كيف اعتمدت الصهيونية على القوة لاغتصاب فلسطين؟.. مذكرات الجسمي تجيب (الحلقة 2)
الخميس، 04 أكتوبر 2018 08:00 مكتب : وجدي الكومي
تظل مذكرات القادة العسكريين عن حرب أكتوبر، إحدى أهم وثائق الحرب، التي تحويها المكتبة المصرية، وهي ليست فقط مذكرات عن حكايات مرسلة، يكتبها القادة، بل هي مذكرات ثقيلة المحتوى، تكشف معلومات، وتكتيكات العدو، وتكشف قبل ذلك عن ذكاء وفكر القادة العسكريين والجانب الأدبي لديهم في القدرة على الحكي والكتابة والتوثيق لحدث كبير مثل حدث الحرب.
وفي الحلقة الثانية التي نعرض فيها مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي، نتناول هنا ما تطرق إليه من كيفية اعتماد الصهيونية العالمية على القوة المسلحة لاغتصاب أرض فلسطين، إذ يشير القائد العام للقوات المسلحة الأسبق، إلى أن شعار بن جوريون الذي أطلقه وقت تأسيس جيش الاحتلال الإسرائيلي، كان «بالدم والنار سقطت اليهودية، وبالدم والنار تعود من جديد»، يضيف المشير الجمسي: «كان ذلك تأكيدا لقرار من الصهيونية العالمية يقضي بأن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لإنشاء الدولة».
ويتابع: «لما كان إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين ليس هدفا في حد ذاته، بل مرحلة للتوسع على حساب الأرض العربية والسيطرة عليها عسكريا واقتصاديا، وسياسيا، فقد أصبحت القوة العسكرية الإسرائيلية لها الدور الأقوى والأهم ومصدر الخطر الرئيسي على الدول العربية، وكما قال بن جوريون منشئ الدولة، تعبيرا عن هدف الصهيونية من إنشائها: دولة إسرائيل هي مجرد مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى التي تسعى إلى تحقيق ذاتها، بحيث لا تشكل هذه الدولة هدفا في حد ذاته، بل وسيلة إلى غاية نهائية، ومن ثم فهي ليست تجسيدا كافيا للرؤية الصهيونية الأصيلة».
يتطرق المشير الجمسي في مذكراته إلى حرب يونيو بالطبع، التي كانت أولى مقدمات وأسباب حرب أكتوبر، ويقول المشير الجمسي في هذا الموضع من استهلال كتابه: جاءت حرب يونيو 1967، بنتائجها الأليمة للعرب، وأصبح بن جوريون نبي إسرائيل المسلح، أكثر وضوحًا في التعبير عن أهمية القوة العسكرية لتحقيق التوسع الذي تهدف إليه إسرائيل، عندما قال: «يجب أن نتخذ من الفتوحات العسكرية أساسا للاستيطان وواقعا يجبر العرب على الرضوخ والانحناء له».
يعرض المشير محمد عبد الغني الجمسي في هذا الجزء من الكتاب، كيف تطمح إسرائيل لتوسيع رقعتها، وحدود دولتها المزيفة، بقوله: «وإلى أي مدى يتم التوسع، وأين حدود إسرائيل، رد بن جوريون قائلا: حدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها».
يلفت المشير عبد الغني الجمسي في مذكراته إلى أن النظرة الفاحصة لجولات الحروب الأولى 1948 و1956 و1967، تشير إلى أن إسرائيل تستعد دائما للحرب، وتحشد وتعبئ كل القدرات الممكنة، السياسية والمعنوية، لخوضها، بينما نحن العرب نفتت جهودنا ونفتت إمكانياتنا الضخمة لاعتبارات سياسية خانقة تضع القيود على هذه الجهود والإمكانيات.
بقدر ما يحمل كتاب المشير محمد عبد الغني الجمسي من تحليل مهم وكبير للصراع العربي الإسرائيلي، إلا أنه يحمل أيضا نقدا ذاتيا موضوعيا، تمثله السطور السابقة، وهو ما جعله يقفز منه إلى نتيجة سقوط الأراضي العربية في قبضة إسرائيل الكائن الوليد عام 1948 أنذاك، قائلا: «هكذا استولت إسرائيل عام 1948 على أرض عربية فلسطينية بزيادة قدرها 70% على نصيبها في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر من العام السابق، وهكذا انتزعت لنفسها نتيجة لاشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حق الملاحة البحرية في خليج العقبة، وهكذا توسعت عام 1967 على حساب الأرض العربية باحتلال سيناء والمرتفعات السورية الجولان والضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة، لفرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية على العرب دائما».