الأزمة اليبية.. ليبيا تعاني محاولات التقسيم.. محاولات دولية لتفتيت جماهيرية القذافي.. ومخطط داعشي للسيطرة الكاملة عليها
الإثنين، 04 يناير 2016 08:42 ص
تشهد الأزمة الليبية حراكاً دبلوماسياً دولياً وإقليمياً بالغ الأهمية على خلفية اتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه في السابع عشر من ديسمبر الماضى ، بالمملكة المغربية بين الأطراف الليبية ليمثل بارقة أمل على طريق استقرار الأوضاع وعودة الوفاق بين أبنائه، ويفتح صفحة جديدة فى تاريخ البلاد تحمل بين طياتها أملا كبيرا فى إنهاء الصراع وتحقيق الوئام والسلام بين جميع أطياف الشعب من أجل بناء ليبيا ديمقراطية حديثة، ينعم فى ربوعها الجميع بالحقوق المتساوية، ويؤدون ما عليهم من واجبات سواء بسواء.
يعد الاتفاق الذى تم التوصل إليه برعاية مبعوثى الأمم المتحدة، بعد ماراثون تفاوضى استمر نحو عام، حلا وسطا ونقطة التقاء بين الفرقاء الذين آثروا تقديم التضحيات والتنازلات، رغم اعتراضهم على بعض بنوده وإعلانهم عدم تلبيتها لطموحاتهم، وذلك فى سبيل تحقيق المصلحة العليا لبلادهم.
يتضمن الاتفاق خطوات لحل الأزمة من بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود ليبيا إلى انتخابات برلمانية فى غضون عامين ووقَّعت عليه وفود من مجلس النواب المعترف به دولياً فى طبرق ونواب منشقين عنه والمؤتمر الوطنى العام (البرلمان) المنتهية ولايته فى طرابلس العاصمة وشخصيات مستقلة.
واقع الأمر أن طريق تنفيذ الاتفاق ليس مفروشاً بالورود، إنما ثمة تحديات وعراقيل تقف أمامه، في ظل الرفض من قبل عقيله وأبو سهمين وحلفائهما وقيادات إسلامية متشددة فى الجماعة الإسلامية المقاتلة بقيادة عبدالحكيم بلحاج العائد من أفغانستان وكتلة تُدعى المجلس المؤقت لملتقى الوفاق الوطنى فى برلمان طبرق تجعل تنفيذه بطيئا وربما مستحيلا إن لم يغيِّروا كلهم أو بعضهم موقفهم.
ويعقِّد الموقف أكثر الجماعات المسلحة غير المحسوبة على الطرفين التى من المتوقع أن تطلق العنان لأفرادها لمحاربة الحكومة الجديدة وإفشال مهمتها، فضلاً عن الجماعات المرتبطة بشخصيات سياسية رافضة للاتفاق والتى من غير المستبعد أن تشهر السلاح فى وجه الحكومة دفاعاً عنهم أو للحصول على مكتسبات سياسية ومادية وضمانات بعدم توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لأى من أفرادها.
وساطات عُمانية وجزائرية لتفكيك الأزمة
لا شك أن تنفيذ الاتفاق ـ في ظل التحديات السابقة ـ بحاجة إلى محاولات جادة لإقناع الرافضين بالتخلى عن معارضتهم أوعلى الأقل التزام الحياد وإلى استمالة شيوخ القبائل والتصدى بحزم لمثيرى القلاقل والمحرضين على العنف، وفي هذا السياق جاءت استضافة سلطنة عُمان للاجتماع الذي عُقد بين نورى أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في ليبيا، والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا له.
فقد أضفت بعض المتغيرات الرئيسية زخماً على أدوار الوساطة الإقليمية في الفترة الماضية.
أولهما، ظهور أنماط جديدة من التهديدات في المنطقة، على غرار تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم "داعش".
ثانيهما، اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية نحو الانسحاب تدريجياً من مناطق الأزمات في المنطقة.
ثالثهما، محاولة بعض القوى الإقليمية استثمار تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، من أجل تعزيز حضورها في المنطقة.
واعتبر الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية ومدير معهد البحوث والدراسات العربية السابق، أن هناك عاملين لنجاح الوساطة.
