كيف نصنع من الهزيمة نصرا.. الجمسي في مذكراته يكشف الإعداد لحرب أكتوبر (4)
السبت، 06 أكتوبر 2018 07:00 م
لا يمكن التعامل مع مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي، باعتبارها تقارير معلوماتية يكتبها قائد عسكري سابق، عن حرب كبيرة، بل أيضا تدخل هذه المذكرات في مصاف الأعمال التاريخية الكبرى، التي تؤرخ لفترة مهمة من حياة الشعب المصري، والعربي أيضا.
ففي الكتاب، يستعرض مجريات الأحداث الكبرى التي شهدتها مصر والمنطقة، ومنها الوحدة بين مصر وسوريا، وثورة العراق التي اندلعت في 14 يوليو عام 1958، ضد نوري السعيد، واشتعال الموقف الشعبي في لبنان والأردن، وانفصال سوريا عن مصر، ثم حرب اليمن.
الجنرال النحيف المخيف محمد عبد الغني الجمسي
كانت مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، بمثابة تدريبا للإسرائيليين على إمكانية القيام بحملة على سيناء، حسبما يلفت المشير الجمسي في مذكراته، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأن ارتباطها – إسرائيل- بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد ذلك، سيجعلها قادرة على تأمين تسليحها، ويلفت المشير الجمسي، إلى أن إسرائيل حصلت على سلاح من أمريكا في الفترة من 1957، حتى 1966، ضمن لها التفوق العسكري على الدول العربية تحت شعار وستار توازن القوى في المنطقة.
في مذكراته أيضا يحلل المشير الجمسي عبر صفحات طويلة، أسباب هزيمة 1967، والمعلومات الخاطئة التي تلقتها قبلها، والتقديرات والتحليلات العسكرية الاستراتيجية التي تحركت عليها، وأغلقت المضايق في وجه الملاحة الإسرائيلية، والخطوات التي أ>ت إلى التصعيد مع إسرائيل، وكذلك يطرح سؤالا مهما في فصل عنونه :هل كنا مستعدين للحرب" ويجيب عليه بمعلومات دقيقة ومهمة، دارت أغلبها عن تأثيرات حرب اليمن، في إضعاف القوات المسلحة المصرية، بقوله: لقد كانت حرب اليمن عملية بوليسية تقاتل فيها قواتنا المسلحة قواتا غير نظامية، تقوم بحرب عصابات في مسرح عمليات جبلي، وانخفض مستوى الانضباط العسكري خلال فترة الحرب، بحكم طبيعتها التي لم تكن نظامية بالمعنى العسكرى المفهوم، والأثر الخطير لحرب اليمن، هو أن القيادة العليا للقوات المسلحة وجهت كل جهودها الرئيسية لليمن لمدة خمس سنوات، أهملت فيها مسرح العمليات الرئيسي في سيناء، ضد العدو الرئيسي إسرائيل.
كما يستعين المشير الجمسي بصفحات من كتاب الرئيس الراحل أنور السادات "البحث عن الذات" في معرض حديثه عن الحالة الداخلية في مصر عام 1967، بالإشارة إلى كواليس الصراع على السلطة بين جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وهو ما كان المقدمة الأولى لهزيمة 1967.
ويلقن المشير الجمسي قارئ الكتاب واحدا من أهم دروس التاريخ الحربي، والعسكري، خاصة في ذلك الجزء الذي يتحدث فيه عن الاستراتيجية العليا لمصر، وفي الفقرة التي يتحدث فيها عن ضرورة وضع هذه الاستراتيجة قبل الدخول لحرب، أو مواجهة عدوان خارجي.
يقول المشير الجمسي: عندما تهدف الدولة لدخول حرب بمبادأة منها، أو تتعرض لعدوان، لابد أن يكون لها استراتيجية عليا تخضع لها كل قطاعات الدولة، لتحقيق أهدافها السياسية، فقبل تصعيد الموقف بين مصر وإسرائيل في مايو 1967، كان من الواجب وضع هذه الاستراتيجية لتحديد الهدف السياسي المطلوب تحقيقه، وبالتالي يكون الهدف الاستراتيجي العسكري واضحا.
