3 مليارات دولار.. وما زالت الحقول تتدفق
الإثنين، 01 أكتوبر 2018 01:45 م
خلال الأسبوع الماضي استقبلت مصر شحنة من الغاز المُسال، تلقّتها مراكب التغييز لإعادتها لصورتها الغازية وضخّها في الشبكة القومية للغازات، في خطوة هي الأخيرة تقريبا من هذا النوع، إذ من المقرر أن تتوقف مصر عن استيراد الغاز المُسال، حسبما أعلن وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس طارق الملا.
يبلغ استهلاك مصر من الغاز الطبيعي 6.6 مليار قدم مكعبة يوميا. وإعلان التوقف عن الاستيراد يُعني أن الإنتاج المحلي وصل إلى هذا الرقم. وبالنظر إلى أنه لم يتجاوز 3.8 مليار قدم مكعبة يوميا أواخر العام 2016، يتضح حجم القفزة التي حققها قطاع الطاقة في مصر، وعوائد أنشطة البحث والاستكشاف في السنوات الأخيرة.
تبلغ الاحتياطات العالمية من الغاز، وفق مؤشرات ودراسات دولية، 14 ألفا و600 تريليون قدم مكعبة. وقد صنّفت الدراسات 24 منطقة على مستوى العالم ضمن الأعلى تسجيلا للاحتياطات المؤكدة، جاءت منطقة الشرق الأوسط في مقدمتها. إذ إن إجمالي ما تملكه منطقة الشرق الأوسط يتجاوز 800 تريليون قدم مكعبة، بنسبة 55% من إجمالي الاحتياطيات المُحتملة عالميا. وتُقدّر احتياطيات حوض البحر المتوسط بما يتراوح بين 296 و325 تريليون قدم مكعبة، من المُرجح أن تحتوي المياه الإقليمية المصرية على أكثر من 40% منها (125 تريليون قدم مكعبة تقريبا) بحسب تصريحات صحفية للدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة الطاقة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
مؤشرات البحث والمسوح الجيولوجية المستندة إلى نسبة التركيب الجيولوجي في القنوات الرسوبية وفوالق الحجر الجيري، تشير إلى امتلاك أمريكا الشمالية وحوض الولايات المتحدة احتياطيات مبدئية تقارب 220 تريليون قدم مكعبة، و276 تريليون قدم مكعبة بأستراليا، و120 تريليون قدم مكعبة بآسيا، و285 تريليون قدم مكعبة في روسيا، بينما تمتلك الأحواض الرسوبية في شمال أفريقيا احتياطيا يتجاوز 182 تريليون قدم مكعبة، تمتلك مصر حصة جيدة منها. وتتضح أهمية هذه الأرقام بقراءتها في سياق مقارنة مباشرة مع لاعب بارز في سوق الغاز مثل دويلة قطر.
لسنوات طويلة ظلت قوائم مُنتجي الطاقة تحتفظ بهيكل شبه ثابت، وفيما يخص الغاز تصدّرت بعض الدول واجهة الصورة بفضل إنتاج كبير أو استهلاك ضئيل. الآن يبدو أن خريطة اللاعبين في قطاع الغاز آخذة في التشكّل وفق معطيات جديدة. بحسب الأرقام المؤكدة لا يتجاوز الاحتياطي القطري من الغاز الطبيعي 296 تريليون قدم مكعبة، وبفضل ضآلة الحيز الجغرافي والسكاني والصناعي لا تستهلك الإمارة الخليجية نسبة كبيرة من إنتاجها، وتوجه الجانب الأكبر منه للتصدير، ما وضعها ضمن قائمة أبرز مُصدّري الغاز في العالم، لكن على صعيد القراءة الرقمية يبدو أن القفزة الأخيرة في قطاع الطاقة قد تكون بداية لتقدم مصر على قطر في سوق الغاز. الاحتياطيات المصرية المؤكدة حتى الآن تتجاوز 130 تريليون قدم مكعبة (30 تريليون قدم بحقل ظهر و90 تريليون قدم بحقل نور إضافة إلى نورس وآتول وفيوم وشمال الإسكندرية وغيرها من الحقول). وبحسب دراسات لشركتي BP وبريتش جاز البريطانيتين، فإن الاحتياطات المصرية ستتضاعف متجاوزة 260 تريليون قدم مكعبة خلال السنوات العشر المقبلة، مع الانتهاء من تطوير حقل نور، إضافة إلى الاستكشافات الجارية في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط، والمزايدات العالمية المنتظر طرحها لأنشطة البحث والاستكشاف في مياه البحر الأحمر.