يتمثل أولهما في وجود دولة تتوافر فيها مقومات الوساطة وأهمها بالترتيب سلطنة عمان، باعتبار السلطان قابوس "ظاهرة" شديدة الحياد والموضوعية، وهذا الحياد مكنًه أن يكون فاعلاً مقبولاً ، وأن يحظى بثقة الأطراف. ثم الجزائر ومصر باعتبارها تلعب دوراً سياسيا هاماً أبرزه مواجهة مخاطر الإسلام السياسي.
أما العامل الثاني، فينصرف إلى طبيعة الصراع نفسه سواء بسبب حدة التنافس أو موازين القوى، أو صراعات يطول أمدها ولا يوجد أمل لدى أحد الأطراف دون تحقيق انتصار.
ووفقاً للمحللين السياسيين، فإن الخط العام للسياسة العمانية هو الحياد "الايجابي"، وامتدادا لسياسة سلطنة عمان الخارجية، والتى تتسم بالبعد عن الصراعات والتكتلات الخارجية والالتزام بالحيادية فى التعامل مع القضايا الشائكة، بدأت السلطنة العام الجديد 2016 بوساطة جادة لحل الأزمة الليبية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.
وقد أكدت مصادر دبلوماسية عربية، أن سلطنة عمان تسعى بشكل حثيث للتوسط فى الأزمة الليبية والعمل على إنهائها بالشكل الذى يضمن وحدة واستقلال الأراضى الليبية ، وأوضحت المصادر أن الجهود التى تبذلها سلطنة عمان لحل الأزمة الليبية تأتى انطلاقا من السياسة العمانية المعروفة باتخاذها مواقف منفتحة على كل الأطراف، ما يمكنها من لعب دور الوسيط دون انحياز إلى طرف ضد آخر، وأكدت المصادر أن سلطنة عمان تتسم فى تحركاتها الإقليمية بهدوء شديد ، وفي ذات السياق أكد وزير الإعلام والثقافة الليبى، عمر القويرى، إن سلطنة عمان لديها تاريخ طويل من العمل السياسى الخارجى والتعامل بشكل سلمى غير تصادمى من خلال سياسة متزنة وهادئة.
كما أشار الوزير القويري في تصريحات سابقة إلى أن دور سلطنة عمان فى اليمن كان مهما لعلاقاتها الطيبة مع إيران، للتقريب بين أشقائها فى مجلس التعاون الخليجى، وإصلاح العلاقة مع إيران، وقامت بالفعل بهذا الدور أكثر من مرة، وقال "نحن على استعداد للحوار مع كافة الأطراف التى تدعم الشرعية فى ليبيا من أجل دفع الوضع نحو الحل".
كان الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُماني، يوسف بن علوى، قد استقبل في مسقط مارتن كوبلر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، وتمت مناقشة تطورات الأوضاع على الساحة الليبية، وجهود المبعوث الأممى مع الأطراف الليبية.
وتأتي جهود الوساطة الجزائرية للأزمة الليبية داعمة للوساطة العُمانية، فالجزائر تملك مقومات الوساطة، فالدور الحيادي جعل الجزائر طرفاً موثوق فيه من كافة الأطراف الإقليمية، وقد اتضح الحياد في كثير من الأحوال منها الثورة التونسية، والأزمة اليمنية الأخيرة، لكن تتفاوت نسبة الاهتمام الجزائري بالقضايا المختلفة، حسب أهميتها، ففي الوقت الذي تعتبر قضيتي مالي وليبيا هما الأهم بالنسبة للجزائر، وبالتالي ثمة محاولات جزائرية مضنية لإنهاء الصراع في ليبيا، وفى حالات أخري مثل سوريا واليمن، تسعى الجزائر على استحياء للقيام بدور الوسيط.
يبقى القول أنه في ظل حالة التأرجح بين الأمل المنشود للتوصل للحل السياسي الذي يُنهي الأزمة برمتها، وبين الترقب والحذر من اتساع هوة الخلاف بين الفرقاء الليبيين، تبذل الكثير من الجهود والمساعي الدبلوماسية سواء من قبل الأمم المتحدة، أو من قبل جهود الوساطة الإقليمية العُمانية والجزائرية، من أجل محاولة التغلب على الخلافات المتبقية، وتوسيع نطاق الاتفاق، ودعم أرضيته، ليكون قادرا على تحمل تبعات ونتائج الانتقال الى مرحلة جديدة في حياة ليبيا، الدولة والمجتمع.