سراب يتلاشى
الجمعة، 05 أكتوبر 2018 01:31 م
ما الذي تغير؟، لم تعد هناك طاقة للحديث ولا الكتابة!، ولا قدرة على العتاب والنقاش، كل شيء تغير، اختفت تلك الابتسامة، ولم تعد «القفشات» ولا الحديث الصاخب تداعب الآذان كما كنا.
العقل لا يفكر والقلب ينبض فقط والروح تشتاق –لأي شيء لا أدري- هناك صعوبة في التنفس، والتدخين يزداد شراهة –على غير العادة- لم نعد نغني ولا نسمع، بل هناك سخطًا على عيش ليس من الرغد، الطبيب قال ذلك.
لوهلة صدقته، وازداد اليقين، فأنا أشعر بكل ما وصفته، لكن الشعور تلاشى تباعًا، تذكرت وقت كنت أطوي الدهر والعالم طيا، كنت أنشر الحب وفقط، وقت كنت أحمل حبات «الملبس» ألقيها على المارة، وقت كنت أحمل الورود للعاشقين، وقت كنت أحمل الكتب للقارئين والشعر للشعراء.
لم أعد أسمع، ولم أعد ظلًا لمن أنهكتهم حرارة الأوجاع، بقيت وحدي وبقى كل شيء سراب، العين شاخصة لا تنام، لم تسلم من كوابيس الليل وتهيؤاته، فقط هو أسبوع لا أكثر.
من قال أسبوع؟ إنها فترة تعود بين الحين والآخر، تعود محملة بالأوجاع والآلام، وكأننا اعتدناها في نفس التاريخ من كل عام، لكن الوضع الآن مختلف، فالمقاومة للخروج من هذا النفق المظلم مستمرة ولن نعود.
كان علىّ فقط أن أحطم تلك الجدارية، فورائها شمس لا تغيب، تشع النور ولا يتلاشى. كان عليّ أن أتحسسها؛ لأحدد أضعفها، وأكسره بأقل مجهود -الطاقة لا تكفي- فالمقاومة لا تحتاج سوى لبداية، فقط اجمع أوراقك وحدد أين أنت؟. في الأوراق حبيبة وصاحب وسنوات خبرة وحلم وأمل، والله فوق كل ذلك، وأرض ثابتة وضعنا أساسها، ورويناها بتلك السنوات التي سرقت منا أجمل لحظات العمر -سرقنا نحن منها برهات فقط- وحملنا مفاتيح الأمل فتكسرت الجدارية جزءا تلو الآخر.
تيقنت أن ما أعيشه «سراب» سيتلاشى، فما هي إلا تراكمات ومشاعر منهكة وصلوات ضائعة وحياة مخترقة وأبواب مفتحة وأخرى «صدءة» يداعبها الهواء، فيخرج ما ورائها من آلام تناسيناها مع الزمن.
الأغلب يعيش تلك الفترة، وينتظر من ينتشله منها، لا ضير!، فلا أحد يعيش في الكون وحده، فقط ارجع إلى نفسك وتمسك بمن تحب فهو قشة النجاة للغرقى، فهو الحقيقة المطلقة وسط السراب، والضوء الذي لا ينقطع كلما ازداد الحب والتمسك بالأمل.عليك فقط التروي وعدم جلد ذاتك، وابحث عن علاجها ما دمت تجهله، وابعد عنك من كان سببا حتى وإن كان ضلعًا، خرجت نطفة في رحمه، ابعد كل شيء سبب الألم ومزق لافتات المحبة في صدرك، وأنهك المشاعر في قلبك. واعلم أن ما تشعر به ويؤذيك ما هو إلا سراب يتلاشى، وأوهام ليس لها مكان، ما عليك سوى الإيمان بمن تحب، والثقة في نفسك، وأن كل شيء على الله هين، وأن ما ابتلاك به سيشد عضدك ويقويك.