رغم الشروط العسيرة.. هل هناك علاقة بين زواج المحلل والإتجار بالبشر؟
الجمعة، 20 يوليو 2018 04:00 م
الحياة الزوجية لم تكن على ما يرام بين السيدة «ثُريه» وزوجها «أشرف»، وذلك لأن شجارهما وصراخهما ملأ الآفاق المحيطة بالبيت وأصبح مثار حديث وجدل بين الجيران، كانت أعصاب الشاب «أشرف» تثور بشكل دائم على أتفه الأسباب نتيجة تسلط «ثُريه» عليه وغرورها بمالها وممتلكاتها.
الشاب «أشرف» فى إحدى نوبات غضبه الشديد طلقها، فقام المأذون بإرجاعها إليه، وفى ذات المرات ألقى عليها يمين الطلاق للمرة الثانية فجاء المأذون، وقام برد اليمين وأعاد الزوجة لزوجها للمرة الثانية، بينما فى المرة الأخيرة صرخ الشاب «أشرف» فى وجهها بأنها طالق.
وفى تلك الأثناء، وعقب العتاب والهدوء المعتاد بينهما استدعيا المأذون لارجاعهما كالعادة إلا أن «المأذون» تمرد عليهما وأعلن أنه- أى الشاب أشرف- قد أوقع الطلقة الثالثة فلا يمكن أن ترجع السيدة «ثُريه» له إلا من خلال «محلل»، بمعنى: «أن تتزوج من شخص جديد يدخل بها وتدخل به، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته طبقا للحديث النبوى».
وقف الشاب «أشرف» فى ذهول وهو يستمع للمأذون الذى أردف قائلا: «ثم يطلقها هذا الشخص، وبعد تمام عدتها منه يمكن أن يتزوجها الأستاذ أشرف مرة أخرى»، كل هذه التفاصيل أدت إلى تعقيد المشكلة لا إلى حلها حيث انتهت إلى حل هو: «أن تتزوج الأستاذة ثرية من السائق على أحد الأشخاص الذين يثق فيهم، وبعد ليلة واحدة من الزواج يقوم (على) بتطليقها وهو لا يستطيع عصيان الأوامر».
تم عقد الزواج ودخل «على» بالأستاذة «ثُرية»، حينها ذاقت عسيلته، ما أدى إلى إنبهارها وحينها أكتشفت أنها أضاعت عمرها هباء مع ذلك الرجل المسمى «أشرف» والذى عاش عدة سنوات على خيرها دون الإعتراف بجميلها عليه، وهكذا بناءاَ على عشرات الأفلام المصرية تمسكت الأستاذة «ثُريه» بزوجها الشاب «على».
المحلل فى الأعمال السينمائية
هذه القصة تشرح معنى «المحلل»، إلا أنها قصة تتكرر كثيرا فى حياتنا الاجتماعية وفى الأعمال الدرامية، وبذلك نكون قد طرقنا باباَ قلما يطرقه أحد مثلما هى أبواباً كثيرة في الشريعة لا يطرقها أحد وحتى عندما يحدث ذلك يكون طرقاً خجلاً لا يقدم ولا يؤخر لأن الأقدام في الحقيقة تؤثر السلامة ولا تريد أن تتورط في أن تلج باباً يفند ويبحث ويطرح ويقبل ويرفض، فإن العقول التى تظن أن السلامة دوماً في أن تقبل هى في قلب الخطر لأن القبول الأعمى هو قلب الخطر.
اقرأ أيضا: وهل للرجال عدة؟.. 5 حالات لعدة المرأة تعرف عليها
فى هذا الشأن، يقول المستشار الدكتور سامح عبدالله - الرئيس بمحكمة الإستئناف، أن من أكثر الأحكام التي تثير جدلاً هو هذا النظام الذى أصطلح على تسميته بـ «المحلل» وهو أسوأ ما يمكن أن يتعارف عليه مجتمع أو تجمع إنساني، يُطلق أحدهما امرأته ثلاثاً ثم يأتى بمحلل يحلها له، والحقيقة أن الشرع برئ من هذا التصور غير أن الأمر يدق عند تفسير الآية التي تناولت هذا الحكم والعلة من الحكم الشرعي وما دامت أن الأحكام تبنى على عللها، فالآية الكريمة تقول:
﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.
« زواج المُحلّلْ: صك إهانة المرأة»
تتحدث الآية إذن وفقاَ لـ «عبدالله» فى دراسته التى خص بها «صوت الأمة» بعنوان: «زواج المُحلّلْ: صك إهانة المرأة» عن حكم المرأة المطلقة ثلاثاً وهو طلاق بائن وجاءت بحكم شرعي فيما لو أراد زوجها أن يعيدها إلى عصمته، ولعل وضوح الآية ييسر علينا الأمر في أن نقول أن الزوجة التى تطلق ثلاث لا تحل لزوجها السابق إلا بعد أن تتزوج غيره زواجاً صحيحاً غير صورى وأن يدخل بها كما يقول الفقه دخولاً حقيقياً شرعياً كزوحة وأن يكون هذا الزواج بشرط الدوام وإلا وقع باطلا وأن يقع الطلاق ليس لسبب أن تحل لزوجها السابق وإلا لم يتحقق مقصود الآية.
