الدين العام المصري من الخديوي سعيد وحتى اليوم.. قصة عمرها 160 عاما

الأحد، 15 يوليو 2018 11:00 ص
الدين العام المصري من الخديوي سعيد وحتى اليوم.. قصة عمرها 160 عاما
الخديوى إسماعيل
كتب محمود حسن

541 مليار و305 مليون جنيه قيمة ما ستدفعه الدولة فى موازنة العام المالى القادم ( 2018-2019 ) كفوائد عن الديون، وهو ما يعتبر نسبة 38% من إجمالى المصروفات التى ستنفقها الدولة فى العام المالى القادم ( 2018-2019 ) والبالغة 1 تريليون و424 مليار جنيه.

ولا شك ان الدين العام المصرى ليس مجرد رقم يدرج فى الميزانية، بل هو قصة طويلة وغريبة تحكى الكثير عن تاريخ هذه البلاد، والصعوبات التى واجهتها على مدار تاريخها الطويل والصعوبات التى مر بها المصريون، وسنوات عدم الاستقرار والمحاولات الوطنية لمواجهة هذا الدين مع تنوع أسبابه داخليا وخارجيا.

وفى بيانها المالى قالت وزارة المالية إن التحدى الأكبر للسياسة المالية التى تنفذها يتمثل فى القدرة على تحجيم الدين العام خاصة مع الصعوبات التى تواجهها الحكومة فى تخفيض حجم الإنفاق العام الذى يرتبط بمتطلبات جماهيرية حتمية سواء بالنسبة للأجور أو الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وكذلك الاستثمارات اللازمة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وهو ما عملت عليه الحكومة هذا العام من إجراءات للحد من التزايد فى هذا الدين، درءا لآثاره على الدخل القومى وتحجيما للأعباء المترتبة على خدمة هذا الدين وتقليلا لنصيب الأجيال الحالية والقادمة من هذا الدين؛ بحسب البيان المالى.

لكن كيف بدأ الدين المصرى قبل 161 عاما، وكيف زادت الديون فى بعض الفترات الهامة والحرجة وكيف استطاعت الدولة السيطرة عليها فى فترات وكيف أجبرت الدولة على الاستدانة فى فترات تاريخية أخرى، فلهذا قصة طويلة نستعرضها فى هذا الموضوع.

القرض الأول فى تاريخ مصر .. حين وقف الجزارين على أبواب الخديوى سعيد لنيل ديونهم من الموظفين.

فى كتابه تاريخ مصر الاقتصادى بالعصور الحديثة الصادر سنة 1944، يحكى المؤرخ المصرى محمد فهمى لهيطة، كيف كان القرض المصرى الأول فى زمن الخديوى سعيد عام 1957، حين تورط الخديوى سعيد فى تأخر سداد رواتب الموظفين فى دواوين الحكومة، وعجزت الخزانة المصرية عن سداد الرواتب إلى الدرجة التى دفعت الجزارين والبقالين إلى الوقوف أمام أبواب "نظارة المالية" للمطالبة بمستحقاتهم من الموظفين.

فى هذه الفترة أصدرت الدولة للمرة الأولى بنصيحة من ديليسيبس صديق الخديوى سعيد أذونات الخزانة لمدد تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات بفوائد تصل إلى 18%، وعقد أول قرض خارجى مع مصرف فرنسى وقيمته 1.2 مليون جنيه استرلينى بفائدة 6%، ثم فى عام 1862 اقترض قرضه الثانى من أحد المصارف الألمانية بقيمة 2.5 مليون جنيه استرلينى.

وبحسب الدكتور جلال أمين فى كتابه "قصة الاقتصاد المصرى" فإنه وبوفاة الخديوى سعيد فإن ديون مصر كانت قد بلغت 18 مليون جنيه، وهو ما كان يعادل فى هذا الوقت 3 أمثال إجمالى إيرادات الدولة المصرية، وتتكلف مصر من فوائد الديون سنويا ما قيمته 260 ألف جنيه.

 

الخديوى إسماعيل.. قصة خديوى أطاحت به الديون

 

للخديوى إسماعيل يد لا يستطيع أحد أن ينكرها على نهضة مصر خاصة المعمارية فى العصر الحديث، لكنه أيضا عرف بميله الشخصى للبذخ والمغالاة فى المظاهر والإنفاق دون تعقل، كما يعرف الجميع أيضا كيف كانت الديون هى التى أطاحت بالخديوى اسماعيل من منصبه ونفته إلى الأستانة وولت نجله توفيق بدلا منه.

