الشائعات ورابطة ضد الداخلية وضد الحكومة!
الجمعة، 07 سبتمبر 2018 02:58 م
في عالم الفضاء الإلكتروني الفسيح، لا صوت يعلو على صوت الهراء.. اختلق أي رواية.. أطلق أي شائعة.. ألِّفٔ أي كذبة.. ارم بلاك على أي شخص.. ادعِ على الحكومة كيف شئت ستجد مَنْ يصدقك، ويتبنى وجهة نظرك.. بل ويدعمك بـ«اللايك والكومنت والشير».. فلا أحد- إلا ما رحم ربي- يصدق الحكومة حتى ولو كانت صادقة مائة بالمائة، ولا أحد- إلا ما رحم ربي أيضًا- يكذب «الفسابكة» حتى ولو كانوا كاذبون «من ساسهم لراسهم».
الكارثة أن بعض الصحفيين الذين يتمترسون في صفوف المعارضة، أو يتخذون موقفًا معاديًا من الحكومة- على طول الخط- أو لا يتحرون الدقة لأن أيديهم تسبق عقولهم، يشاركون في هذه الجريمة، وينقلون الأكاذيب المنشورة على بعض الصفحات دون التأكد من صحة المعلومة، ومَنْ هو قائلها، وهل هي منطقية أم لا؟ المهم أنها تخدم أهدافه الدنيئة، وتؤيد أفكاره الشيطانية، وتدعم موقفه المعادي لكل ما من شأنه الحفاظ على الدولة.
خلال الأيام القليلة الماضية، لم يكن لدى الرأي العام حديث إلا عن ثلاث حوادث؛ أولاهما مقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، والثانية حادثة قاتل طفليه في ميت سلسيل بالدقهلية. والثالثة عن الشخص الذي ضُبط أمام السفارة الأمريكية، بعد انفجار حقيبة كان يحملها على ظهره، دون أن يصاب بسوء.
الخبراء اللوذعيون، ومحللو الفيس الذين لا يشق لهم غبار، والعالمون ببواطن الأمور، ويعرفون «الجن الأزرق مخبي ابنه فين»، تبنوا وجهة نظر، ما أنزلت بها التحقيقات ولا التحريات من سلطان.. فعلى الرغم من اعتراف المتهمين وائل سعد تواضروس ميخائيل، الراهب سابقًا باسم أشعياء المقاري، وريمون رسمي منصور، الراهب سابقًا باسم فلتاؤوس المقاري بقتل الأنبا إبيفانيوس، إلا أن البعض شكك في الرواية الحقيقة، بل إن هناك اتهامات طالت الأجهزة الأمنية بتدبير وتنفيذ الجريمة.. «شوفوا إزاي»!
وعلى الرغم من اعتراف قاتل طفليه «يالصوت والصورة» إلا أن السادة «الفسابكة» شككوا في الاعتراف، واتهموا الداخلية بالضغط على «محمود» من أجل أن «يشيل القضية»؛ لأن هناك «ناس كبيرة هي إللي قتلت الطفلين»! وأكاد أجزم أن الطفلين خرجا من قبرهما وأقسما أن والدهما هو الذي قتلهما، سنجد مَنْ يشكك في رواية الطفلين، ويتهمهما بالكذب، وأن الداخلية هي التي ضغطت عليهما ليورطا الأب!
وما كاد الفيس يهدأ قليلًا حتى فوجئنا بـ«هبدة» و«هرية» جديدة، بشأن الشاب المقبوض عليه في واقعة ميدان سيمون بوليفار، ومفادها أنه «مهندس، وأفرج عنه، وأن انفجار حقيبته كان ناتجًا عن بطارية اللاب توب...»، وغيرها من الأكاذيب التي وجدت مَنْ يروج لها، ويحتفي بها، ويتعهدها بالشير حتى تصل إلى أكبر عدد من الذين يتخذون موقفًا عدائيًا من الأجهزة الأمنية.
الجرائم الثلاثة السابقة تثبت التشكيك الدائم في كل ما هو حكومي، وأن هناك مَنْ يتربص بأجهزة الدولة، ويقصفها بالشائعات، واختلاق الأكاذيب.. وعلى رأس هؤلاء مَنْ يُطلق عليهم «نشتاء»، سواء كان «نشتاء حكوكيين» أو «نشتاء جنسيين» لامؤاخذة!
وبمناسبة الحديث عن «النشتاء» فلا أحد ينسى الاتهامات التي وجههوها هم و«الإخوان» للمجلس العسكري الذي كان يتولى إدارة أمور البلاد في أعقاب 25 يناير 2011، بتدبير مذبحة رفح الأولى.. وترويجهم شائعة أن الداخلية هي التي تقتل الضباط وأمناء الشرطة في سيناء.. وأن المخابرات والأجهزة الأمنية هي التي تدبر كل الحوادث الإرهابية.. تمامًا مثلما سرت أكذوبة أن المسيحيين هم الذين يحرقون ويفجرون كنائسهم؛ ليثبتوا للغرب أنهم مضطهدون!
