4 مرات تكلفة القناة الجديدة وتتضاعف في 2023.. قفزة لإيرادات «قناة السويس» في 3 سنوات
الثلاثاء، 07 أغسطس 2018 08:00 م
قبل 3 سنوات احتفلت مصر بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، الذي حمل شعار "هدية مصر للعالم" وبالفعل كان هدية للعالم في ضوء ما وفره من مزايا وتسهيلات في العبور من القناة.
في السنوات الثلاثة السابقة منذ افتتاح القناة الجديدة، شهدت إيرادات هيئة قناة السويس طفرة إيجابية، رغم تراجع التجارة العالمية بشكل نسبي، إلا أن القناة الجديدة ساهمت في الحفاظ على أداء هيئة قناة السويس الجيد وتعظيم إيراداتها.
من 35 مليار جنيه إلى 99 مليارا
كان معتادا حتى ما قبل افتتاح قناة السويس الجديدة، أن تسجل القناة إيرادات سنوية في حدود 35 مليار جنيه. في الفترة التالية لتشغيل القناة قفز هذا الرقم ليسجل 99 مليار جنيه في آخر سنة، جانب منه يرتبط بسعر الصرف، لكن جانبا آخر يرتبط بتنامي موارد القناة.
بحسب الأرقام الرسمية قال الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس ورئيس الهيئة العامة الاقتصادية بمنطقة القناة، إن قناة السويس حققت عائدا إجماليا بقيمة 15.8 مليار دولار في السنوات الثلاثة الأخيرة (منذ افتتاح القناة الجديدة) بما يُعادل 219 مليار جنيه.
وأكد "مميش" في كلمته خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة لافتتاح قناة السويس الجديدة أمس، إن القناة سجلت أعلى إيرادا سنويا في تاريخها خلال العام المالي 2017/ 2018 بواقع 5.6 مليارات دولار، بزيادة 600 مليون دولار و12% عن العام المالي السابق، متابعا: "العائدات بالجنيه المصري ارتفعت إلى 99.1 مليار جنيه في العام المالي المنتهي آخر يونيو الماضي، مقابل 73.2 مليار جنيه في 2016/ 2017، بزيادة 25.8 مليار جنيه بنسبة 35%.
القناة تستعد لانتعاشة مستقبلية
المشهد الراهن يُشير إلى انتعاشة مستقبلية بانتظار قناة السويس الجديدة، وهو ما أكده الفريق مهاب مميش في حديثه بالإشارة إلى أن حركة التجارة العالمية تتجه الآن من الشرق للغرب، ما يُعني أنها ستمر بالضرورة من قناة السويس. هذا التحوّل كان السبب في مشروع قناة السويس الجديدة وتطوير استقبال السفن العملاقة، استعدادا لتدفقات التجارة العالمية وتوفير بنية أساسية كافية لاستيعاب التنامي المتواصل فيها، بحسب ما قال رئيس هيئة القناة.
خلال السنوات القليلة المقبلة من المنتظر أن تحقق هيئة قناة السويس ضعف دخلها الحالي، ما يُعني تحقيق ما يقرب من 200 مليار جنيه سنويا، هذا ما أكده الفريق مهاب مميش في حديثه عن آفاق التجارة العالمية وتوقعاته لتدفقاتها عبر القناة ولإيرادات الهيئة في السنوات الخمس المقبلة، مشيرا إلى أن العام 2023 سيشهد قفزة ضخمة في أداء القناة.
بجانب العوائد المتحققة من عبور قناة السويس، التي تستوعب 10% من حركة التجارة العالمية من المتوقع أن ترتفع إلى ما بين 15 و20% في السنوات المقبلة، تواصل الدولة خطواتها لإنجاز مشروع تنمية منطقة قناة السويس، لتحويلها إلى منطقة استراتيجية ولوجستية لتقديم خدمات التعهيد والصناعات التكميلية والتحويلية والخدمات الفنية، وهو ما قال عنه مميش: "نعمل حاليا على إعلاء ثقافة القيمة المضافة، والصناعات التكميلية المرتبطة بعبور السفن، وذلك بتوفير البنية التحتية اللازمة للاضطلاع بتقديم هذه الخدمات والتسهيلات، أهمها المياه والطاقة بجانب العمالة الفنية المدربة والقوانين الاستثمارية الجاذبة".
الفريق مهاب مميش
قناة السويس رمز الإرادة المصرية
تاريخ قناة السويس وذاكرتها يشير إلى أن 25% من شعب مصر شارك في حفر القناة الأولى في القرن التاسع عشر، بواقع مليون مواطن من إجمالي 4 ملايين إجمالي تعداد مصر، عملوا في حفر القناة بين 1859 و1869. وفي ملحمة القناة الجديدة لم يقل الأمر دهشة وضخامة عن هذا الأمر، حتى لو جرى إنجاز المشروع في سنة واحدة، إلا أنه شهد حجم أعمال وملايين من ساعات العمل التي توازي جهد الأجداد قبل أكثر من قرن ونصف القرن.
الفريق مهاب مميش يرى أن قناة السويس تُمثّل بُعدا رمزيا ووطنيا أكثر من كونها ممرا ملاحيا، هكذا يقول إنه "كما انطلقت حروب 1956 و1967 والاستنزاف و1973 من قناة السويس، فإن معارك البناء والتنمية والرخاء تنطلق منها. القناة تضم 25 ألف عامل وموظف ليس بينهم أجنبي واحد، يعملون ويديرون هذا المرفق الحيوي بكل كفاءة واقتدار".
