2018 كتبت سطور النهاية.. كيف مات اليسار في العالم: خبراء يجيبون
الخميس، 13 سبتمبر 2018 12:00 م
انهار فيها الاتحاد السوفيتى 1991، فمات «اليسار» فى العالم إكلينيكيا جملة يؤكد صحتها العالمون بطبيعة الأيديوجيات لكن اخرون يعتبرون موت اليسار فى العالم كله فى 2018 وتحديدا فى أمريكا اللاتينية «جنة اليسار» التى طالما هفت لها قلوب اليساريين لسنوات باعتبارها نجاحا كبيرا فى تطبيق تجارب اشتراكية ناجحة.
فى 2018 هذا العام دخل «لولا دى سيلفا» المناضل اليسارى والرئيس البرازيلى الأسبق السجن، لينفذ حكم 12 عاما فى قضية فساد، وينتظر المحاكمة فى 6 قضايا فساد أخرى، بعدما ظهر أنه ونائبته ديلما روسيف صمما نظاما محكما من الفساد داخل البلاد.
ودخل انهيار اقتصاد فنزويلا «اليسارى» مرحلة جنونية بعدما وصل التضخم 8900%، وهو رقم يكاد يكون من الصعب فهمه، ووصفت الأمم المتحدة أزمة هروب المواطنين من البلاد التى تعانى نقصا فى الغذاء والدواء بأزمة اللجوء التى تقارب الأزمة السورية وأن 5 آلاف مواطن يهربون كل يوم من فنزويلا ليصبحوا لاجئين فى دول الجوار، وفى هذا العام أيضا يترك السلطة فى كوبا راؤول كاسترو والتى ستشهد للمرة الأولى منذ 56 عاما رئيسا جديدا من خارج عائلة «كاسترو»، ولم يفوت الفرصة ليسخر من الاقتصاد «الشيوعى» ويتحدث عن تغييره وهو الرجل الذى عرف فى بداية حياته بالتشدد فى المبادئ الشيوعية.
ومنذ نحو 50 عاما كان الأحمر رمز اليسار العالمى يغزو ما يعادل نصف العالم تقريبا، الماردان السوفيتى والصينى وعدد من الدول الآسيوية الأخرى مثل فيتنام وكمبوديا، ودول عدة فى إفريقيا كما تمتعت عدد من الدول العربية بعلاقة قوية بالاتحاد السوفيتى، مثل مصر وسوريا والجزائر، أما فى أمريكا اللاتينية فكانت الانقلابات العسكرية للإطاحة بالأنظمة اليسارية الصاعدة فى الباحة الخلفية للولايات المتحدة فكانت تجرى على قدم وساق لمنع تكوين نظام آخر مثل النظام الكوبى الذى كانت قواعد الصواريخ النووية السوفيتية تحت الإنشاء تبعد فقط مسافة 350 كيلو مترا عن ولاية فلوريدا الأمريكية، فى «أزمة الصواريخ الكوبية الشهيرة».
وكان اللون الأحمر لليسار كثيفا ومنتشرا ومنتشيا، لكن كل هذا سينتهى فجأة كما بدأ فجأة 1917، حين استطاع البلاشفة «الحزب الشيوعى الروسى» السيطرة على السلطة فى ثورة أكتوبر الشهيرة، ليجد العالم نفسه بعد 70 عاما من القراءة عن النظريات الشيوعية لكارل ماركس وإنجلز وغيرهم من المفكرين، أمام أكبر دولة فى العالم من حيث المساحة تسيطر عليها قوى شيوعية حقيقية، لا تقف قوتها عند الحدود الروسية، بل تحاول الانتشار والامتداد فى ثورات عنيفة هزت أوربا ما بعد الحرب العالمية الأولى، اليوم، ينظر المرء حوله ليجد النظم الشيوعية بعدما كانت تحتل نصف العالم، فى اندثار، حتى أواخر المخلصين تتداعى نظمهم فى بطء وتتجه إلى الفناء.
الأديب المصرى محمد المخزنجى عاصر لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى، إذ كان موجودا هناك فى منحة استمرت 4 سنوات لدراسة الطب النفسى، وهى التجربة التى أرخها فى مجموعته القصصية «لحظات غرق جزيرة الحوت»
قال المخزنجى: «لمست أطنانا من الكذب الأممى، وعاينت أشكالا شتى من دناءات الرشوة والفساد، كنت أعرف بيقين الحس أن الاتحاد السوفيتى مرشح للانهيار، ولأسباب أبسط وأوضح من تلك التى ساقها ولا يزال المحللون السياسيون، لقد انهار لسبب واحد يجمع كل الأسباب، وهو الكذب، وسأظل أذكر أن أحد المنشقين حينما سألوه عن سبب هروبه من الاتحاد السوفيتى قال أردت أن أهرب بأولادى من مصير الكذب، ويستكمل المخزنجى والمعروف بميوله «اليسارية» قائلا: «الاتحاد السوفيتى كان احتمالا لجزيرة إنسانية رائعة لكنها عارضة، على ظهر حوت من أكاذيب الإدعاء، ونقائص أيديولوجيا تزعم الاكتمال".