سجل الاحتياطي المصري قرابة 65 تريليون قدم مكعبة في العام 2016، قفزت إلى 125 تريليون قدم مكعبة خلال الشهر الماضي. النظر للرقمين المتحققين خلال سنتين فقط يكشف عن قفزة كبيرة في الاحتياطيات والإنتاج، الذي قفز من 3.8 مليار قدم مكعبة يوميا في 2016 إلى 6.6 مليار قدم مكعبة في سبتمبر 2018. المفارقة أن هذا النمو السريع تحقق عبر عمليات اكتشاف معدودة وبمسوح لم تتجاوز 20% من المساحة الإجمالية لبعض مناطق الامتياز، كما هو الحال في منطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط، المملوكة لشركة إيني الإيطالية. ما أحرزته مصر في سنتين يتجاوز إجمالي الاكتشافات المتحققة منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى 2016.
دفعة النمو الكبيرة في إنتاج الغاز شجعت وزارة البترول على النظر في الفجوة القائمة في البوتاجاز، وبحسب تصريحات لمسؤولين بوزارة البترول فإن مصر تخطط لزيادة الإنتاج المحلي من البوتاجاز بنسبة 30% وصولا إلى 2.7 مليون طن من مستوى الإنتاج الحالي البالغ 1.9 مليون طن. هذه الخطوة المتزامنة مع زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والتوسع في مدّ الخطوط للمنازل والقطاعين الصناعي والتجاري، تستهدف تغطية نسبة أكبر من الاستهلاك محليا، وتقليص الفارق الحالي البالغ 2.6 مليون طن تستوردها مصر من الخارج بما يتجاوز 2.2 مليار دولار سنويا. يُضاف لهذا الرقم فاتورة استيراد الغاز المُسال التي كانت تسجل 2.5 مليار دولار قبل عامين، تقلصت إلى 1.8 مليار دولار في العام الماضي، وهي الفاتورة التي لم تعد مصر مضطرة لدفعها.
يقول حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن مصر استوردت 118 شحنة من الغاز المُسال في العام المالي 2016/ 2017 بقيمة إجمالية 2.5 مليار دولار. تراجعت في العام المالي السابق إلى 76 شحنة بقيمة 1.8 مليار دولار. وبفضل الزيادة الكبيرة في الإنتاج تقلّصت الواردات المصرية إلى 17 شحنة فقط في العام المالي الجاري 2018/ 2018 بما لا يتجاوز 500 مليار دولار، وكانت آخر هذه الشحنات في الأسبوع الماضي. وبحسب "عبد العزيز" فإن العائد المباشر للتوقف عن الاستيراد يتمثل في توفير 1.5 مليار دولار سنويا، إضافة إلى الآثار الإيجابية المنعكسة على القطاعات الأخرى.
حتى الآن انتهت وزارة البترول من مدّ الغاز الطبيعي لـ9 ملايين وحدة سكنية في أنحاء مصر، ويقترب مُعدّل العمل من 100 ألف وحدة، ما يدفع لتوقع أن تنتهي أعمال توصيل الغاز الطبيعي للمنازل خلال عامين من الآن. هذا الأمر يُعني تراجع الاستهلاك المحلي من البوتاجاز (يتجاوز 325 مليون أسطوانة سنويا) بنسبة تتجاوز 50% من معدلاته الحالية، وبالنظر إلى أن العجز في البوتاجاز يدور حول مستوى 40% فإن مصر تقف الآن على أعتاب الاكتفاء من البوتاجاز، وربما إعلان التوقف تماما عن استيراده في غضون سنوات قليلة.
