الرؤية الضبابية فى قضية القرنية !
الأربعاء، 01 أغسطس 2018 10:49 ص
فى الوقت الذى يبحث العالم الآخر عمليات زرع الرأس والأدمغة من الناحية الطبية والأخلاقية والإدراكية للمريض، لانزال نحن فى تخبط شديد حيال قضية نقل الأعضاء أو حتى جزء من عضو مثل القرنية، وسط كل هذا اللغط الذى أُثيرُ بعد شُبهة أخذ قرنية من متوفى بقصة غير مكتملة البيانات.
ليست هذه سخرية من مجتمع أنا أنتمى له وأعيش به ولكن هى مفارقة لابد أن تنتهى فورًا، فقضية نقل الأعضاء برمتها كانت فى عقود ماضية بعيدة مثار جدل بعد أن أصبحت ممكنة طبيًا ولكن كل مجتمع ودولة أتخذت من الدين أو القانون معيارًا لتحدد موقفها من تلك القضية .
فالعالم الغربى المنبهر دائمًا بالعلم لم يتخذ رأى رجال الدين المسيحى ولكن على الفور تم سن قوانين تسهل نقل الأعضاء من شخص حي أو متوفى تتلخص فى ورقة يكتبها أى إنسان فى حياته يقر بها فى إقرار طبى أنه على استعداد التبرع بأحد كليته أو قلبه أو مقلتيه أو أنسجته حال وافته المنية لأنه يرى أن فى ذلك نفعًا لأكثر من شخص يستطيع أن ينقذ حياتهم بدلا من أن تذهب أعضائه وتتحلل.
وأيضًا المجتمعات الغربية المتدنية أخذت رأى الكنيسة التى لم تمانع طالما نفعًا للبشرية ولكن فى نفس الوقت نجد طوائف تنتمى للمسيحية ولكنها أقرب لليهودية مثل شهود يهوة الذين يمانعون تمامًا حتى نقل الدم ويفضلون الموت على أن يتم نقل دم لهم لأى سبب طبى وقد يحاسبون الطبيب قضائيًا إذا فعل ذلك لينقذ حياة أحد منهم!
وازن المجتمع الإسرائيلى بين تحفظ الحاخامات وتمدين دولتهم حتى حقق أعلى نسب من عمليات نقل الأعضاء حتى البوذية والهندوسية لم يكن لديهم أى تحفظ.
أما فى عالمنا الشرق الأوسطى كثير الصخب والنقاش، لم نحدد موقفنا حتى الأن هل نرجح القضية على أساس دينى أم على أساس مدنية الدولة ؟ أم نوازن بين الاثنان ونأخذ رأى الكنيسة القبطية والأزهر الشريف، فالتمثيل بجثة المتوفى أو استخدامها للمتعة هما أمران منبوذان بكل الأشكال فلعلنا نذكر الهجوم الحاد الذى قام يومًا ما فى تاريخ حكم الجماعة الأسود عندما أثار أحدهم مشروعية العلاقة بين الزوج والزوجة المتوفية.
ولكن لا شك أن كل الأديان السماوية لن تجد فى نقل الأعضاء دون التمثيل بجثة المتوفى نفعًا لانقاذ أرواح أطفال ونساء وشيوخ، خاصة القرنية وهى جزء من العين المسئول الأول عن مرور بصيص النور إلى باقى العين من عدسات وخلايا عصبية وإزالتها من المتوفى بجراحه لن تشوه أو تسبب أى ضرر بالجثة بدلا من استيرادها بآلاف الدولارات وقوائم انتظار مرضى يفقدون بصرهم وعليهم انتظار دورهم فى خلال سبعة سنوات مثلا ! تتكبد الدولة فيها دعمهم واعتبارهم من ذوى الاحتياجات الخاصة وتتكبد استيراد القرنيات من متوفى أيضًا ولكن بأثمان باهظة، فالمتوفى هو المصدر الوحيد لعملية ترقيع القرنية.
ولكن علينا الأن أن ننهى تلك القضية من الناحية الدينية وإنهاء الاشكالية بفتاوى وتصاريح دينية تؤكد أن فى ذلك نفعًا للناس ومن الناحية القانونية والتوعية بشرح ال‘قرار الطبى وإنشاء بنك أعضاء يُسجل به المتبرع حسب رغبته ويعلم أن الإقرار من حقه هو الفصل فيه وليس من حق أقاربة طالما يتمتع بكامل قواه العقلية ليظل ساريًا حتى بعد مماته لكى لا نمنع النور عن مجتمعنا يومًا ما .