المشير الجمسي
يحكي المشير الجمسي في الكتاب، سيرة الأيام السابقة على هجوم 5 يونيو، 1967، وكيف تبدلت المهام التي تلقاها قائد الجيش الميداني الفريق صلاح محسن، وسط الاهتمام السياسي بقطاع غزة، والتي عرضت فكرة خطة تعرضية تهدف إلى عزل منطقة إيلات، وتقوية منطقة رفح حتى لا ينعزل قطاع غزة عن سيناء، وكلفت بهذه المهمة فرقة شكلت حديثا تشمل لواءات من تشكيلات أخرى، كما يحكي عن يوم النكسة الخامس من يونيو 1967، وبدء الهجوم الإسرائيلي على المطارات المصرية، والدفع بالقصة الكاذبة الإسرائيلية، أن مصر هي من بدأت الحرب، وهو ما اعترفت إسرائيل بكذبه بعد ذلك، ثم يروي المشير الجمسي عن حرب الاستنزاف، التي بدأت في الأول من يوليو عام 1967، حينما تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق، في اتجاه بورفؤاد شرق بورسعيد، لاحتلالها، بعدما ظلت المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل خلال حرب يونيو، وتصدت لها قواتنا ودارت معركة رأس العش، التي كان يدافع عنها قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة، تشبثت بمواقعها في صلابة، وأمكنها تدمير 3 دبابات إسرائيلية، من بين عشر دبابات، وأخفقت إسرائيل في اقتحام الموقع، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات، وانسحبت القوة الإسرائيلية، وظل قطاع بور فؤاد الجزء الوحيد الذي ظل تحت السيطرة المصرية، حتى نشوب حرب أكتوبر.
كانت حرب الاستنزاف، خطوة على طريق النصر، الذي حققته مصر في العام 1973، وكانت تلك الحرب، إحدى وسائل الانتصار في الحرب النفسية التي تحدث عنها المشير الجمسي في مستهل فصول مذكراته، ففي يوم 14 يوليو 1967، هاجمت عشر طائرات مصرية من طراز ميج 17 تجمع دبابات وعربات مدرعة للعدو في القطاع الجنوبي من الجبهة، ودارت معركة جوية أصيبت فيها طائرتين إسرائيليتين، وكان ذلك ردا عمليا وإشارة واضحة لإسرائيل، أن القوات الجوية ببقاياها من حرب يونيو لم تفقد قدرتها على القتال، وتكررت طلعات أخرى يوم 15 يوليو، وكان من أشهر عمليات حرب الاستنزاف، إغراق المدمرة إيلات، التي كانت تتحرك في المياه الإقليمية لمصر، في المنطقة شمال بورسعيد، وكانت قاعدة بورسعيد البحرية تتابع تحركات المدمرة إيلات، الاستفزازية، الرامية لإظهار عجز القوات البحرية عن التصدي لها.
الجنرال النحيف المخيف محمد عبد الغني الجمسي
ولا يفوت المشير الجمسي، أن يتطرق إلى رد إسرائيل على إغراق المدمرة إيلات، حينا قصفت يوم 24 أكتوبر معامل تكرير البترول، ومستودعات البترول في السويس بنيران المدفعية، وهو ما تسبب في فقد مصر 60 % من البترول، وأسرعت الدولة بنقل معامل التكرير إلى مناطق أخرى في عمق الدولة، ويلفت المشير الجمسي إلى أنه بينما تصرفت مصر عسكريا، ضد هدف عسكري إسرائيلي، كان رد إسرائيل اعتداء عسكري على هدف مدني.
انتزعت مصر نصر أكتوبر 1973، بعدما تعلمت الدرس القاسي، درس الهزيمة، واستردت الكرامة المفقودة، وتوجت الهامة المصرية بتاج الانتصار، بعد سنوات الحزن التي عاشها الشعب المصري وجزء من أراضيه في الأسر.