بوتين واصل انتصاراته من المونديال إلى هلسنكي
الجمعة، 20 يوليو 2018 08:49 ص
كما توقع الكثيرون، لم تحسم قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي بوتين والأمريكي ترامب أية قضية أو مسألة دولية، ولم تقدم أي جديد في تطور أو تحسين العلاقات بين البلدين، بل جاءت كما، كما وصفها الكثيرون، أشبه بلقاء شخصي "ودي" بين اثنين يعرفان بعض جيداً منذ زمن بعيد، هذا على الرغم من أن اللقاء ناقش معظم القضايا المثارة بين البلدين، ووصف الرئيس الروسي بوتين اللقاء بأنه "ناجح ومثمر" وأن الأجواء كانت "إيجابية وبناءة" وأنها مثلت خطوة في إزالة الأنقاض في العلاقات بين البلدين، وقال بوتين موضحا: "إن روسيا والولايات المتحدة تواجهان اليوم تحديات أخرى تماما، ومن بينها الانعدام الخطير لتوازن آليات الأمن الدولي والاستقرار، والأزمات الإقليمية، وتمدد التهديدات النابعة عن الإرهاب والجرائم العابرة للقارات والعناصر الإجرامية، وزيادة عدد المشاكل في الاقتصاد العالمي، والمخاطر البيئية وغيرها. وليس من الممكن حل هذه المشاكل إلا بتضافر الجهود".
ودعا بوتين إلى تشكيل لجنة خبراء معنية بتطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. وأضاف موضحا: "الفكرة تتمثل في تشكيل لجنة خبراء ستضم محللين سياسيين روسا وأمريكيين ذوي سمعة حسنة، وعلماء ودبلوماسيين سابقين، وتعمل اللجنة على إيجاد القواسم المشتركة والتفكير في اقتياد التعاون الدولي إلى طريق التقدم الإيجابي المستدام".
الرئيس الأمريكي ترامب لم يكن أقل من نظيره الروسي بوتين تفاؤلاً، حيث علق على اللقاء قائلاُ: " علاقاتنا كانت في أسوأ حالاتها قبل اليوم لكن هذا تغير منذ 4 ساعات، وحتى في فترة التوتر خلال زمن الحرب الباردة، حينما كان العالم مغايرا تماما عما هو الآن، كانت الولايات المتحدة وروسيا قادرتين على الاحتفاظ بالحوار الوثيق بينهما، وعلاقاتنا لم تكن أسوأ مما هي اليوم".
أكثر من ذلك هاجم الرئيس ترامب حلفائه وصرح بأن لقائه مع بوتين أفضل من قمة حلف الناتو، مهدداً بأنه يستطيع الانسحاب من الناتو.
هذا التفاؤل "المصطنع" من الرئيس ترامب بلقائه مع الرئيس بوتين لم يقنع الكثيرين، خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الاعتقاد السائد بعد اللقاء بأن الرئيس بوتين بعد أن أبهر العالم بمونديال كأس العالم في روسيا، واصل انتصاراته وإنجازاته الكبيرة في هلسنكي، وكان الانطباع السائد على الساحة السياسية في الولايات المتحدة أن الرئيس ترامب أهان الولايات المتحدة الأمريكية وحط من شأنها في لقائه مع خصمه الروسي بوتين.
وفي تعليقه على اللقاء قال السناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين إن قمة هلسنكي خطأ مأساوي وتراجع جديد للولايات المتحدة بسبب تقاعس ترامب، وأشار ماكين إلى أن الرئيس ترامب لم يفشل في قول الحقيقة عن الخصم فحسب، بل حتى عندما تحدث نيابة عن الولايات المتحدة للعالم، فشل في الدفاع عن كل ما يجعلنا الأحرار المتمسكين بقضية الحرية في بلادنا وفي الخارج.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري بدوره أيضاً أعرب عن أسفه من تصريحات الرئيس دونالد ترامب، بعد القمة التي جمعته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واعتبرها سابقة لا يمكن الدفاع عنها.
وقال كيري، في بيان نشره على صفحته في موقع تويتر: "لقد اشتغلت في الشؤون العامة لمدة 6 عقود، ولم يسبق أن رأيت رئيسا أمريكيا يفعل أو يقول ما أقدم عليه الرئيس ترامب اليوم، فهذا شيء مؤسف لا يمكن الدفاع عنه". وأوضح كيري أن "المشكلة لا تكمن في لقاء أحد الخصوم، فقد عقدت العديد من الاجتماعات مع روسيا، وكان الكثير منها بناءً لأمريكا، فحتى لو كانت لدينا خلافات عميقة، فهذه هي الدبلوماسية".
واعتبر كيري أن "الرئيس ترامب استسلم لتضليل بوتين بخصوص الهجمات على الديمقراطية الأمريكية"، مشيرا إلى تصريح ترامب أثناء لقائه بوتين، الذي قال فيه "إنه لا يرى أي سبب لتدخل روسيا في انتخاباتنا". ووصف كيري تصريحات ترامب بأنها "ليست كلمات رئيس يحمل قضية أمريكا إلى العالم، فكيف يمكن أن يهتم بأوروبا أو بسوريا، ويفهم نهج بوتين المعروف جيدا بمهاجمته للديمقراطيات من أجل تعزيز مصالحه".
