واضع أكبر موسوعة عن الصهيونية.. ما لا تعرفه عن عبد الوهاب المسيري عالم الاجتماع الكبير "صور"
الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 11:00 م
حينما نختار إحياء ذكرى ميلاد المفكر الكبير الراحل عبد الوهاب المسيري، المولود في الثامن من أكتوبر عام 1938، والمتوفي الثالث من يوليو عام 2008، نحتار فعلا من أين نبدأ وأي الموضوعات نختارها للكتابة عن سيرة عالم الاجتماع المصري الراحل، وأي أثر من آثاره نحتفي به، وبالطبع يبرز إلى الواجهة أثره الكبير، وموسوعته التي خلفها عن الصهيونية، بعنوان "اليهود واليهودية والصهيونية" والتي تعد بحق أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية التي عكف على تأليفها عالم ومفكر عربي في القرن العشرين، ولا يطاولها في قامتها، سوى موسوعة "شخصية مصر" التي وضعها جمال حمدان.
وُلد عبد الوهاب المسيري في مدينة دمنهور في مصر عام 1938، وفي عام 1955، التحق بقسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعين فيها معيدا عند تخرجه، ثم سافر إلى الولايات المتحدة عام 1963، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسي عام 1969.
في كتابه الصادر عام 2000 في الهيئة العامة لقصور الثقافة، المعنون بـ"رحلتي الفكرية في البلذور والجذور والثمر" البالغ عدد صفحتها 563 صفحة، يقول عبد الوهاب المسيري عن نفسه حينما شببت عن الطوق، بحثت عن أصل عائلتي، وقيل لنا إننا من الشرفاء، أي من أهل البيت، وكان أحد أعضاء العائلة يحتفظ بشجرة تبدأ فروعها من دمنهور في القرن العشرين، وتنتهي عند مكة في أيام البعثة المحمدمية، وكانت إحدى علامات الأصالة أن يعرف الإنسان أسماء جدوده، ولذا كنت أعرف أن اسمي هو عبد الوهاب محمد أحمد علي غنيم سالم عز المسيري.
غلاف كتاب سيرة المسيري رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر
وتابع المسيري قائلا في فقرة أخرى: من خلال بعض القراءات عرفت أن أول مسيري مصري كان عالما فقيها جاء من المغرب إلى مصر في القرن السادس عشر، وأن أحد أفراد أسرة المسيري كان حاكما للإسكندرية عند احتلال نابليون لها، وأن ابنه استشهد أو قبض عليه، في إحدى المظاهرات ضد الفرنسيس، وقد أورد الجبرتي بعض هذه الوقائع ونقلها عنه الرافعي، وقد أخبرني أحد علماء الإنسانيات السودانيين أنه مهتم بما يعرف باسم قبائل المسيرية، وهي قبائل توجد في السودان، ولا يعرف هل جاءت من المغرب واستقرت في السودان، أو أنها جاءت من الجزيرة العربية مع تغريبة بني هلال، وقد أرسل لي مقالة تبين أن ثمة تشابها بين أهل تهامة وعرب المسيرية، ويقول أحد المستشرقين الألمان إن قبيلة المسيرية بالسودان أصلها المصرية، صغرت إلى المصيرية، ثم خففت إلى المسيرية.
انتمى عبد الوهاب المسيري إلى جيل كان ينضج سياسيا بسرعة، مقارنا بأجيال هذه الأيام على حد قوله في كتابه، مشيرا إلى أنه كان لديه مواقف سياسية وهو لم يزل في السابعة من عمره، وفي الأربعينات على سبيل المثال لم يكن يكف عن التفكير في مسألة الحرب ضد الإنجليز، وتحرير مصر.
يحكي عبد الوهاب المسيري عن طفولته في أولى فصول الكتاب بأسلوب مشوق يأسر قارئ الكتاب، ويجعله ينجذب لصفحاته، نظرا لأسلوب القص والحكي الذي يعتمده المسيري، بينما يحكي عن أوضاع مصر في الأربعينيات، ويحكي عن الجمعية السرية التي كونها هو وأصدقائه في شارع الأنصاري بدمنهور، لمحاربة الإنجليز، وهو بالطبع يعترف في هذا الجزء بأن الأمر كله لم يكن سوى لعب عيال.
شارك عبد الوهاب المسيري بحماس في مظاهرات الطلبة ضد الملك فاروق أوائل الخمسينات، عندما أقال وزارة الفود التي ألغت معاهدة سنة 1936، ثم عين حافظ عفيفي رئيسا للديوان الملكي، المكروه من الشعب.
الراغب في الإطلاع على سيرة عبد الوهاب المسيري، عليه بقراءة تلك السيرة الممتعة، التي يحكي فيها عن كل شيء، عن طفولته، وعن العمارة في دمنهور، التي يصنفها مرة على أنها مدينة، ومرة أخرى على أنها قرية، فيقول: كان هناك في دمنهور مجموعة من المباني على الطراز العربي، وواحد من أهم المسارح في مصر، يقال أنه لم يكن يضاهيه في روعته إلا دار الأوبرا القديمة، إذ إن محافظ البحيرة في الأربعينيات، أو مدير البحيرة، الشاذلي باشا، قرر أن يترك بصمته على المدينة فأسس هذه المباني، وكان المنزل الذي يقطن فيه المسير، على طراز "الآرنوفو" أي الفن الجديد.
تظهر ثقافة وتبحر عبد الوهاب المسيري في علم العمارة في هذه السطور التي يحدث فيها قارئه عن طراز الآرنوفو، الذي ظهر في أوروبا بين عامي 1890، و1910، كجزء من ثورة الإنسان الغربي الرومانسية ضد مجتمع الصناعة والآلة الذي كان يحاول أن ينظر إلى كل شيء في إطار المنفعة المادية.
ترك عبد الوهاب المسيري العديد من المؤلفات في حقل مناهضة الصهيونية، ومنها " مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي" و" انهيار إسرائيل من الداخل" و"أسرار العقل الصهيوني" جعلته مؤسسا لعلم الإسرائيليات، وباحثا كبيرا فيه، كما ترك أعمالا أخرى في التعريف بالعلمانية والشعر، ودراسات في الثقافة، وبجانب ذلك كان المسيري ناشطا سياسيا، وأحد أعمدة حركة كفاية التي تشكلت في سنوات مبارك الأخيرة، كحركة مقاومة تدعو لتنحيه عن السلطة.