فيما يخص الجدوى الاقتصادية لخطوة تحقيق الاكتفاء الذاتي والتوقف عن استيراد الغاز المُسال، فمن المتوقع أن تشهد صناعة البتروكماويات والصناعات التحويلية انتعاشة كبيرة، بالنظر إلى ارتباط قرابة 86 نشاطا صناعيا بالغاز والبتروكيماويات. إضافة إلى منح دفعة إيجابية للاستثمارات الصناعية التقليدية، خاصة الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة مثل الحديد والزجاج والبورسلين والأنشطة التعدينية، بتوفير احتياجاتها من الطاقة وضمان ملاءة أوسع من الإنتاج لتغطية معدّلات النمو في هذه القطاعات، وتشجيع مزيد من المستثمرين على دخول السوق المصرية.
مغادرة مصر لمقاعد المستوردين لن تكون نهاية المطاف. التوقعات تشير إلى دخولها ملعب الكبار والمُصدّرين قريبا، بجانب خططها لاستغلال القدرات اللوجستية والفنية للعب دور أكبر في سوق تداول وتجارة الغاز. بدأ الأمر بتوقيع اتفاق مع قبرص لمدّ خط بحري لنقل الغاز، كما تحرّكت بعض الشركات الخاصة لتوقيع اتفاقات وتعاقدات مع منتجين إقليميين آخرين. هذه التعاقدات تسعى للاستفادة من طاقة التشغيل لمحطتي إسالة الغاز العملاقتين في إدكو ودمياط، في إطار رؤية مصرية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، تدعمها القدرات الإنتاجية المتوفرة لمصر حاليا، والآخذة في التزايد، بصورة تسمح لها بالحضور المباشر كمُصدّر بارز للغاز الطبيعي، ومحطة لوجستية لاستقبال إنتاج الشركاء وإعادة تصديره، ومُنتج ومُصدّر للبتروكيماويات.
في الوقت الحالي تُنتج مصر 4.5 مليون طن من البتروكيماويات، تُصدّر منها 3 ملايين طن بعوائد ربحية تتجاوز 1.3 مليار دولار، وبالقفزة المتحققة في قطاع الغاز يُصبح بإمكان قطاع الصناعات التحويلية والبتروكيماوية مُضاعفة هذا الإنتاج، والدخول لمزيد من الأسواق الأفريقية والأوروبية، ما يُعني مزيدا من الاستثمارات والعمالة والموارد الدولارية، ومزيدا من النمو الاقتصادي وتراجع معدل البطالة ودعم الاحتياطي النقدي وضبط الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
تقديرات العوائد المباشرة لخطوة الاكتفاء الذاتي تتراوح بين مليارين و3 مليارات دولار سنويا. تُضاف لها ميزة تدبير الاحتياجات من حصة الشريك الأجنبي بنصف سعرها العالمي تقريبا. وتشجيع الاستثمار بما يدفع النمو الاقتصادي ويُولّد مزيدا من فرص العمل، إضافة إلى دعم الاحتياطي النقدي، وترشيد الواردات بشكل يُسهم في تقليص عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كما أن القيمة المُضافة المُنتظر تحقيقها من تصدير الغاز أو البتروكيماويات أو تشغيل محطتي الإسالة كوسيط بين المنتجين الإقليميين والمستوردين العالميين، كلها تُعني أن قفزة كبيرة يستعد لها الاقتصاد، تبدأ من قطاع الطاقة، وستتوسّع آثارها لتُغطي كل القطاعات. دائما ما يحتاج النمو قاطرة لدفعه للأمام، والقاطرة أصبحت عامرة بالطاقة وقادرة على الانطلاق إلى أبعد مما كنا نتصوّر.
خلال الأسبوع الماضي استقبلت مصر شحنة من الغاز المُسال، تلقّتها مراكب التغييز لإعادتها لصورتها الغازية وضخّها في الشبكة القومية للغازات، في خطوة هي الأخيرة تقريبا من هذا النوع، إذ من المقرر أن تتوقف مصر عن استيراد الغاز المُسال، حسبما أعلن وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس طارق الملا.
يبلغ استهلاك مصر من الغاز الطبيعي 6.6 مليار قدم مكعبة يوميا. وإعلان التوقف عن الاستيراد يُعني أن الإنتاج المحلي وصل إلى هذا الرقم. وبالنظر إلى أنه لم يتجاوز 3.8 مليار قدم مكعبة يوميا أواخر العام 2016، يتضح حجم القفزة التي حققها قطاع الطاقة في مصر، وعوائد أنشطة البحث والاستكشاف في السنوات الأخيرة.
تبلغ الاحتياطات العالمية من الغاز، وفق مؤشرات ودراسات دولية، 14 ألفا و600 تريليون قدم مكعبة. وقد صنّفت الدراسات 24 منطقة على مستوى العالم ضمن الأعلى تسجيلا للاحتياطات المؤكدة، جاءت منطقة الشرق الأوسط في مقدمتها. إذ إن إجمالي ما تملكه منطقة الشرق الأوسط يتجاوز 800 تريليون قدم مكعبة، بنسبة 55% من إجمالي الاحتياطيات المُحتملة عالميا. وتُقدّر احتياطيات حوض البحر المتوسط بما يتراوح بين 296 و325 تريليون قدم مكعبة، من المُرجح أن تحتوي المياه الإقليمية المصرية على أكثر من 40% منها (125 تريليون قدم مكعبة تقريبا) بحسب تصريحات صحفية للدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة الطاقة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
مؤشرات البحث والمسوح الجيولوجية المستندة إلى نسبة التركيب الجيولوجي في القنوات الرسوبية وفوالق الحجر الجيري، تشير إلى امتلاك أمريكا الشمالية وحوض الولايات المتحدة احتياطيات مبدئية تقارب 220 تريليون قدم مكعبة، و276 تريليون قدم مكعبة بأستراليا، و120 تريليون قدم مكعبة بآسيا، و285 تريليون قدم مكعبة في روسيا، بينما تمتلك الأحواض الرسوبية في شمال أفريقيا احتياطيا يتجاوز 182 تريليون قدم مكعبة، تمتلك مصر حصة جيدة منها. وتتضح أهمية هذه الأرقام بقراءتها في سياق مقارنة مباشرة مع لاعب بارز في سوق الغاز مثل دويلة قطر.
وفق الأرقام المؤكدة لا يتجاوز الاحتياطي القطري من الغاز الطبيعي 296 تريليون قدم مكعبة، وبفضل ضآلة الحيز الجغرافي والسكاني والصناعي لا تستهلك الإمارة الخليجية نسبة كبيرة من إنتاجها، وتوجه الجانب الأكبر منه للتصدير، ما وضعها ضمن قائمة أبرز مُصدّري الغاز في العالم، لكن على صعيد القراءة الرقمية يبدو أن القفزة الأخيرة في قطاع الطاقة قد تكون بداية لتقدم مصر على قطر في سوق الغاز. الاحتياطيات المصرية المؤكدة حتى الآن تتجاوز 130 تريليون قدم مكعبة (30 تريليون قدم بحقل ظهر و90 تريليون قدم بحقل نور إضافة إلى نورس وآتول وفيوم وشمال الإسكندرية وغيرها من الحقول). وبحسب دراسات لشركتي BP وبريتش جاز البريطانيتين، فإن الاحتياطات المصرية ستتضاعف متجاوزة 260 تريليون قدم مكعبة خلال السنوات العشر المقبلة، مع الانتهاء من تطوير حقل نور، إضافة إلى الاستكشافات الجارية في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط، والمزايدات العالمية المنتظر طرحها لأنشطة البحث والاستكشاف في مياه البحر الأحمر.
سجل الاحتياطي المصري قرابة 65 تريليون قدم مكعبة في العام 2016، قفزت إلى 125 تريليون قدم مكعبة خلال الشهر الماضي. النظر للرقمين المتحققين خلال سنتين فقط يكشف عن قفزة كبيرة في الاحتياطيات والإنتاج، الذي قفز من 3.8 مليار قدم مكعبة يوميا في 2016 إلى 6.6 مليار قدم مكعبة في سبتمبر 2018. المفارقة أن هذا النمو السريع تحقق عبر عمليات اكتشاف معدودة وبمسوح لم تتجاوز 20% من المساحة الإجمالية لبعض مناطق الامتياز، كما هو الحال في منطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط، المملوكة لشركة إيني الإيطالية. ما أحرزته مصر في سنتين يتجاوز إجمالي الاكتشافات المتحققة منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى 2016.
دفعة النمو الكبيرة في إنتاج الغاز شجعت وزارة البترول على النظر في الفجوة القائمة في البوتاجاز، وبحسب تصريحات لمسؤولين بوزارة البترول فإن مصر تخطط لزيادة الإنتاج المحلي من البوتاجاز بنسبة 30% وصولا إلى 2.7 مليون طن من مستوى الإنتاج الحالي البالغ 1.9 مليون طن. هذه الخطوة المتزامنة مع زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والتوسع في مدّ الخطوط للمنازل والقطاعين الصناعي والتجاري، تستهدف تغطية نسبة أكبر من الاستهلاك محليا، وتقليص الفارق الحالي البالغ 2.6 مليون طن تستوردها مصر من الخارج بما يتجاوز 2.2 مليار دولار سنويا. يُضاف لهذا الرقم فاتورة استيراد الغاز المُسال التي كانت تسجل 2.5 مليار دولار قبل عامين، تقلصت إلى 1.8 مليار دولار في العام الماضي، وهي الفاتورة التي لم تعد مصر مضطرة لدفعها.
يقول حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن مصر استوردت 118 شحنة من الغاز المُسال في العام المالي 2016/ 2017 بقيمة إجمالية 2.5 مليار دولار. تراجعت في العام المالي السابق إلى 76 شحنة بقيمة 1.8 مليار دولار. وبفضل الزيادة الكبيرة في الإنتاج تقلّصت الواردات المصرية إلى 17 شحنة فقط في العام المالي الجاري 2018/ 2018 بما لا يتجاوز 500 مليون دولار، وكانت آخر هذه الشحنات في الأسبوع الماضي. وبحسب "عبد العزيز" فإن العائد المباشر للتوقف عن الاستيراد يتمثل في توفير 1.5 مليار دولار سنويا، إضافة إلى الآثار الإيجابية المنعكسة على القطاعات الأخرى. وبعيدا عن حصة مصر البالغة 40% من الإنتاج، فإن الاتفاقات الموقعة مع الشركاء تمنحها الحق في الحصول على حصصهم الإنتاجية لتغطية الاحتياجات المحلية بسعر 5.88 دولار للمليون وحدة حرارية، فق وقت يتجاوز سعرها العالمي 9.5 دولار، مُرشّحة للتصاعد دائما بسبب تقلبات الأسواق وموازين العرض والطلب. أي أن وزارة البترول ستظل قادرة على ضخ الغاز الطبيعي للمصريين بمستويات تسعير مُقنّنة وواضحة، بعيدا عن تقلّبات السوق العالمية، ولن يظل المواطن المصري في منزله عُرضة لتحولات المُنتجين والمُصدّرين ومُضاربات السماسرة والتجار.
حتى الآن انتهت وزارة البترول من مدّ الغاز الطبيعي لـ9 ملايين وحدة سكنية في أنحاء مصر، ويقترب مُعدّل العمل من 100 ألف وحدة شهريا، ما يدفع لتوقع أن تنتهي أعمال توصيل الغاز الطبيعي للمنازل خلال عامين من الآن. هذا الأمر يُعني تراجع الاستهلاك المحلي من البوتاجاز (يتجاوز 325 مليون أسطوانة سنويا) بنسبة تتجاوز 50% من معدلاته الحالية، وبالنظر إلى أن العجز في البوتاجاز يدور حول مستوى 40% فإن مصر تقف الآن على أعتاب الاكتفاء من البوتاجاز، وربما إعلان التوقف تماما عن استيراده في غضون سنوات قليلة.
فيما يخص الجدوى الاقتصادية لخطوة تحقيق الاكتفاء الذاتي والتوقف عن استيراد الغاز المُسال، فمن المتوقع أن تشهد صناعة البتروكماويات والصناعات التحويلية انتعاشة كبيرة، بالنظر إلى ارتباط قرابة 86 نشاطا صناعيا بالغاز والبتروكيماويات. إضافة إلى منح دفعة إيجابية للاستثمارات الصناعية التقليدية، خاصة الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة مثل الحديد والزجاج والبورسلين والأنشطة التعدينية، بتوفير احتياجاتها من الطاقة وضمان ملاءة أوسع من الإنتاج لتغطية معدّلات النمو في هذه القطاعات، وتشجيع مزيد من المستثمرين على دخول السوق المصرية.
مغادرة مصر لمقاعد المستوردين لن تكون نهاية المطاف. التوقعات تشير إلى دخولها ملعب الكبار والمُصدّرين قريبا، بجانب خططها لاستغلال القدرات اللوجستية والفنية للعب دور أكبر في سوق تداول وتجارة الغاز. بدأ الأمر بتوقيع اتفاق مع قبرص لمدّ خط بحري لنقل الغاز، كما تحرّكت بعض الشركات الخاصة لتوقيع اتفاقات وتعاقدات مع منتجين إقليميين آخرين. هذه التعاقدات تسعى للاستفادة من طاقة التشغيل لمحطتي إسالة الغاز العملاقتين في إدكو ودمياط، في إطار رؤية مصرية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، تدعمها القدرات الإنتاجية المتوفرة لمصر حاليا، والآخذة في التزايد، بصورة تسمح لها بالحضور المباشر كمُصدّر بارز للغاز الطبيعي، ومحطة لوجستية لاستقبال إنتاج الشركاء وإعادة تصديره، ومُنتج ومُصدّر للبتروكيماويات.
في الوقت الحالي تُنتج مصر 4.5 مليون طن من البتروكيماويات، تُصدّر منها 3 ملايين طن بعوائد ربحية تتجاوز 1.3 مليار دولار، وبالقفزة المتحققة في قطاع الغاز يُصبح بإمكان قطاع الصناعات التحويلية والبتروكيماوية مُضاعفة هذا الإنتاج، والدخول لمزيد من الأسواق الأفريقية والأوروبية، ما يُعني مزيدا من الاستثمارات والعمالة والموارد الدولارية، ومزيدا من النمو الاقتصادي وتراجع معدل البطالة ودعم الاحتياطي النقدي وضبط الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
تقديرات العوائد المباشرة لخطوة الاكتفاء الذاتي تتراوح بين مليارين و3 مليارات دولار سنويا. تُضاف لها ميزة تدبير الاحتياجات من حصة الشريك الأجنبي بنصف سعرها العالمي تقريبا. وتشجيع الاستثمار بما يدفع النمو الاقتصادي ويُولّد مزيدا من فرص العمل، إضافة إلى دعم الاحتياطي النقدي، وترشيد الواردات بشكل يُسهم في تقليص عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كما أن القيمة المُضافة المُنتظر تحقيقها من تصدير الغاز أو البتروكيماويات أو تشغيل محطتي الإسالة كوسيط بين المنتجين الإقليميين والمستوردين العالميين، كلها تُعني أن قفزة كبيرة يستعد لها الاقتصاد، تبدأ من قطاع الطاقة، وستتوسّع آثارها لتُغطي كل القطاعات. دائما ما يحتاج النمو قاطرة لدفعه للأمام، والقاطرة أصبحت عامرة بالطاقة وقادرة على الانطلاق إلى أبعد مما كُنّا نتصوّر.