شريط الجزيرة المشبوه وشهادة وفاة داعش
الخميس، 26 يوليو 2018 08:42 م
القضاء على قوة تنظيم "ولاية سيناء" من العدد والعتاد أصاب القوى الإقليمية المعادية لمصر بحالة غضب وهياج، تتناسب طرديًا مع كمّ الكُره الذي تحمله في نفوسها تجاه القاهرة، ومع انهيار الآلة الإعلامية للتنظيم، وانحسار إصدارته التي كانت ملء السمع والبصر، تتسلّم الجزيرة رايته الإعلامية، محاولة تعويض خسارته بإنتاج أكاذيب لا تقل عدوانية عن إصدارته الدموية.
بثّت الجزيرة مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي "برومو" عن تحقيق ميداني من سيناء، حسب وصفها، يحمل عنوان "سيناء.. حروب التيه"، ورغم الوقت المحدود للشريط المُذاع إلا أنه يطرح سؤالا أهم من محتواه: لماذا تخرج علينا الجزيرة الآن بتحقيقها المشبوه؟
لن أقول إن توقيت بث التحقيق يحمل علامات استفهام، خاصة أن شمال سيناء بالتحديد يشهد انفراجة أمنية كبيرة، وغيابا كاملا للتنظيم والعناصر الإرهابية، ونجاحا واضحا وثابتا لا مناص من الاعتراف به للعملية الشاملة "سيناء 2018"، حتى أن بعض الأصوات ذات الثقل السياسي والقبلي في المجتمع السيناوي تتحدث عن إعلان سيناء منطقة خالية من الإرهاب قريبًا، بل أقول إنه يؤكد إجابات وشواهد دامغة أكدت أكثر من مرة تورط قطر وقناتها في دعم التنظيم الإرهابي.
في تقديري أن مجرد التفكير في إنتاج هذا الشريط بمثابة استخراج شهادة وفاة للتنظيم في سيناء، بعدما عجز عن إخراج أية مادة دعائية، خاصة أن آخر إصدارين له كانا عبارة عن تجميع لقطات من إصدارات قديمة، وتمت معالجتهما بجودة رديئة للغاية، ولم يجدا أي صدى يُذكر، فقررت الجزيرة على ما يبدو أن تكون بديلًا يُعزّز وجود التنظيم، حسب تصورها القاصر، حتى لو كان على أطلال من الأكاذيب الهزيلة.
كان من المنتظر أن يُحقق التنظيم الإرهابي "التارجت" المرجو منه، بإخراج شبه جزيرة سيناء بعيدا عن سيطرة الدولة المصرية، وخلق جَيب تتمركز فيه عناصر التنظيم الواردة من كل حدب وصوب، لتصبح سيناء عاصمة احتياطية لغلمان أبي بكر البغدادي، فتتحقق أجندات إقليمية كانت تجد في سيطرة مؤسسات الدولة المصرية على هذه البقعة الفريدة حائط صد في مواجهة استراتيجيتها ومشروعاتها.
لا يُنكر أحد أن الجزيرة القطرية إحدى أدوات تحقيق أهداف بعض القوى الإقليمية التي تنتظر أن تبني إمبراطوريتها الخاصة على أطلال المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولا يخفى على الأطفال في حواري القاهرة العلاقة التي ربطت تنظيم "داعش" الإرهابي بإمارة قطر، والمعارك التي خاضها في سوريا وليبيا والعراق بالوكالة عن أربابها، وكان من المنتظر أن يحقق أهدافه في سيناء، أهم مربع استراتيجي على رقعة الشرق الأوسط، إلا أنها تحطمت أمام استراتيجية الجيش المصري، وصمود أهالي سيناء طوال فترة الحرب، واستمرار صمودهم.
منذ البداية ساندت الجزيرة ما يُعرف بـ"ولاية سيناء"، وسعت بكل قوتها الإعلامية لتضخيم عمليات التنظيم المحدودة، عبر التركيز على ترسيخ مفاهيم محددة في عقول المصريين مفادها أن التنظيم قادر على إنهاك قوات إنفاذ القانون واستنزافها في حرب عصابات داخل منطقة عمليات عسكرية ذات طبيعية جغرافية وسياسية حساسة للغاية، في وقت يمر فيه الشرق الأوسط كله بلحظات تشبه لحظة الضغط على زرّ تفجير قنبلة نووية، وكان الهدف الأول من هذا بث حالة ذعر في جنبات المجتمع المصري بعد سقوط حكم جماعة الإخوان، والسعي للضغط على الاقتصاد المصري الذي عانى وقتها وتوجيه ضربة قاضية له، والأهم الرغبة في عزل مصر عن المحيط الأقليمي بإجبارها على الانكفاء على أزماتها الأمنية الداخلية.
متلازمة لا ترغب الجزيرة في أن تخطئها، حملات هجوم إعلامية مُنظّمة تشارك فيها بقوة روافدها من المواقع الإلكترونية، وأدواتها على السوشيال ميديا مع كل إنجاز تتحققه أي دولة عربية في طريق الحرب على الإرهاب، كيماوي سوريا وجرائم الميليشيات في حق السُنة العراقيين، وأخيرًا نعي "ولاية سيناء" في شريط "سيناء.. حروب التيه" الذي يريدون من خلاله دعم التنظيم، بينما يُعلنون في الحقيقة شهادة وفاته.