 

لكن الكثير من قروض الخديوى إسماعيل كانت مبررة، مثل قرض الدائرة السنية الذى اقترضه سنة 1865 لتعويض الفلاحين عن هبوط أسعار القطن بشكل كبير بعد عودة القطن الأمريكى إلى الأسواق على إثر توقف الحرب الأهلية الأمريكية، وهى الحرب التى أسهمت فى ارتفاع قيمة القطن المصرى لسنوات طويلة انتبه فيها العالم إلى أهمية هذا القطن واستوردته بدلا من القطن الأمريكى، وكان قرض الدائرة السنية بقيمة 3 مليون و387 ألف جنيه، وفقا لما أورده عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "عصر إسماعيل" لكن قرضا آخر مثل قرض عام 1868 فقد ذهب لبناء قصور عابدين والعباسية والجيزة وهو القرض الذى رهنت لأجله مصر إيرادتها من الملاحات ومصايد الأسماك مثلا، ويروى السير تيودور روزشتين فى كتابه "خراب مصر" إن أول دين اقترضه اسماعيل كان فى سنة 1862 وكان يبلغ 3 مليون جنيه، وبعدها بعشرة سنوات فقد وصلت الديون للحكومات الأجنبية إلى 68 مليون جنيه، بخلاف 25 مليون جنيه لرجال الأعمال الأجانب، تبدو الأرقام بمقاييس هذا اليوم صغيرة، ولكن بمقاييس هذا الزمن فإن إجمالى إيرادات الدولة المصرية لم يزد وقتها عن 2 مليون جنيه.

 

ونظرا لهذا الدين فقد تم وضع نظام "الرقابة الثنائية" عام 1876 وهو وجود رقيبان ماليان أوربيان – إنجليزى وفرنسى - فى الحكومة المصرية لا تصرف الدولة المصرية مليما دون الرجوع إليهما، بل إن أول وزارة فى مصر وهى وزارة نوبار باشا، والتى عينت سنة 1878 كان بها وزيران، أحدهما فرنسى للإشغال والآخر إنجليزى للمالية، وكان لهما حق إيقاف أى قرار يتخذه مجلس الوزراء.

 

ولعل واحدا من أغرب ديون اسماعيل هو ما يروه الدكتور رؤوف عباس وعاصم الدسوقى فى كتابهما تاريخ الملكية الزراعية فى مصر حول "قرض المقابلة" حيث سن الخديوى اسماعيل قانونا عام 1871 بأن من يدفع مقدما 6 أمثال الضريبة المقررة على أرضه سنويا، أن يعفى من نصف الضريبة إلى الأبد، ولا تزداد ضريبة أرضه مستقبلا، ويحصل على حجة تفيد دفع المقابلة، وهو ما تسبب فى تدمير بنية الاقتصاد المصرى الحديث.

 

أما الدكتور جلال أمين فيقول فى كتابه قصة الاقتصاد المصرى فإنه فى سنة 1976 كانت ديون مصر الخارجية قد بلغت حوالى 91 مليون جنيه، وفوائدها أكثر من 6 مليون جنيه، وهو فى ذلك الوقت حوالى 80% من الموازنة، لكن الديون الخارجية زادت حتى وصلت إلى 116 مليون جنيه فى عام 1900 ، 40% من إيرادات الحكومة خصصت لسداد الديون المتراكمة

الطريف فى الأمر أن الدكتور جلال الدين أمين يرى أن ديون الخديوى سعيد كان يمكن التخلص منها عبر تخفيض الانفاق الحكومى بأقل من 20% خلال السنوات الأولى من حكم اسماعيل.

 

الاستعمار البريطانى.. قصة حربين عالميتين ساعدتا مصر على التخلص من الديون

 

تدخل الاستعمار البريطانى فى إدارة الموارد المصرية بدافع المساعدة على التخلص من الدين العام لمصر، وبالفعل نجح الاستعمار فى العمل على زيادة مساحة الرقعة الزراعية بدافع توليد إيرادات من النقد الأجنبى لخدمة الدين الخارجى، وبدافع من الاستعمار زادت الاستثمارات الاجنبية فى مصر فقد كانت فى عام 1892 ستة مليون جنيه، ثم 11.4 مليون فى عام 1897 ثم تضاعفت لتصل إلى 60 مليون سنة 1907.

