تمضي الأيام بوتيرة سريعة، لكن القطار الذي تستقله بريطانيا يظل بطيئا في مساره باتجاه الخروج من الاتحاد الأوروبي. يبدو الأمر مرتبطا بتعنّت أوروبي، لكن كثيرين داخل بريطانيا يُحمّلون المسؤولية لرئيسة الحكومة تيريزا ماي.
منذ اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء «بريكست» الذي جرى صيف العام قبل الماضي، يبدو أن هذا الملف أقرب إلى طرد مفخّخ تتداوله أيدي السياسيين في المملكة المتحدة. بدأ الأمر بالإطاحة بحكومة ديفيد كاميرون الذي رهن وجوده برفض الانفصال عن أوروبا، ويتواصل حاليا بإثارة عاصفة عاتية تهدد حكومة تيريزا ماي، الذي جاءت لمنصبها بفضل الاستفتاء، وتقف الآن مهددة بالرحيل بسببه.
في الشهور الأخيرة خسرت حكومة «ماي» ثلاثة من وزرائها، استقالوا من مناصبهم، كان في مقدمتهم المسؤول المكلّف بملف الانفصال، وزير شؤون بريكست السابق ديفيد ديفيز، ثم وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، ثم وزير الدولة بوزارة الدفاع جوتو بيب. ورغم هدوء عاصفة الاستقالات ظلت الأمور داخل أروقة الحكومة في 10 دونينج ستريت غير هادئة، إذ تتصاعد حدّة الخلافات بين تيريزا ماي وبعض وزرائها بشأن ملف الانفصال.
وفي هذا السياق حذر وزير الخارجية البريطانى جيريمى هانت فى خطاب يلقيه فى واشنطن (الثلاثاء) من عواقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، معتبرا أن ذلك سيهدد وحدة أوروبا «لجيل كامل».
وفى أول خطاب مهم له حول السياسة الخارجية منذ تعيينه فى هذا المنصب فى يوليو الماضى، يقول هانت: «واحدا من، أكبر التهديدات التى يواجهها الاتحاد الأوروبى سيكون بريكست فوضوى بلا اتفاق».
ويضيف «هانت» في خطابه الذى سيلقيه فى المركز الفكرى «المعهد الأميركى للسلام»- يو اس انستيتيوت اوف بيس- ووزعت مقاطع منه على الصحافيين، أن بريطانيا يمكنها ان تتدبر أمرها إذ «إننا واجهنا تحديات أكبر من ذلك في تاريخنا»، لكن فى المقابل سيتأثر الاتحاد الأوروبى لفترة طويلة.
ويتابع: «المجازفة بطلاق غير منظم سيؤدى إلى شرخ فى العلاقات بين حلفائنا الأوروبيين لن يلتئم قبل جيل، وخطأ جيواستراتيجى لأوروبا فى لحظة بالغة الحساسية من تاريخنا».
وكان هانت عين وزيرا للخارجية فى يوليو خلفا لبوريس جونسون فى أوج خلافات داخل الحكومة البريطانية حول إدارة بريكست. وما زالت نتيجة المفاوضات حول بريكست التى يفترض أن تفضى إلى اتفاق بحلول نهاية اكتوبر قبل الانفصال الفعلى فى 29 مارس 2019، غير واضحة إذ أن المفوضية الأوروبية تصر على الخطوط الحمراء التى وضعتها.
ويقول جيريمى هانت: «كما قلت للحكومات الأوروبية، حان الوقت لتفكر المفوضية الأوروبية بعقل منفتح فى المقترحات النزيهة والبناءة التى قدمتها رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماى».
على مدار الفترة الماضية واجهة حكومة تيريزا ماي اتهاما بمحاولة الالتفاف على ما أقره البريطانيون في استفتاء بريكست. معارضو "ماي" يقولون إنها لا تدعم خيار الانفصال، وإن الأمر بدا واضحا في خطتها للخروج من الاتحاد، التي عرضتها على البرلمان الشهر الماضي، وهدّدت خلال عرضها بأنه إما اعتماد هذه الخطة وإما المغامرة بالبقاء الدائم داخل مؤسسات الاتحاد في بروكسل.
تقارير إعلامية عديدة في بريطانيا وخارجها تشير إلى أن أبرز وجوه المحافظين، تيريزا ماي، ترفض الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وكانت تسعى لإجراء استفتاء آخر، سعيا للهروب من فكرة مغادرة بروكسل وقطع العلاقات القائمة مع أوروبا الموحّدة. رئيسة الحكومة لم تُصرّح بشكل معلن بهذا الأمر، ولم ت}كد أيضا دعمها للانفصال، وحتى تولّيها لمفاوضات الخروج يظل محكوما بموقعها على رأس الحكومة، باعتبار الأمر التزاما قانونيا وتنفيذيا، لا يتوفر دليل على أنه قناعة خاصة لدى المسؤولة الأولى في المملكة.
موقف تيريزا ماي يدعمه كثيرون داخل حزب المحافظين، يرون أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ربما يعصف بمركز المملكة داخل القارة، ووضعها السياسي داخل المؤسسات الأوروبية، وقد ينعكس الأمر على وضعها الدولي وثقلها السياسي عالميا. لكن داخل الحزب نفسه يتشدّد آخرون في مسألة الخروج الكامل والنهائي دفعة واحدة، رافضين أي مناورة للإبقاء على علاقات فوق طبيعية، أو التحايل على ما أقره البريطانيون في استفتائهم.
أمام موقف الحكومة ورئيستها الهادئة والبطيئة نسبيا، يبدو أن داعمي «بريكست» باتوا يستشعرون قدرا من الخطر على مستقبل الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما دفع بعضهم لإعلان خطوات عملية أقرب إلى التصعيد. من هذا القبيل ما أعلنه نايجل فاراج، أحد قادة التحرك لخروج بريطانيا من بروكسل، بشأن عودته للساحة السياسية البريطانية سعيا لمواجهة سياسات «ماي» وحصار خطة الحكومة للخروج ومنع تطبيقها.