المستشار سامح عبد الله
شروطاَ عسيرة
يعنى أن الآية تشترط شروطاً عسيرة للغاية وقلما أن تتوافر على صورتها الصحيحة فالأمر يجب أن تتوافر له عدة شروط…زواج حقيقي بنية الدوام لا تشويه ذرة من تأقيت وإلا بطل، ثم دخولاً حقيقياً لا تشوبة نية التحليل، ثم دوام العشرة كزواج حقيقى، ثم يحدث بعد ذلك شقاق ليس لسبب التحليل أيضاً، ثم يحدث الطلاق، ثم تقضى المرأة عدة المطلقة ثم يحدث زواجها بمن طلقها ثلاث بعقد ومهر جديدين.
اقرأ أيضا: إلى من يهمه الأمر.. 34 سؤالاَ للأسرة المصرية للحفاظ على حق المرأة من الطلاق للنفقة
يوضح «عبدالله»، الرئيس بمحكمة الإستئناف، أن تلك بإيجاز شروط تحقق الآية وله هنا عدة ملاحظات كالتالى: أولاً: أن المحلل لم يرد أبداً في الآية لا لفظاً ولا معنى وأن ما ورد بها هو لفظ «الحل» وشتان ما بين هذا وذاك. ثانياً: أن هناك شروط يمكن أن نصفها بالشروط القاسية التى من العسير أن تتحقق على النحو الشرعي الصحيح فأى مصادفة تلك أن تتزوج فيها المطلقة ثلاث زواج حقيقي بعيد كل البعد عن فكرة التحليل بنية الدوام والاستقرار ثم يحدث الشقاق والطلاق لغير هذا التحليل وبعد ذلك تنقضي عدتها من هذا الزوج ثم يعقد عليها من طلقها ثلاث بعقد ومهر جديدين دون أن تشوب نيتهما أية نية لهذا التحليل.
ثالثاً: إن هذا التصور يقترب في نظرنا من المستحيل ويخضع لمنطق الصدق الذى قلما يتكرر في منطق البشر لكنها متصورة على أية حال. رابعاً: أن العلة التى يدور حولها هذا الحكم الشرعى كما اتفق الفقهاء هى زجر الزوج الذى يستهين بإيقاع الطلاق على هذا النحو فتأتى الطلقة الثالثة ليترتب عليها هذا الحكم الشرعي. خامساً: ونطرحه في صورة سؤال..هل من المتصور تحقيق هذا الحكم بشروطه الشرعية السابقة واقعياً؟
وبحسب «عبدالله»- في الواقع إن قراءتنا المتأنية لهذا النص تقول أنه حقاً من المتصور وإلا ما كان حكماً شرعياً لكن ذلك يقع في نظرنا منزلة العدل بين النساء في حالة تعدد الزواج، إنها نفس الدرجة من الصعوبة التى تقترب من الاستحالة حتى أن الله قد قال في حالة التعدد بعدما أباحه: «وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا».
اقرأ أيضا: المراكز القانونية لـ«طلاقات» الزواج الثلاث.. ومدى مشروعية «المحلل»
إذن هذا الحكم الشرعى في حقيقته يحمل نفس درجة العدل بين النساء عند التعدد وهو درجة ليس من اليسير أبداً أن تتحقق، وبعد هذا التقديم نستطيع أن نضع هذا الحكم الشرعي في موضعه الصحيح وحتى لا يأخذنا التصور نحو وضع مزرى لنظرة الإسلام للزواج وللأسرة ثم للمرأة وهذا هو محور الحديث وفقاَ لـ «عبدالله».
المحلل والإتجار بالجسد
يُشير الرئيس بمحكمة الإستئناف أن تصور زواج يتم عن طريق المحلل هو أقبح صور الإتجار بالجسد، وإلباس هذه الحماقة ثوباً شرعياً هو أقبح صور الإتجار بالدين، هذا الحكم الشرعى الذى تكمن علته في عقاب الزوج الذى لا يحترم أقدس علاقة بين رجل وامرأة لا يمكن أن يُحتال عليه بهذه الصورة القبيحة، حيث أن شروط تحققه الشرعية من قبيل التعجيز الذى أراد الله سبحانه وتعالى أن يكمل به العلة منه وهى الزجر وحتى يدرك الرجل أن المرأة ليست طرفاً في معادلة يخطط لها أشقياء يرتدون أقنعة الدين.
لست في موضع أن أضع أمامكم أراء بعض الفقه والمذاهب بشأن هذا الموضوع وإلا أدخلتكم باباً قلما خرجنا منه سالمين لكننى وضعت أمامكم آيات من كتاب حكيم وإملاءات من فطرة إنسانية سليمة وحسبنا وكفانا هذا وذاك –طبقا لـ«عبدالله».
اقرأ أيضا: المراكز القانونية لـ«طلاقات» الزواج الثلاث.. ومدى مشروعية «المحلل»