خنق مستخدمي الهواتف بأسلاك الشحن.. هل أصبحت الشواحن سلاح الشركات في حروب التوسع؟
الجمعة، 10 أغسطس 2018 10:00 صحازم حسين
منافسة شرسة تتضخم نيرانها ويتعالى دخانها بشكل متواصل في عالم التكنولوجيا، خاصة قطاع الهواتف المحمولة، وفي أجواء المنافسة يوظّف الجميع كل أدواتهم للفوز، حتى لو كان المستخدم ومصالحه.
بمنطق المنافسة تسعى كثير من الشركات إلى الإبقاء على العملاء في دوائرها، عبر فتح مسارات خاصة بها في المنتجات والاكسسورات التي تصدرها لهواتفها، بشكل يضمن صعوبة اتخاذ المستهلك قرار التغيير أو الذهب لشركة أخرى، مع الاعتياد على منتج معين أو امتلاك أدوات خاصة بعائلة من المنتجات.
النقطة السابقة يمكن توضيحها بإصرار شركة أبل على الإبقاء على هواتفها بسمات فنية وتصميمة خاصة، منها وصلات الشواحن، وحال إقدام المستخدم على تغيير هاتفه فإن آخر ما قد يفكر فيه هو اللجوء لشركة أخرى، خاصة لو كان يمتلك شاحنا أو وصلات تخص هواتف آيفون، وبالتأكيد لن تصبح مفيدة إذا ذهب لمنتج آخر، ما يرجح فرص شراء منتج الشركة نفسها.
حرب الشواحن والاحتفاظ بالعملاء
المسألة نفسها تتحقق في التفاصيل الفنية والتصميمية التي تسمح بها الشركات في هوافتها وموديلاتها المختلفة. أصبح شائعا لدى المستخدمين أن الشركات تتعمد تقديم منتج غير كامل، حتى تظل حالة الإشباع غير متحققة، بما يُغذي نهم المستهلك للمتابعة وشراء كل جديد من إصداراتها.
هكذا يمكن أن تجد هاتفا لإحدى الشركات بمزايا جيدة في التصميم والشكل، لكن كفاءته العملية ومكوناته أقل جودة، أو هاتفا ببطارية جيدة وكاميرا متوسطة أو رديئة، وهاتفا ثالثا بمساحة تخزين كبيرة لكن بمعالج متوسط، وهكذا تواصل الشركات التنويع بين الخصائص والسمات الفنية لمنتجاتها بشكل لا يضمن للمستخدم الحصول على منتج كامل، أو يُطيل فترة الدورة الاستهلاكية قبل أن يعود لها مجددا باحثا عن الجديد.
التفاصيل الفنية السابقة التي تحضر لدى كل الشركات وفي كل الموديلات، توظفها شركات الهواتف المحمولة على نطاق أوسع فيما يخص الاكسسوارات والتفاصيل اليومية المرتبطة بتجربة الاستخدام. يمكن القول إن كثيرا من الشركات (أبل نموذجا) توظف الشواحن ووصلات الشحن كوسيلة لحصار المستخدم والإبقاء عليه في دوائرها، ومنعه حتى من تجربة منتجات أخرى.
إذا كانت ممن يستخدمون هواتف "آيفون" فلن تستطيع استخدام الشاحن الخاص بأي هاتف تابع لشركة أخرى، لن تستطيع تبادل المعلومات والبيانات مع الآخرين عبر البلوتوث، ولن يكون بوسعك الحصول على التطبيقات والموسيقى والخدمات خارج متجر شركة أبل. الأمر نفسه تحاول شركات أخرى اللجوء إليه بصور مختلفة ودرجات متفاوتة، وبات واضحا أن الجميع اتفقوا على تعطيل الوصول إلى مساحة مشتركة تضمن تجربة أكثر حرية للمستخدم.
شركات عملاقة تخنق المستخدمين
ما فات ليس تخيّلا أو تحليلا لا أساس له. المعلومات المتاحة تؤكد أن كثيرا من الشركات العاملة في القطاع تلجأ إلى هذه الممارسات لخنق المستخدمين وحصارهم في دائرة محدودة من الخيارات، وأبرز أسلحتها في هذا الشأن الشواحن وأسلاكها.
المعلومة في هذا الشأن جاءت على لسان مسؤولين في اللجنة الأوروبية للمنافسة بين الشركات، قالوا إنهم يأسفون لأن "14 شركة لصناعة المعدات الإلكترونية، وفي مقدمتها أبل وسامسونج وهواوي ونوكيا، لم تنفذ بنود الاتفاق الموقع في العام 2009 بغرضتصنيع شاحن واحد يصلح لشحن كل الهواتف الذكية باختلاف أنواعها".
الاتفاق الذي نص وقتها على الوصول الكامل لهذه المحطة في غضون عامين، أي بحلول العام 2011، لم يجر تنفيذه حتى الآن، وهو ما قالت عنه مارجريت فستاجيه، عضو اللجنة الأوروبية للمنافسة بين الشركات، إنه يشهد مناورة من الشركات التي اعترضت على الأمر بعد إقراره قبل تسع سنوات، بدعوى أن كل هاتف يحتاج شاحنا خاصا به وفق طاقة كهربائية ودرجة جهد محددة، مشددة على أن تطبيق هذا الأمر سيحد من المخلفات الإلكترونية التي تسجل 51 ألف طن سنويا في أوروبا وحدها.
لعبة الشركات العملاقة ومناوراتها
الموقف المعلن من جهة رسمية في أوروبا، يؤكد أن الشركات التي نجحت خلال السنوات التسع الماضية في قطع أشواط بعيدة على صعيد تطوير التصنيع التكنولوجي وتصميم هواتفها وخصائصها ومزاياها، تعمّدت ألا تُخضع هذا الأمر للبحث والدراسة، وفي الوقت الذي انتقلت فيه بالهواتف من القدرات المحدودة والكاميرات الفقيرة والمعالجات البسيطة، إلى آفاق مدهشة في نقل البيانات ومعالجتها وصولا إلى الجيل الخامس، تفشل بشكل مقصود ومُتعمّد في الاتفاق على شاحن وسلك كهربائي ومخرج للهاتف.
لن تغامر الشركات بالاندماج والتوحد في عيون المستخدم إلى هذا الحد. جانب كبير من المنافسة يتأسس على حصار المستخدم وإبعاده عن المنافسين أصلا، كما تفعل أبل في هواتفها، والوصول إلى شاحن واحد لكل الهواتف الذكية يُعني أن الشركات تتخلى طواعية عن نقطة مهمة من نقاط المنافسة، وتقرر جميعا خوض مباراة مصارعة مفتوحة أمام المستخدمين، على مرأى ومسمع وتجربة حية وعملية، ليتبدّل المشاهدون في التشجيع بين هذه الشركات مع كل قفزة أو ضربة أو إحراز نقطة جديدة.
يمكن القول إن الشركات ستحافظ على هذا الملمح التنافسي، حتى لو حاولت أوروبا إجبارها عليه بقانون. في الغالب قد تُفضّل التعرض لعقوبات اقتصادية وغرامات مالية على أن تتشابه مع الآخرين في عيون الآخرين، أو تُوفر لهم خيارات أوسع للتقييم والتجربة والاستخدام. هكذا سيحاول الطامحون الوصول إلى مجتمع تكنولوجي يتشارك فيه الجميع كل شيء، لكن ستظل الشركات العملاقة تخنق المستخدمين بأسلاك الشحن.