ويتابع المخزنجى فى قصصه الكيان الضخم الذى أسست نواته الأولى 1917 عقب نجاح البلاشفة فى السيطرة على الحكم، تحول فى أواخر أيامه إلى مأساة حقيقية، كاشفا كيف شاهد طوابير طويلة من البشر تقف متراصة فى وسط انهمار الثلوج فقط من أجل شراء حذاء، فقد كانت الأزمة الاقتصادية الحادة تضرب الدولة، واستشرى الفساد الإدارى فى أزهى صوره فى اللحظة التى انفجر فيها مفاعل تشيرنوبل، وبدلا من الجنة الموعودة للاشتراكية تفشى الفقر والبطالة، واستفحلت الانقسامات السياسية، وبدا أن المواطنين قد ضاقوا ذرعا من «السجن الشيوعى» الكبير الذى يعيشون فيه، وظهرت للمرة الأولى مظاهر التمرد فى الشوارع والهتافات ضد الشيوعية وهى جريمة كان يمكن أن تودى بحياة أصحابها.
وتابع: فى الوقت الذى كان الاتحاد السوفيتى يترهل داخليا، كانت قبضته الحديدية المحكمة على دول شرق أوربا قد بدأت بالتفكك، الثورة اندلعت فى بولندا عام 1989، انهار فى العام نفسه جدار برلين رمز الحرب الباردة الأشهر، فى رومانيا شيوعى آخر هو «تشاوشيسكو» مات معدوما بالرصاص هو وزوجته، فى زمن آخر لم يكن للاتحاد السوفيتى القوى أن يترك كل هذه الفوضى فى الدول التى يبسط نفوذه على حكوماتها، فحين ثار سكان المجر وأسقطوا تماثيل ستالين عام 1956 انتهت بالقمع الشديد، أما «ربيع براغ» أو ثورة تشيكوسلوفيكيا عام 1968 فقد انتهت أيضا بغزو سوفيتى حاد، لكن ها هى الأنظمة الجيران تنفلت سريعا من بين يد الاتحاد السوفيتى وهو يقف غارقا فى مشاكله الداخلية وأزماته الاقتصادية والسياسية.
وفى أغسطس 1991، حاول عدد من قيادات الاتحاد السوفيتى عمل انقلاب عسكرى لإزاحة الرئيس جورباتشوف، لكن الانقلاب فشل وانتحر وزير الداخلية، ووفى ديسمبر من هذا العام قرر جورباتشوف حل الاتحاد السوفيتى، لينقسم إلى 15 جمهورية أخرى.
وبانهيار الاتحاد السوفيتى انهار الداعم الأكبر لليسار فى العالم، ووجدت العديد من الأحزاب والأنظمة التى تلقت على مر السنوات دعما سياسيا وفى بعض الأحيان «ماديا» نفسها للمرة الأولى منذ 80 عاما بلا ظهير، فقد ظهر للجميع أن «الجنة» لم تكن جنة حقا بل كانت كيانا هشا، تماما كما وصفها المخزنجى، هى جزيرة موعودة وجميلة لم تكن سوى «ظهر حوت» طفا على السطح بعض الوقت لكن عودته وغرقه لم يكن سوى أمر محتوم.
وفى ديسمبر 1956 ومن المكسيك حمل قارب صغير 82 ثائرا شيوعيا، إلى جبال سييرا مايسترا فى جنوب الجزيرة الكوبية، كانت قوات الرئيس الكوبى فولغينسيو باتيستا فى الانتظار، استطاعت أن تقتل منهم 60 ، ومن بين الثوار لم يبق سوى 12 شخصا ، بينهم تشى جيفارا، وفيدل كاسترو وشقيقه راؤول.
