهم على مسرح الجريمة، أو توافر قصد التداخل لدى أحد المساهمين للانضمام في مشروع الجريمة التي ينفذها المساهمون الباقون .

 في هذه الحالات يُسأل كل منهما باعتباره فاعلا أصليا في جريمة القتل، ولا عبرة بتحديد لحظة الوفاة، لوجود مشروع إجرامي واحد ضمّ المساهمين، وترتب على ذلك قيام التضامن في المسئولية عن النتيجة .

أما إذا لم يتوافر اتفاق أو تفاهم أو حتى قصد التداخل وأطلق اثنان النار على شخص واحد، ولم يمكن للخفير تحديد من منهما صاحب الرصاصة القاتلة، فإن الاثنين يسألان عن شروع في قتل على الرغم من وفاة المجني عليه، عملا بالقدر المتقين منه .

 غير أن أحكاما للنقض المصري عاقبتهما بوصفهما شريكان مع فاعل مجهول، عملا أيضا بفكرة القدر المتيقن منه. ولكننا نرى أن الرأي الأول أكثر منطقية من الرأي الثاني خاصة وأن عقاب الشريك هو نفس عقاب الفاعل الأصلي .

عدم العثور على الجثة:

تقوم جريمة القتل تامة بالوفاة، حتى ولو لم يتم العثور على الجثة، طالما تبين للمحكمة على وجه اليقين أن المجني عليه قد فارق الحياة بالفعل، فلا يحول من محاكمة المتهم أنه قام بإخفاء الجثة أو بتقطيعها أو بإحراقها، والحقيقة أن وجود الجثة يُعد أمرا هاما، إذ إنه الدليل القطعي على حدوث الوفاة، لكن هذا الدليل يمكن أن يتأتى من شهادة الشهود في حالة إخفاء الجثة.

علاقة السببية في القتل

المقصود بعلاقة السببية وأهميتها:

يلزم في جريمة القتل شأنها في ذلك شأن كل جريمة مادية أن يكون النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة ، وهو ما يطلق عليه علاقة السببية .

والأمر يكون واضحا إذا كان سلوك الفاعل هو السبب الوحيد في الوفاة، كمن يطلق الرصاص على شخص، فيموت حالا أو من يقدم السم في طعام إلى آخر فتحدث الوفاة بالتسمم حالا، غير أن علاقة السببية تثير بعض المشكلات القانونية في حالتين :

الحالة الأولى: تراخي حدوث النتيجة

في هذه الحالة تتداخل عوامل أخرى لتساهم مع فعل الفاعل في إحداث النتيجة . ومن ذلك أن يهمل المجني عليه في علاجه أو أن يخطئ الطبيب في أثناء إسعافه للمجني عليه . وهنا يثور التساؤل حول السبب الذي ينسب إليه النتيجة . هل إلى إصابة المجني عليه بالرصاص أم هل إلى إهمال المجني عليه ، أم هل إلى خطأ الطبيب ؟ هل تُعزى النتيجة إلى أحد العاملين ، أم كلاهما معا ، وما مدى مسئولية الفاعل في هذه الحالة الأخيرة ؟ 

اقرأ أيضا: قاعدة قانونية في قضايا القتل.. النقض: "نأخذ بشهادة المقتول الذي يحتضر" (مستند)

السببية القانونية والسببية الطبيعية:

تختلف السببية القانونية عن السببية الطبيعية كما يحددها الطبيب . فإذا قرر هذا الأخير بعد فحص الجثة أن الوفاة ترجع إلى نزيف داخلي نتج عن ضغط على المخ مما أدى إلى انفجاره بسبب التأخير في نقل المجني عليه إلى المستشفى ، فإنه يتحدث عن السبب الطبيعي للوفاة . أما القانونيون فإنهم يتحدثون عن السببية من الوجهة القانونية . فإحداث جرح نافذ برأس المجني عليه يجعل نشاط الفاعل سببا للوفاة . وما التأخير في نقل المجني عليه إلى المستشفى إلاّ بأمر مألوف بحسب ظروف الواقعة أو المكان .

معيار علاقة السببية:

تتنازع علاقة السببية نظريتان : الأولى؛ نظرية تعادل الأسباب والثانية نظرية السببية الملائمة.

أما بالنسبة لنظرية تعادل الأسباب فإنها تعطي لكافة الأسباب دورا في حدوث النتيجة دون تمييز بينها .غير أنه إذا كان بين هذه الأسباب فعل إنساني ، فإن النتيجة تُنسب إلى هذا الفعل . فإذا أطلق شخص عيارا ناريا بقصد قتل آخر وتمّ نقله إلى المستشفى ، حيث اشتعلت النار بها فتوفى المصاب في الحال، فإن علاقة السببية تقوم بين النشاط وإزهاق الروح ويُسأل الفاعل عن جريمة القتل، لأنه لولا إطلاق النار على المجني عليه لما نُقل إلى المستشفى ولما تعرض لخطر الحريق .

ولا يختلف الأمر إذا أخطأ الطبيب خطأ جسيما في أثناء إجرائه لعملية جراحية فإنه وإن كان هناك عاملان إنسانيان : السلوك العمد من الفاعل والسلوك الخاطئ من الطبيب، فإن النشاط الأول في التسلسل السببي هو الذي تُنسب إليه النتيجة.  