ولعلنا نتذكر حادثة تفجير مديرية أمن الدقهلية في العام 2013.. فعلى الرغم من أن رواية الداخلية أكدت أن إرهابيًا فجر نفسه بسيارة ملغومة، إلا أن «فنجرية البق» شككوا في رواية الأمن، وأشاعوا أن هذا الإرهابي كان مسجونًا وقتها، وأن الداخلية هي التي دبرت ونفذت تفجير مديرية أمن الدقهلية، وساقوا العديد من الروايات المكذوبة التي تقود إلى نتيجة واحدة، «التشكيك في الأجهزة الأمنية»!
حتى عندما تبنى تنظيم داعش الإرهابي هذا التفجير، وبث مقطع فيديو للإرهابي الذي أعلنت عنه الداخلية، وهو يتحدث عن استعداده لتنفيذ مهمته القذرة، لم يضع أحد من أصحاب التحليلات «الخرائية» في عينه «حصوة ملح» ويعتذر.. بل أخذتهم العزة بالإثم.
الحقيقة أن التشكيك في أي رواية حكومية، خاصة فيما يتعلق بالجرائم التي شغلت الرأي العام، ليس وليد اللحظة، وليس مرتبطًا بظهور مواقع «التبول الاجتماعي»، بل إنه قديم جدًا.. وهناك أساطير نُسِجَتْ حول حوادث بعينها حتى الآن، منها الأسطورة التي نسجت حول مصرع المطربة أسمهان، وأن أم كلثوم هي التي دبرت حادث مقتلها؛ «لتزيحها من طريقها»!
وليس بخافٍ على أحد الأسطورة التي صاحبت مصرع عازف الجيتار الأشهر «عمر خورشيد» في مايو 1981، في حادث مروع، عقب انتهاء فقرته في أحد الملاهي الليلية بشارع الهرم.. وانتشرت شائعة- ما زالت سارية إلى الآن- تتهم الأمن بتدبير الحادث «لأن عمر خورشيد كان على علاقة بابنة الرئيس الراحل السادات، والتي هي في نفس الوقت زوجة المهندس محمود عثمان»!
ولأن الشائعة لابد لها من بعض «التحابيش» والبهارات، فقد كان مصرع عمر خورشيد وجبة أساسية على موائد النميمة، في وقت كان الشارع محتقن سياسيًا من الرئيس السادات الذي اغتيل بعد مصرع عازف الجيتار العبقري بخمسة أشهر.. وعلى الرغم من وفاة السادات، وزوال السلطة عن أصحاب النفوذ وقتها، إلا أن هذه الشائعة لم تثبت صحتها.
ومثلما ارتبطت الشائعات بمصرع عمر خورشيد، ارتبطت أيضًا بأخته، غير الشقيقة، شريهان، عندما تعرضت لحادث سير كاد أن يودي بحياتها على الطريق الصحراوي عام 1989، ومنذ ذلك الحين، وإلى الآن وماكينة الشائعات تدعي أن الحادث من تدبير عائلة الرئيس الأسبق حسني مبارك، لأن ابنه الأكبر «علاء» كان يريد الزواج من الفنانة الشهيرة دون رغبة العائلة.. وعلى الرغم من خروج مبارك من السلطة منذ سنوات، وزوال أي خطر قد يهدد شريهان، إلا أن هذه الشائعة لا تزال سارية!
وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي، عثرت الشرطة المصرية على فتاة «إعلانات» ألمانية مذبوحة داخل شقة مفروشة، ولم تستطع المباحث تحديد هوية القاتل، لتعدد علاقات المجني عليها.. وقتها ألمحت جريدة الوفد إلى أن المباحث تحقق مع أيمن، نجل الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب آنذاك، وأبناء محافظ الجيزة الدكتور عبد الحميد حسن؛ للاشتباه بتورطهم في الحادث.. وكانت المفاجأة والمفارقة المثيرة للسخرية، أن أيمن المحجوب كان في بعثة دراسية خارج البلاد قبل وصول هذه الفتاة إلى مصر، وأن أبناء عبد الحميد حسن كانوا أطفالًا صغارًا.. لكن الوفد لم تعتذر، وصدق كثيرون تلك الشائعة!
أما الواقعة الأشهر في الألفية الحالية، فكانت اغتيال ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها عام 2009.. وعلى الرغم من القبض على القاتل واعترافه «صوتًا وصورة، وتمثيله للجريمة»، بل وإعدامه، إلا أن الفنانة التونسية كانت تلمح إلى أن قاتل نجلتها هو ابن رئيس الوزراء- حينها- الدكتور أحمد نظيف.. والمثير للدهشة، والتساؤل أنه بزوال السلطة عن الجميع في أعقاب 25 يناير 2011، توقفت ليلى عن ترديد اتهامها لنجل نظيف، بينما لا يزال البعض يصدق أن ابن نظيف هو قاتل ابنة ليلى غفران وصديقتها!
مختصر القول، وما أود التأكيد عليه، أن الروايات الحكومية- أيًا كان صدقها- ستجد مَنٔ يشكك فيها، ولن تجد مَنْ يتحمس لتصديقها ونشرها إلا القليل.. بينما الشائعات ستجد مَنْ يرددها ويروجها، ويتعهدها بالرعاية، حتى تنمو وتكبر وتتوغل وتنتشر وتهدم المجتمع.. فهل نفيق قبل فوات الأوان؟!