لكن هؤلاء الـ 12 الباقين استطاعوا خلال 3 سنوات فقط جمع المزيد من الثوار، واحتلال العاصمة الكوبية هافانا وإقامة النظام الشيوعى ، وفى 1961 بدأت إجراءات التحول الكامل إلى الشيوعية فى كوبا، تم السيطرة على الصحف وألغيت الأحزاب، استبعد كل من ليس شيوعيا من العمل الحكومى، سيق الكثيرون إلى السجن، فى هذه الفترة تجاوز عدد المسجونين السياسيين فى كوبا حوالى 40 ألف شخص، بدأت كوبا تماما كما الاتحاد السوفيتى بناء جدارها العازل عن العالم كله لأجل بناء «جنة الاشتراكية» الموعودة، فى النصف الثانى من الستينات عرف العالم أكبر موجة خطف طائرات فى التاريخ، كان المواطنون الكوبيون يخطفون الطائرات ويتوجهون بها بالقوة إلى الولايات المتحدة الأمريكية هربا من «جنة الاشتراكية» المزعومة، وبحسب تقرير لجريدة «واشنطن بوست» فإن عدد من هربوا من كوبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من 1965 وحتى 1973 قد بلغ 265 ألفا و297 شخصا.
وفى صباح 6 أبريل 1980 ، اقتحم أكثر من 10 آلاف كوبى سفارة بيرو فى العاصمة الكوبية هافانا طلبا للجوء السياسى والهروب من النعيم الاشتراكى، فيدل كاسترو الغاضب خرج خاطبا فى الجماهير، من يريد أن يترك بلادنا فلا مشكلة فليتركها، من لا يؤمن بحلم الاشتراكية الجميل فليرحل عنا ولا نريده بيننا، وأصدر أوامره بتسهيل انتقال الـ 10 آلاف شخص من السفارة إلى خارج كوبا.
وكانت اللحظة التى أعلن فيها «فيدل» من يريد أن يتركنا فليرحل، هى اللحظة التى اندفع فيها عشرات الآلاف من الكوبيين إلى ميناء ماريل لاستقلال أى وسيلة نقل للهرب من كوبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحين نقول أى وسيلة نقل، فهى بالفعل أى وسيلة نقل، لقد حول الكوبيون «إطارات السيارات» إلى قوارب، كل ما يمكن أن يطفو على سطح الماء تحول إلى وسيلة للهرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
بحلول سبتمبر 1980 كان هناك 140 ألف مواطن كوبى قد هربوا، لم تكن تلك هى الموجة الأخيرة من محاولات الهرب، بل ظل الهروب من كوبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية مستمرا طوال التسعينات، ويقدر تقرير لواشنطن بوست أن عدد اللاجئين الكوبيين فى الولايات المتحدة قد بلغ 1.2 مليون مواطن، أى حوالى 10% من السكان.
مع بداية 1999 وجد فيدل كاسترو نفسه يحكم شعبا فقيرا، يستورد 80% من غذائه ، وانخفضت المرتبات بنسبة 72% منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى بحسب تقرير لـ «نيويورك تايمز»، بدأ فى تخفيف قبضته على الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار، سلم فيدل كاسترو السلطة إلى أخيه «راؤول كاسترو» 2008، والذى رغم تاريخه المعروف بالتشدد فى الشيوعية إلا أنه تحدث بشكل واضح فى أكثر من مناسبة عن ضرورة «التحول البراجماتى» أو التحول من أجل المصلحة، سخر فى العديد من خطاباته من الاقتصاد الشيوعى وخاصة فى المجال الزراعى، وفى 2016 أعلن راؤول تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفى العام نفسه زار الرئيس الأمريكى باراك أوباما كوبا، فى أول زيارة لرئيس امريكى لكوبا منذ 88 عاما.
مازال الإصلاح الاقتصادى يخطو ببطء فى كوبا، لكن المؤكد هو أن كوبا التى كانت فى الماضى لم تعد هى كوبا الجديدة، فها هو الرئيس الكوبى راؤول كاسترو يعلن عدم استمراره فى الحكم تماما كما وعد عند توليه المنصب فى 2008، لتشهد كوبا للمرة الأولى منذ 60 عاما رئيسا بخلاف ابناء عائلة كاسترو.
وفى 1999 وصل الرئيس الفنزويلى إلى السلطة بنسبة تصويت 55%، مصطحبا أجندة يسارية تقضى بإعدة توزيع الأراضى وتأميم النفط، كانت البلاد الغنية بالنفط وصاحبة اكبر احتياطى نفطى على وجه الأرض، تعانى خللا هيكليا وانتشار عدم العدالة الاجتماعية.