وعن فائدة قناة السويس الجديدة، قال "مميش" إن المشروع كان أمرا ضروريا في إطار النظر للقناة برؤية عصرية وتطوير قدراتها بما يتناسب مع تطورات التجارة وصناعة السفن في العالم، والأهم تخطي مشكلة الانتظار بين قوافل الشمال والجنوب الملاحية لأوقات كانت تمتد 11 ساعة. لافتا إلى أن العبور الآن أصبح أسهل مما قبل، والتطويرات الأخيرة اختصرت الرحلة من 22 ساعة إلى 11 ساعة فقط، ما ساهم في تخفيض تكلفة العبور للنصف بشكل يمثّل إغراء وعامل جذب للمستثمرين وأصحاب السفن وشركات النقل.
تطوير يتغلب على المشكلات الفنية
مشروع قناة السويس الجديدة مثّل تطورا مهما أيضا على طريق التعامل مع مشكلة الأمان الملاحي والتغلب عليها حال توقف الملاحة بسبب جنوح السفن، ولم يكن من المتوقع أن تواصل قناة السويس حضورها ومنافستها الدولية في ظل مواصفاتها الفنية السابقة، التي باتت في السنوات الأخيرة عاجزة عن استقبال بعض نوعيات السفن ذات الغواطس الكبيرة، إضافة إلى عدم قدرتها على استيعاب المرور في الاتجاهين ببعض المناطق في وقت واحد.
الفريق مهاب مميش يرى كذلك أن مشروع المنطقة الاقتصادية بالقناة الذي يجري تنفيذه في الفترة الأخيرة سيكون منافسا مهما للمناطق الاقتصادية التي تقدم خدمات التعهيد والخدمات الفنية في المنطقة، مثل جبل علي في الإمارات، والعقبة في الأردن، وطنجة في المغرب، لافتا إلى أن المنطقة تحتضن حاليا 116 مشروعا بعد انتهاء دراساتها الوافية، بجانب تسوية 26 مشكلة مع مستثمرين وشركات من خلال لجنة فض المنازعات.
عوائد اقتصادية وسياسية
النظر إلى العوائد المادية لقناة السويس بمفردها، رغم مؤشرات الأداء الجيدة، قد يكون نظرة قاصرة نوعا ما. يمكن القول إن قناة السويس تُمثل أهمية متعددة المجالات والامتدادات، وما يتحقق سياسيا ومعنويا منها لا يقل أهمية عمّا تحققه على صعيد الإيرادات المباشرة.
بحساب الإيرادات والعوائد المالية فقد قفزت مدخولات قناة السويس من 5 مليارات دولار في العام المالي قبل الماضي، إلى 5.6 مليار دولار في العام الماضي، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه القيمة في العام 2023. تقييم الأمر بالعملة المحلية يشير إلى تحقيق القناة أكثر من 99 مليار جنيه في العام الماضي، وبالنظر إلى موازنة هذا العام سنجد أن هذا الرقم يقترب من 10% منها. أما الحديث عن تضاعف الرقم خلال 5 سنوات فربما يقفز بحصة القناة قياسا على الموازنة إلى أكثر من 15%، إذ من المتوقع أن تسجل الموازنة أقل من 1.5 تريليون جنيه، بينما ستسجل القناة أكثر من 200 مليار جنيه.
بجانب هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، فإن تنامي حجم التجارة العالمية يُعني مزيدا من اللجوء إلى قناة السويس، وبطبيعة الحال يُعني مزيدا من القوة المعنوية والوضع الإقليمي والدولي المستقر. يُضاف لهذا الأمر التوترات التي تشهدها بعض دول أمريكا اللاتينية ومناطق بشرقي آسيا والخليج العربي وإيران. هذا الأمر قد يُعظّم صادرات النفط العربية على حساب تدفقات طهران وأمريكا اللاتينية، والمسار الأقرب والأكثر أمانا لهذه الصادرات هو قناة السويس.
الخطوات الواسعة التي يقطعها مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باتجاه التحول إلى منطقة تعهيد وخدمات لوجستية وفنية وقاعدة للصناعات التحويلية والتكميلية والقيمة المضافة، يُعني تعظيم الموارد المالية الحالية المتوقفة على رسوم العبور، والقفز بها إلى ما يقرب من 100 مليار دولار سنويا بحسب التوقعات (مع اكتمال المشروع) نظير الخدمات والتسهيلات والمزايا التي ستوفرها مشروعات المنطقة. هذا الأمر يُعني انتعاشة اقتصادية ومالية، كما يُعني قدرة أكبر على الجذب، وموقعا أكثر تأثيرا في التجارة العالمية وتدفقاتها.
لم يكن ممكنا، وفق الخطط العملية والتوقعات المستقبلية، أن ينطلق مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بطاقته وسرعته القصوى، في ظل كفاءة قناة السويس بوضعها القديم (ما قبل القناة الجديدة). كانت القدرات والبنية التحتية أقل قدرة على استيعاب تدفقات التجارة العالمية المستقبلية، وأحجام السفن وناقلات النفط من الأجيال الأحدث، والأهم أن التخطيط القديم لم يكن يسمح بتدشين منطقة اقتصادية وقواعد صناعية للوجستيات والخدمات. هذه التفاصيل تُعظّم أهمية قناة السويس الجديدة، وتُرجح كفة المشروع الآن ومستقبلا.