واشنطن ستتخلى عن المسلحين في إدلب
السبت، 15 سبتمبر 2018 06:34 م
الواقع الميداني والاستراتيجي في سوريا الأن يفرض أوضاعاً وحسابات جديدة، والصيحات والتهديدات التي تتردد في واشنطن ولندن وغيرهما من العواصم الغربية بشأن الضربة القادمة في إدلب، لا تعني بالضرورة أنهم مستعدون لدعم الجماعات الإرهابية المسلحة هناك وإنقاذها، خاصة وأنهم يعلمون أن روسيا وسوريا مصممتان على المضي قدماً في تحرير إدلب من الإرهاب، ولا يأبهان بأي تحذيرات أو تهديدات، وأي طرف سيتدخل هناك سيعرض نفسه للخطر.
كما أن لهذه الدول حسابات أخرى مع روسيا وسوريا ومع إيران أيضاً، وبالتالي فإن الجماعات المسلحة في إدلب تقع في خطأ كبير إذا عولت على واشنطن والغرب كثيراً في دعمها.
ولم يعد يخفى على أحد تحول إدلب في سوريا إلى وكر لما تبقى من الجماعات الإرهابية والمرتزقة الذين فروا من المناطق المحررة منهم وتجمعوا في إدلب بتوجيه من الجهات الأجنبية التي تدعمهم لمواصلة الحرب في سوريا وإفشال كل مساعي السلام وعودة الاستقرار هناك، وحسب المعلومات المؤكدة من وسائل إعلام غربية، هناك في إدلب يوجد حوالي عشرة آلاف أو أكثر من الإرهابيين والمرتزقة من تنظيم "القاعدة" الذي يدعي التحالف الدولي بقيادة واشنطن أنه يحاربهم في كل مكان ويسعى للقضاء عليهم، هذه الجماعات الإرهابية الآن تتهم المبعوث الأممي في سوريا ستيفان دي ميستورا بأنه خائن وعميل لروسيا، لأنه يعتبرهم جماعات مسلحة غير قانونية ولا تسعى للسلام في سوريا، ومن أسباب انفعال المبعوث الأممي وتصريحاته ما أعلنه المدعو ناجي مصطفى رئيس ما يسمى "الجبهة الوطنية للتحرير" في إدلب بأن الجماعات المسلحة المتفرقة ستنضم في جبهة واحدة ضد جيش نظام بشار الأسد، الأمر الذي يعكس الاستعداد والنوايا لإشعال حرب كبيرة في إدلب تقلب الأمور على رأسها في سوريا وتعطل عملية السلام هناك.
لم يعد هناك مجال لتفادي الهجوم على المجموعات الإرهابية في إدلب، فقد بدأ الجيش النظامي السوري بشن هجماته على بؤر ومواقع هذه الجماعات في الأطراف وفي قلب إدلب، بينما تستخدم هذه الجماعات الإرهابية السيارات المفخخة والطائرات المسيرة بدون طيار، والألغام والمتفجرات اليدوية الصنع، ويتعمد الإرهابيون استخدام المدنيين والمباني العادية كدروع وحصون حتى يورطون الجيش النظامي السوري في قصفها لتوجه نحو النظام السوري الاتهامات بخرق الاتفاقات الدولية، وفي نفس الوقت لم يتوقف الصراع بين هذه المجموعات الإرهابية المقاتلة ونفسها، هذا الصراع والقتال الذي يذهب ضحيته الكثير من المدنيين، بينما توجه الاتهامات للجيش السوري النظامي.
لم يعد أحد يستطيع أن ينكر أن الأوضاع في إدلب تديرها وتوجهها هذه المجموعات الإرهابية المسلحة، ولا حتى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يستطيع أن ينكر ذلك، ورغم تردد الكثير من التصريحات من مختلف أنحاء العالم التي تحذر من كارثة إنسانية تجاه المدنيين في إدلب، ورغم كل ما تفعله الجماعات المسلحة الإرهابية على مرأى ومسمع الجميع، فإن واشنطن لا تكف عن توجيه الاتهامات للنظام السوري وجيشه، ولروسيا أيضاً وتحذر من كارثة إنسانية في إدلب، خاصة بعد الضربات الأولى للجيش النظامي السوري لمواقع الجماعات الإرهابية المسلحة، وذلك بهدف إبعاد الاتهامات بقتل المدنيين عن الجماعات الإرهابية، وإلصاقها بالجيش السوري وروسيا.
الجماعات الإرهابية المسلحة لا يجب أن تضع أملها على الدعم الغربي من واشنطن ولندن، ولا على تركيا في مساعدتها، ولا تعول على تصريحات أنقرة برفضها لتطور الأوضاع في إدلب، حيث أن تركيا لم يعد هناك في إدلب ما تخاف عليه، بعد أن تم ترحيل الجماعات التابعة لها من الجيش السوري الحر من إدلب إلى أماكن آمنة، وبالتالي فإن تركيا أيضاً تنظر للباقين من الجماعات المسلحة في إدلب على أنهم إرهابيون، ولن تعارض ما يفعله الجيش النظامي السوري هناك، ولا ما ستفعله روسيا هناك فيما بعد.
من المؤكد أن واشنطن أو أنقرة لن تؤيدا العمليات العسكرية في إدلب، لكنهما لن يحولا دون وقوعها، فقط ربما تسعيان للحصول على أوراق سياسية أفضل من هجمات الجيش النظامي السوري هناك، وذلك لابتزاز دمشق وموسكو ولمزيد من الضغط على إيران، ولتوجيه الاتهامات للرئيس بشار الأسد ونظامه بإراقة الدماء، ومن أجل هذا الابتزاز السياسي ستضطر واشنطن للتضحية بالجماعات المسلحة في إدلب وتتركها بلا دعم أو مساعدة.