وكان الحل بالنسبة لرئيس قاد ما أسماه بـ «الثورة السياسية» هو تطبيق النموذج الكوبى، فأخذ فى اتجاه تأميم القطاعات الاقتصادية الهامة مثل النفط والغاز والكهرباء، واختار تشافيز سياسة متشددة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية التى وصفها بقوى الشر الأعظم على الأرض، ولأجل تحقيق الحلم الاشتراكى اتخذ تشافيز خطوات تجاهل فيها مسألة حقوق الإنسان، وأطلق حزبا موحدا سماه «حزب فنزويلا الاشتراكى الموحد» فى خطوة نحو إلغاء المعارضين السياسيين، وقام بتمرير مشروع قانون فى عام 2007 يعطيه حق إصدار القوانين دون الرجوع إلى البرلمان تحت حجة إصدار قوانين ثورية تدخل التعديلات على الحياة السياسية والاقتصادية، استطاع بالفعل هوجو تشافيز أن يغير حياة الكثيرين من المواطنين الفقراء لكنه كان يضع فخا كبيرا فى طريق مواطنى هذا البلد سيعصف بهم وبحياتهم.
ففى طريقه لـ «ثورة الاشتراكية» عقد هوجو تشافيز من أزمة البلاد الاقتصادية دون أن يدرى، ففى مقال نشر عام فى مجلة «latin America business» شرح الكاتب الأمريكى جواش بامرود الأزمة الاقتصادية التى صنعها هوجو تشافيز على مهل، فالقوانين «الاشتراكية» دفعت أكثر من 170 ألف شركة أجنبية لإغلاق أبوابها على مدار 14 عاما من حكمه، الأمر الذى ترتب عليه فقدان 800 ألف شخص لمناصبهم.
ونتيجة لهذا الانهيار فى الشركات الأجنبية بدأ الاقتصاد الفنزويلى يعتمد بشكل أكبر على صادرات النفط، التى شكلت أكثر من 90% من الصادرات، و50% من إجمالى الناتج القومى المحلى، وخلال الفترة من 2002 وحتى 2012 تم تأميم أكثر من 1600 شركة فى مجالات الاتصالات والطاقة والحديد والتأمينات والبنوك وصناعة السكر والفنادق بل وحتى مراكز التسوق أو «المولات» وبدلا من إدارتها المحترفة تم استبدال إدارة هذه الشركات بإدارات أخرى «حكومية» افتقدت الكفاءة والقدرة على الإدارة الأمر الذى دفع بهذه الشركات إلى الانهيار سريعا، بل ومواجهة كوارث إنسانية مثل مقتل 40 شخصا عام 2012 بعد انفجار أكبر محطة تكرير للبترول فى فنزويلا.
وبحلول 2012 بدأت ملامح الأزمة تظهر، ارتفعت أسعار الغذاء أكثر ، وتدخل تشافيز بفرض رقابة على الأسعار، الأمر الذى دفع المنتجين للتوقف عن الانتاج حتى لا يحققوا المزيد من الخسائر، فبدأ شبح أزمة غذاء يلوح فى البلاد، ثم بدأ هوجو تشافيز فى فرض رقابة على العملة الأجنبية الأمر الذى خلق مشكلة للمصنعين الذين لم يستطيعوا شراء احتياجاتهم اللازمة للصناعة، فعانت قطاعات التصنيع من أزمة حادة هى الأخرى.
وفى مارس 2013 توفى الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز، لكن الأسوأ لم يكن أتى بعد وكان من نصيب خليفته وحليفه وصديقه نيكولاس مادورو، ففى عام 2015 بدأت أسعار البترول العالمية رحلة طويلة إلى الانخفاض، ليصل بحلول بداية عام 2014 إلى ما دون 30 دولار للبرميل.
والمتضرر الأكبر بالطبع هو دولة تعتمد فى 90% من صادراتها و50% من ناتجها المحلى على البترول، وتعانى انعدام للكفاءة نتيجة السياسات الاشتراكية، سريعا فقدت فنزويلا الاحتياطى النقدى، وبدأت أزمة نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار تتصاعد.
وبدأ النظام الفنزويلى فى حجب الأرقام عن العالم، لكن البرلمان الفنزويلى الذى تقوده المعارضة نشر فى بيان خلال أبريل الماضى ارقاما مفزعة عن واقع فنزويلا، فقد وصل التضخم 8900% حسب توقعهم حيث لم ينشر البنك المركزى الفنزويلى بيانات للتضخم منذ اكثر من عامين، أصبحت مدينة كراكاس العاصمة الفنزويلية تغرق فى ظلام دامس ولا تصل الكهرباء إلى منازلها سوى 4 ساعات يوميا.
