لماذا ألغت روسيا العملية العسكرية في إدلب؟
الأربعاء، 26 سبتمبر 2018 12:58 م
في الوقت الذي تشتعل فيه الأزمة السورية بسبب ضربة عسكرية روسية وسورية للجماعات المسلحة في إدلب السورية، وفي الوقت الذي تهدد فيه واشنطن بضربة قوية في حالة هجوم الجيش السوري في إدلب، وتتصاعد الاتهامات حول توقع استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في إدلب، كحجة لتبرير التدخل الغربي في سوريا وضربها، وفي الوقت الذي تتأهب فيه القوات العسكرية الروسية لحرب واسعة النطاق ويحذر الكثيرون من احتمال صدام روسي أمريكي في إدلب، في ظل هذا التصعيد الحاد، تحدث المفاجأة وتعلن موسكو العدول عن العملية العسكرية في إدلب، حيث صرح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الاثنين 17 سبتمبر، بأنه لن تكون هناك عملية عسكرية في محافظة إدلب السورية، وأنه سيتم تنسيق كل التفاصيل مع الجانب السوري خلال الساعات القليلة القادمة.
ويأتي هذا الإعلان مباشرة في أعقاب المؤتمر الصحفي بين الرئيسين الروسي والتركي فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، الذي تم خلاله الإعلان على اتفاق حول منطقة منزوعة السلاح في إدلب، ورد وزير الدفاع الروسي شويغو بـ "نعم" على سؤال الصحفيين ما إذا كان هذا الاتفاق يعني أنه لن تكون هناك عملية عسكرية في إدلب.
ووقع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره التركي خلوصي أكار مذكرة تفاهم حول استقرار الأوضاع في إدلب في أعقاب المباحثات بين رئيسي الدولتين في سوتشي، التي استمرت أكثر من 4 ساعات وتمحورت حول حل قضية إدلب.
وفي أعقاب لقائه بالرئيس أردوغان في سوتشي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاتفاق مع تركيا حول إقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية على امتداد خط التماس بين الجيش السوري والجماعات المسلحة.
وأوضح بوتين أنه سيتم إخلاء المنطقة المنزوعة السلاح من كل الجماعات المسلحة المتطرفة، بما فيها "جبهة النصرة". وأكد بوتين أن القوات التركية والشرطة العسكرية الروسية ستقومان بمهمة المراقبة في المنطقة.
كما كشف بوتين أن الجانب التركي اقترح استئناف النقل عبر طريقي حلب – اللاذقية وحلب – حماة قبل نهاية عام 2018.
هذا يعني أن موسكو تنوي، كما فعلت من قبل في مناطق أخرى في سوريا، إتاحة الفرصة للجماعات المسلحة لتسليم سلاحها والانسحاب من إدلب بهدوء، وإلا فستكون نهايتها داخلها.
وشدد بوتين على أن "المهم هو أن روسيا وتركيا مصممتان على مواصلة استخدام مسار أستانا بكل قوته، وفرص إيجاد حلول سياسية طويلة الأمد في جنيف برعاية الأمم المتحدة. وأضاف أن روسيا وتركيا أكدتا عزمهما على مواصلة محاربة الإرهاب، معتبرا أن تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها سيعطي زخما إضافيا لعملية التسوية السياسية في سوريا، وتكثيف العمل على منصة جنيف وسيساهم في عودة السلام إلى الأرض السورية.
من جهته، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الاتفاقات التي تم توصل إليها مع فلاديمير بوتين ستسمح بتفادي كارثة إنسانية في إدلب.
وقال إن "تركيا ستعزز معابرها في منطقة خفض التصعيد (بإدلب). وستعمل على منع وقوع كارثة إنسانية من شأنها أن تحدث جراء العمليات القتالية".
وأضاف أن "المعارضة التي تسيطر على بعض الأراضي ستبقى فيها، لكننا مع روسيا سنبذل كل الجهود لإزالة الجماعات المتطرفة من تلك الأراضي".