السفير الأمريكي السابق في موسكو مايكل ماكفول وصف قمة هلسنكي بأنها "مأساة فظيعة ودليل على الاستسلام التام من الولايات المتحدة"، وقال ماكفول على صفحته على "تويتر" أن الرئيس الروسي بوتين حقق انتصارا خياليا في قمته مع نظيره الأمريكي ترامب الذي لم يقدم أية مقاومة، بل خيب كل الأمال.
حاكم كاليفورنيا السابق النجم السينمائي أرنولد شوارزنيغر قال في رسالة مصورة على حسابه في تويتر للرئيس ترامب : "شاهدت مؤتمركم الصحفي مع الرئيس بوتين، وكان الأمر يبدو مخجلا. لقد وقفت هناك مثل معكرونة صغيرة مطبوخة، مثل معجب صغير، سألت نفسي متى ستطلب منه توقيعا أو صورة سيلفي". وذهب إلى نصحه بالقول: "أنتم، رئيس الولايات المتحدة، لا يجدر بكم فعل هذا. ما الذي حلّ بكم؟".
في أوروبا أيضاً كانت ردود الفعل على اللقاء سلبية للغاية، وعبرت عن ذلك الصحيفة الألمانية "برلينر مورغنبوست" التي اعتبرت أن رئيس أمريكا، دونالد ترامب، قدّم في الواقع لسيّد الكرملين ضعف الغرب على طبق من فضة، وبالتالي فإن الفائز بعد اجتماع هلسنكي أمس، هو فلاديمير بوتين بكل تأكيد. وقالت الصحيفة الألمانية إن ترامب يعتقد، بنرجسية خطيرة وساذجة، أنه منقذ للعالم، وله "شغف بالمستبدين"، لذلك ارتكب مع بوتين نفس الخطأ الذي وقع فيه مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ –أون، إذ أن الرئيس الأمريكي أخذ أقوالهم ووعودهم في ظاهرها وعلى عواهنها، رغم غياب أي أدلة ملموسة أو مكتوبة لهذه الاتفاقات، تؤكد اعتزامهم الالتزام بها.
وقالت الصحيفة الألمانية: "كيف يتعين على الولايات المتحدة وروسيا توحيد جهودهما في سوريا. فبينما يريد ترامب الضغط على إيران بسبب ضعضعتها الاستقرار في المنطقة - على سبيل المثال، ودفعها لمغادرة سوريا، يحتاج بوتين للحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية لدعم موقف الرئيس السوري بشار الأسد. أمّا بالنسبة للأزمة الأوكرانية ونزع الأسلحة النووية فلم يسمع من اجتماع هلسنكي سوى نداءات كلامية، لا تقتر بأي خطوات ملموسة".
رغم هذا الغضب الغربي والانتقادات الحادة لقمة هلسنكي وسلوك الرئيس ترامب فيها، إلا أن الرئيسان الأمريكي ترامب والروسي بوتين يصران على أنها قمة ناجحة قربت وجهات النظر رغم أنها لم تحل المشاكل والخلافات، وخاصة في الشأن السوري، حيث صرح الرئيس بوتين بعد القمة بأن روسيا والولايات المتحدة قادرتان على تولي الزعامة عالميا في مجال إحلال السلام بسوريا، معتبرا أن كل الظروف هناك ملائمة للتعاون الروسي الأمريكي من أجل تسوية الأزمة السورية. وقال بوتين إن حل قضية تسوية الأزمة في سوريا "قد يصبح مثالا للعمل الثنائي الناجح" بين البلدين، كما أشار بوتين إلى أن العسكريين الروس والأمريكيين تلقوا خبرة مفيدة بسوريا في مجال التنسيق والتعاون وأقاموا قنوات اتصال سريعة مما منع وقوع حوادث أو اشتباكات غير متوقعة في ساحات القتال جوا وبرا.
ولفت بوتين إلى أن مواقف موسكو وواشنطن حول الملفات الإقليمية لا تتطابق في جميع المسائل، إلا أن "عدد المصالح المشتركة ليس قليلا أيضا"، وأضاف مشددا: "يجب البحث عن القواسم المشتركة، وتعزيز التنسيق بما في ذلك في إطار المنتديات الدولية".
من جانبه أكد الرئيس الأمريكي ترامب أنه أولى مع نظيره الروسي وقتا كثيرا لبحث "القضايا المعقدة التي تمثلها الأزمة في سوريا". وقال ترامب في هذا السياق: "إن التعاون بين بلدينا قد ينقذ حياة مئات آلاف الأشخاص. لو نستطيع فعل شيء من أجل مساعدة الشعب السوري وتقديم مساعدات إنسانية له، فأعتقد أن كلينا سنكون مهتمين جدا بذلك. إننا سنقوم بهذا". وأشاد ترامب بالتعاون الجيد بين العسكريين الروس والأمريكيين لا سيما في سوريا.
تصريحات الرئيسين الأمريكي والروسي الإيجابية والمتفائلة لم تنعكس إيجاباً في الغرب، بل صبت الزيت على النار، سواء في أوروبا التي طعنها ترامب بالتعريفات التجارية، وبمطالباته المالية في قمة حلف الناتو، أو في واشنطن التي لم تهدأ فيها الحملات الشرسة ضد الرئيس ترامب، بل يبدو أنه ستزيد حدة بعد هذه القمة التي يرى البعض أنها زادت من شكوك خصوم الرئيس ترامب في ولائه لبوتين والعمل لحساب مصالح روسيا.