وأكدت البيانات الحكومية المنشورة ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع بنسبة 30% وارتفاع وفيات الأمهات اثناء الحمل والولادة بنسبة 65% وارتفاع حالات الإصابة بالملاريا بنسبة 76%، وسط غياب الأدوية وحليب الأطفال، وبدأ العديد من المواطنين الفنزويليين فى الهرب من بلادهم التى عانت نتيجة نقص الغذاء والازمة الاقتصادية انتشارا كبيرا للعنف.
وأكدت الأمم المتحدة الشهر الماضى فى تقرير أصدرته الشهر الماضى، أن الأزمة الفنزويلية قد تخلف وراءها أعدادا من اللاجئين تقترب من المأساة السورية، ففى كل يوم يغادر 5 آلاف فنزويلى بلاده هاربا إلى الدول المجاورة، وكالعادة لم يجد الرئيس الفنزويلى بدلا من ذلك سوى اصدار قرارات بإغلاق الحدود مع كولومبيا لوقف ما أسماه بـ «التهريب والاختراقات".
ورغم الأزمة الإنسانية الحادة إلا أن الرئيس الفنزويلى مازال يرى أن ما يدور فى بلاده ليس سوى مؤامرة غربية لتدمير النظام الاشتراكى الناجح الذى أقامه سلفه «هوجو تشافيز» فى البلاد.
وتعد حياة لولا دى سيلفيا واحدة من قصص النجاح المبهرة، من عامل بسيط فى مصنع سيارات، يواجه ظروف عمل شاقة تسببت فى قطع أحد أصابعه، إلى مناضل يقود النقابات العمالية لأجل إعادة الديمقراطية إلى البلاد، ثم رئيسا للجمهورية فى 2003 وحتى 2011.
لم يكن لولا دى سيلفيا فى عناد تشافيز وثورته السياسية، لكنه كان يساريا غير راديكاليى تبنى برامج حماية اجتماعية، ساعدت فى تحسين حياة المواطنين الفقراء فى البرازيل، وعقب رحيله عن السلطة تولت خليفته ديلما روسيف والتى شغلت مناصب وزيرة المناجم، ورئيسة شركة البترول الوطنية «بتروبراس» الحكم متعهدة ان تستكمل السير على طريقه.
لكن هذه المسيرة الناصعة التى جعلت الكثير من رومانسيين اليسار فى العالم ينظرون إليها باعتبارها نموذجا يجب الاحتذاء به، انهارت فجأة على رؤوس اصحابها حين تفجرت أكبر فضيحة فساد فى تاريخ أمريكا اللاتينية كلها وليس البرازيل فحسب، وهى فضيحة «بتروبراس».
فى 2014 بدات السلطات البرازيليةالتحقيق فى عملية غسيل اموال تورط فيها عدد من قيادات شركة «بروبراس» البرازيلية، واسفر التحقيقات عن اعتقال باولو روبرتو كوستا، أحد مدراء الشركة، والذى سعى من أجل الحصول على صفقة فى الاعتراف بكل الصفقات المشبوهة التى حدثت فى الشركة.
ومع الوقت تعاظمت التحقيقات وبدلا من إدارتها بواسطة شخصين، شارك فيها 300 عنصر من الشرطة الفيدرالية، ليظهر أن كافة العقود التى ابرمتها إدارات الشركة تمت عن طريق تقديم رشاوى للسياسيين، بمن فيهم الرئيس البرازيلى السابق لولا دى سيلفا، وقدرت أجمالى الرشاوى المدفوعة بقيمة 17 مليار دولار.
وكشفت التحقيقات التى سميت بـ «غسيل السيارات» عن نظام معقد وممنهج من تقديم الرشاوى لتلقى عقود المقاولات فى عمليات شركة البترول الكبرى، كما كشفت اختلاسات وصلت 4 مليار دولار لحساب نواب برلمانيين فى الحزب الحاكم، كما كشف أن العديد من الرشاوى تم سدادها فى إطار تمويل الحملات الانتخابية للرئيسة البرازيلية ديلما دير وسيف.وفى 2016 تم استجواب لولا دى سيلفا فى الفضيحة، وسرعان ما تبين تورطه فى 7 قضايا فساد.
وفى ابريل الماضى سلم لولا دى سيلفا نفسه للشرطة لتنفيذ حكم بالسجن لمدة 12 عاما، بعد ان انتهت فرصه فى نقض الحكم، بتأييد المحكمة العليا الحكم بسجنه فى أول تلك القضايا، أما خليفته الأقل وهجا ديلما روسيف فقد ازيحت من الحكم فى 2016، وتواجه محاكمة مرتقبة بالتورط فى قضية الفساد.