وأشار أردوغان إلى أن تركيا كانت "تبذل كل ما في وسعها" لحل قضية إدلب منذ البداية، معربا عن الأمل بالتسوية السياسية في سوريا. وقال: "نتمنى أن يجري هناك إصلاح دستوري وبعده انتخابات حتى يبقى الشعب السوري في ظل نظام ديمقراطي"، معتبرا أن قرارات اليوم ستفيد سوريا.
السؤال المطروح الآن هو، ما الذي حدث فجأة وأدى إلى تغيير الأمور في الاتجاه العكسي تماما؟
المحللون اختلفوا حول الأسباب، البعض يرى أن التصعيد الدولي الحاد ضد العملية العسكرية في إدلب، والتحذيرات من كل جانب، بما فيها الأم المتحدة من وقوع كارثة إنسانية ضحيتها الآلاف من المدنيين في إدلب، هو الذي جعل موسكو تتراجع عنها، وذلك خشية التدخلات العسكرية الأجنبية بقوة، وخشية أن تسوء سمعة روسيا بهذه الكارثة الإنسانية التي قد يفتعلها البعض بهدف الإضرار بسمعة روسيا، وقد يؤدي هذا إلى إعادة الأوضاع في سوريا لنقطة الصفر وفشل مساعي السلام، مما يعني ضياع كل الجهود التي بذلتها روسيا في سوريا على مدى عامين.
رأي أخر يذهب إلى أن الأمر متفق عليه منذ البداية، وأن روسيا لم تكن تنوي القيام بهذه العملية العسكرية، لكنها حشدت لها وهددت بها لأهداف أخرى، منها إعطاء فرصة للرئيس الأمريكي ترامب لتحسين صورته داخل الولايات المتحدة بتصريحاته النارية المهددة بالتدخل في سوريا، مما ينفي عنه اتفاقه مع الرئيس بوتين، وإن كان إلغاء العملية من جانب روسيا، في رأي البعض، سيثير الشكوك أكثر حول اتفاقات سرية بين ترامب وبوتين، كما يرى أصحاب هذا الرأي أن موسكو لديها اتصالات غير معلنة بالجماعات المسلحة في إدلب، وأن بعض هذه الجماعات وافق على الانسحاب الهادئ من هناك، الأمر الذي جعل موسكو تعطي فرصة لهذا الانسحاب.
ما يثير الشكوك حول وجود تفاهم بين موسكو وواشنطن حول قرار إلغاء العملية العسكرية، تصريحات رئيس الاستخبارات في البنتاغون الأمريكي روبرت أشلي التي أدلى بها بعد أقل من ساعة واحدة من المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الرئيس بوتين ووزير دفاعه عن إلغاء العملية العسكرية وإنشاء المنطقة العازلة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة، هذه التصريحات التي رحب فيها المسئول الأمريكي بقرارات موسكو وإلغاء العملية العسكرية، حيث قال أشلي خلال كلمة له في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "من المشجع أن لدينا مثل هذا النقاش، والمناقشات بين الرئيس أردوغان والرئيس بوتين ستشجع على تسوية الأوضاع في هذا البلد العربي".
ليس من عادة واشنطن أن تسارع بتأييد أي إجراء تتخذه موسكو في سوريا، بل دائماً تبدي شكوكها في جدية القرارات، لكنها هذه المرة خالفت عادتها، الأمر الذي جعل البعض يشك في وجود اتفاق خفي بين موسكو وواشنطن منذ البداية، وأن الأمريكيين ليس لديهم الجرأة للدخول عسكرياً في إدلب، وإلا سيتعرضون للصدام مع روسيا، وهو أمر لا أحد يريده على الساحة الدولية.
الآن أمام الجماعات المسلحة فرصة تاريخية لإنقاذ حياتهم وللانسحاب الهادئ والآمن من إدلب بعد تيقنهم من عدم قدرة واشنطن وحلفائها على حمايتهم، وعليهم استغلال هذه الفرصة قبل فوات الآوان، وقبل نفاذ صبر روسيا عليهم.