وبالتالي فإن إطلاق الرصاص على المجني عليه هو السبب الذي ترتبط به النتيجة وهي الوفاة، إذ لولا هذا النشاط لما نقل إلى المستشفى ولما كان هناك خطأ جسيم من الطبيب .

ويوجه النقد إلى نظرية تعادل الأسباب بسبب أنها تؤدي إلى التوسع في مسئولية الفاعل، بحيث تُنسب كافة النتائج إلى الفعل الأول الذي حرّك التسلسل السببي، أيا كانت قوة الأسباب التي تتداخل بعد ذلك وتأثيرها ومدى توقع حدوثها .  

ومن ناحية أخرى فإنها تترك تساؤلا كبيرا دون إجابة وهو الآتي : إذا طعن شخص آخر بمطواة قاصدا قتله، ثم بعد ذلك حضر شخص آخر دون اتفاق معه فألقى المجني عليه في النهر، فأجهز عليه بذلك، وكانت الحالة السيئة التي عليها المجني عليه قد سهلت على المتهم الأخير إتمام مهمته، فإذا قلنا بأن النتيجة تُعزى إلى المتهم الأول، فما هي مسئولية المتهم الثاني ؟ وهل تُنسب جريمة القتل إلى الاثنين سويا مع أنه لا يوجد مساهمة جنائية بينهما أي لا يتوافر اتفاق أو تفاهم ؟

لما كانت نظرية تعادل الأسباب تلقي بالمسئولية على الفاعل الأول، فإن نظرية السببية الملائمة تفضلها في أنها تقيم التفرقة بين الأسباب ولا تعتد فقط بالسبب الأول الذي حرك التسلسل السببي للأحداث، فهي تسند النتيجة إلى السبب الذي تتوافر فيه الإمكانات الموضوعية لإحداث النتيجة وتستبعد العوامل الأخرى التي تتداخل والتي يكون حدوثها مألوفا بحسب المجرى العادي للأمور، ولذا فإن هذه النظرية الأخيرة تصل في تطبيقها إلى نتائج مختلفة عن نظرية تعادل الأسباب .   

images (2)

فالأسباب التي تتدخل ولا تكون مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور كالحريق الذي يشب بالمستشفى وكخطأ الطبيب الجسيم، هذه العوامل تقطع علاقة السببية بين نشاط الجاني وإزهاق الروح، ولا يُسأل الفاعل عندئذ إلاّ عن شروع في قتل.

ويميل القضاء المصري إلى تبني نظرية السببية الملائمة، على الرغم من أن بعض أحكامه تصرح بأن علاقة السببية تقوم إذا أمكن تصور حدوث النتيجة ولو لم يرتكب الفعل، فنظرية السببية الملائمة أيضا لا يتصور أن تنسب النتيجة إلى عامل لم يكون ضروريا في إحداثها أي إذا كانت النتيجة سوف تحدث على أية حال سواء تواجد هذا العامل أم لم يتواجد .

عدم انقطاع علاقة السببية:

لا تنقطع علاقة السببية في حالتين :

1-إهمال المجني عليه في العلاج :

لا تنقطع علاقة السببية في رأي محكمة النقض في حالة توافر أسباب أو عوامل أخرى ، طالما كانت مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور، لذلك قضت محكمة النقض بأن علاقة السببية تقوم رغم إهمال المجني عليه في العلاج. كما قضت المحكمة بأن المجني عليه لا يُلزم بإجراء عملية جراحية من شأنها أن تعرضه للخطر أو أن تحدث له آلاما مبرحة وأنه إذا رفض ذلك وتوفى أثر مضاعفات من جروحه، فإن الفاعل يُسأل عن القتل العمد باعتبار أنه كان عليه وقت ارتكاب فعلته أن يتوقعها، كما قضت بأنه لا يدفع مسئولية المتهم أن المجني عيه أو ذويه رفضوا بتر ساقه وأن هذا البتر كان يُحتمل معه نجاته.

2 – مرض طارئ أصاب المجني عليه:

فما يصيب المجني عليه من مرض طارئ أو من مضاعفات من الإصابة التي أوقعها به المتهم لا تقطع علاقة السببية ويُسأل هذا الأخير عن الوفاة إن هي حدثت طالما كان المرض أو المضاعفات أمرا مألوفا بحسب المجرى العادي للأمور .

3 – انقضاء مدة بين الفعل والوفاة:

طول المدة المنقضية بين الإصابة وبين الوفاة لا تقطع علاقة السببية . تطبيقا لذلك قُضي أن المتهم بالقتل العمد مسئول عن وفاة المجني عليه التي لم تحدث إلاّ بعد ثمانية وخمسين يوما طالما كان ذلك أمرا متوقعا وفقا للمجرى العادي للأمور.

4-انقطاع علاقة السببية:

تنقطع علاقة السببية بين الفعل والوفاة إذا تداخل ب ينهما عامل غير متوقع، ويستوي في العامل غير المتوقع الذي يقطع علاقة السببية أن يكون ناتجا عن فعل إنسان لم يتفق معه الفاعل أو بفعل الطبيعة كما في مثال الحريق الذي يسب بالمستشفى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق