عباس العقاد و«المنفلوطى».. من منهما أقرب إلى الله في نظر الجماعة الإسلامية؟
السبت، 29 سبتمبر 2018 03:00 م
دافع العقاد عن الإسلام ورموزه كثيرًا، لكن ذلك لم يشفع له في نظر البعض، حيث رأوا أنه تغافل عن الالتزام الإسلامي في حياته، بالمقارنة مع مصطفى لطفى المنفلوطي. عبد الآخر الحماد مفتى الجماعة الإسلامية وصف العقاد بذلك.
وضع مفتى الجماعة عباس العقاد في مقارنة مع مصطفى لطفى المنفلوطى، حول مسألة مرور الزمن وانقضاء الأعمار، يقول هشام النجار الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إنها تعسفية.
يوضح الباحث أن المقارنة بين اثنين من منطلق التفوق في الالتزام الديني، من وجهة نظر الجماعة الإسلامية، تكمن في التشدد والاستعلاء والزهد في الحياة بزعم الإقبال على الآخرة، وما هي شكليات.
تحت عنوان: «عظة السنين بين المنفلوطي والعقاد»، قال مفتي الجماعة: من الأمور المقررة في ديننا الحنيف أهمية اتعاظ المسلم بمرور الزمان وانصرام الشهور والأعوام، فما هو إلا أيام، كلما ذهب يوم ذهب البعض منه، وكل يوم يمضي من العمر، يجب أن يكون حافزًا لتذكر الآخرة، والوقوف بين يدي الله، وبالتالي وجب على الشخص عدّ العدة.
يكمل مفتى الجماعة: لنحكي عن وقِفَيْ لأديبين معاصرين هما: عباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي -رحمهما الله تعالى- لنرى كيف نظر كل منهما إلى فكرة مرور الزمن وانقضاء الأعمار.
وتحدث الحماد عن أسباب التباين في نظرته بين العقاد والمنفلوطي، لقضية مرور الزمن وانقضاء الأعمار، قائلًا: «أولًا الفروق الثقافية: أول ما يبدو لنا من الفروق هو اختلاف ثقافتى الرجلين، فالمنفلوطى أزهرى النشأة والتكوين، وتكاد ثقافته تنحصر فى علوم الشريعة والأدب العربى وما يتعلق بهما، حتى أن الروايات التى طُبعت مترجمة منسوبة إليه كرواية ماجدولين، وفى سبيل التاج وغيرهما إنما كان بعض أصدقائه ممن يجيدون الفرنسية يترجمها له، ثم يتولى هو إعادة كتابتها وصياغتها بأسلوب أدبى جميل، وأما العقاد فقد كان موسوعى الثقافة، وكان يجيد اللغة الإنجليزية ويقرأ بها، ولذا كان محصوله من الثقافات الغربية وغيرها محصولاً وفيراً، ومن هنا رجحت لديه النظرة العقلية الفلسفية على حساب النظرة الدينية الآخروية».
يرى مفتي الجماعة، أن الاختلاف السلوكي بين الأدبيين راجعًا للفرق الأول، وهو الاختلاف من حيث الإلتزام بالسلوك الإسلامى في العبادات وغيرها، فالذى يظهر لنا من حال المنفلوطى أنه كان من المحافظين على السلوك الإسلامى المتزن، مضيفًا: «رغم ما عرف عن العقاد في كثير من كتاباته من الدفاع عن الإسلام ورموزه، إلا أنه فيما يظهر من حاله وما قرأناه عنه أنه لم يكن مهتمًا بالتزام السلوك الإسلامى في حياته، فعلى سبيل المثال كان صالونه الأدبى يعقد صباح يوم الجمعة وينتهى عند الثانية ظهراً دون أن يؤدى الصلاة، كما ذكر أنيس منصور فى كتابه فى «صالون العقاد».
يضيف أنه غاب عن بديهيات الإسلام، متابعًا: وفي قضية الفهم الإسلامى ألم المنفلوطى بالأصول الإسلامية -صحيح الاعتقاد- فلا يوجد في كتاباته مخالفات ظاهرة للنصوص الشرعية المحكمة، أما العقاد برغم ما أشرنا إليه من كتابته فى الإسلاميات، إلا أن الدراسة المتأنية لكثير مما كتب تدل على أنه كانت تغيب عنه كثير من بديهيات الإسلام التى ربما لا تغيب عن عوام المسلمين، فكان العقاد يقول بما يسميه «ترقى الإنسان فى العقائد وأن البشرية قد مرت فى اعتقادها بأطوار ثلاثة بدأت بطور تعدد الآلهة ثم طور التمييز والترجيح، ثم انتهت إلى طور الوحدانية، بحسب كتابه: «الله» -ص: 19.
العقاد تحدث في كتابه «الله» أيضًا: «ترقى الإنسان في العقائد كما ترقى فى العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات» -المرجع السابق ص: 10»، يضيف مفتي الجماعة: «الحق الذى لا يجوز أن يشك فيه مسلم أن البشرية بدأت بالتوحيد وعبادة الله وحده منذ أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض، ثم طرأ الشرك على الناس بعد ذلك، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: ( كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ).[ آخر جه الحاكم فى مستدركه (2/ 546)، وقال صحيح الإسناد].
هشام النجار، يرى أن المقارنة التى عقدها مفتى الجماعة قائمة على الإزدواجية القديمة في المعالجة لدى تيار الإسلام الحركي ودعاة السلفية، في التعسف بين شخصيتين من منطلق زعم التفوق في الالتزام الديني، الذي يساوي لديهم فقط التشدد والاستعلاء ومخاصمة الحياة بزعم الاقبال على الآخرة، مضيفًا: كأن ذلك لا يتحقق إلا بالعيش في مناخ الموت والتفكير الدائم به وهي ازدواجية أخرى يعمدون إليها، توحي بأن هناك تناقض بين عيش الإنسان حياته وتمتعه بها وبين أخلاقياته ومدى التزامه الديني، وهو الأمر الذي لا يقاس في الحقيقة بالطقوس الشكلية، وما يظهره أحدهم من علامات تدين أو ما يقوم به أمام الناس من عبادات، إنما يقاس بنبل الإنسان ويقظة ضميره وسمو أخلاقه».
وتابع: في المقابل فإن الإيمان الحقيقى العميق فهو فردي خفي وذوقي يعتمد على الذوق الذي تتم تنميته بالمعرفة وتعزيز النضال الفردي الخفي غير المكشوف والمنتظم في جماعة يشار اليها واليهم بأنهم عباد ومنهم من يدعي ومنهم من يرائي ومنهم من يظهر التدين للشهرة والسلطة والمال، فلا يحتاج العقاد أن يقول لتلامذته ورفاقه، أنه كان قوامًا صوامًا حتى يحكم أحدهم بإيمانه من عدمه أو يقيس مستوى ايمان العقاد إلى مستوى إيمان المنفلوطي في مقارنات متعسفة، بل قد يكون هو الأكثر ايمانًا بذوق خفي وجوهر نقي وعلاقة مع الله بلا أغراض ولا مصالح ولا أهداف دنيوية.