وباندلاع الحرب العالمية الأولى كانت مصر بعيدة عن هذه الحرب التى كانت إلى حد كبير حربا دارت رحاها فى أوربا وخنادقها، وحتى حين اختلطت بالمنطقة العربية دارت رحاها فى بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية، ولم تتأثر مصر منها بشكل مباشر، بل كانت بمثابة قاعدة انطلاق لقوات الحلفاء فزادت قدرة مصر على التصدير، وحققت مصر نمو فى ميزان المدفوعات 139 مليون جنيه ، لكن المشكلة أن هذه الزيادة بأكملها كانت تلتهمها فوائد الديون الموجودة منذ عهد اسماعيل بتلتهمه، لكن أصل الديون المصرية انخفض حتى وصلت سنة 1934 20% من الناتج المحلى، مقارنة بـ 100% عند بداية الاحتلال الانجليزى، بحسب الدكتور محمد فهمى لهيطة فى كتاب الاقتصاد المصرى الحديث.

 

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت مصر قاعدة لإنفاق قوات الحلفاء، وتحولت لدولة لاستثمار فوائض رؤوس الاموال، وزادت النفقات العسكرية لبريطانيا فى مصر، حتى وصلت فى سنوات الحرب إلى 314 مليون جنيه، أي ما يعادل 8 امثال إجمالى ديون مصر في هذا التوقيت، وبحلول عام 1943 اتخذ أمين عثمان وزير المالية فى حكومة الوفد قرار "تمصير الديون المصرية"، بمعنى ان يشترى المصريين ديون مصر وتمكنت مصر فى هذا العام من سداد آخر ديون الخديوى سعيد وإسماعيل.


عبد الناصر.. الديون التى لا مفر منها من أجل "التنمية"

 

ظلت مصر غير مديونة تماما حتى نهاية عام 1958، لكن رغم ذلك فقد كان اقتصادها اقتصادا أوليا وبدائيا قائما على الزراعة بشكل كبير، لكن رغبة جمال عبد الناصر فى تحويل مصر إلى التصنيع، وكذلك وجود عدد من المشروعات الملحة مثل بناء السد العالى الذى سيسهم عند اكتماله فى مضاعفة الرقعة الزراعية المصرية.

 

وهكذا كان القرض المصرى الأول منذ 15 عاما، والذى جاء لتمويل مجمع الحديد والصلب بحلوان من الاتحاد السوفيتى بقيمة 170 مليون دولار ، ثم قرض آخر لتمويل المرحلة الأولى لبناء السد العالى بقيمة 97 مليون دولار، لكن هذه القروض انعكست فى الوقت نفسه على معدل الاستثمار فى المقابل زاد بمعدل من 12.5% عام 59 إلى 17.8% عام 1965، بحسب الدكتور على الجريتلى فى كتابه التاريخ الاقتصادى للثورة.

 

النكسة .. اللحظة التى تسببت فى تغيير "كل شيء"

 

عام 1967 كانت مصر قد انتهت لتوها من الخطة الخمسية الأولى لإصلاح الاقتصاد، كانت النتائج رائعة على كل المستويات، أصبح لدينا مصانع فى كل المجالات، زادت الرقعة الزراعية بفضل مشروعات الاستصلاح الزراعى، كنا ننتظر أن ينتهى السد العالى لتتضاعف هذه الرقعة أكثر فأكثر ثم حدثت "النكسة".

تسببت النكسة فى انخفاض شديد لموارد مصر الذاتية من العملات الأجنبية، فقد توقفت قناة السويس وستبقى متوقفة حتى يعاد افتتاحها عام 1975، وفقدت مصر آبار البترول فى سيناء، واستهدف العدو مصافى النفط فى السويس، كما كان لدينا مليون نازح من مدن القناة يجب على الدولة إعادة توطينهم على الفور، أما السياحة التى كانت تدر على مصر فى هذا الوقت 100 مليون دولار سنويا فقد توقفت تماما ى اثناء حروب الاستنزاف.

 

وفى هذه الفترة اعتمدت مصر على الاقتراض من البنوك التجارية بقيمة 37 مليون جنيه وهو بداية ظهور الدين الداخلى، وبرحيل عبد الناصر - الصادم والمفاجئ -  كانت ديون مصر قد بلغت 5 بليون دولار.

 

حين صرخ السادات فى البرلمان: الاقتصاد المصرى وصل لمرحلة الصفر

 

استلم السادات تركة ثقيلة، وكان أهم ما يواجهه هو الاهتمام باستكمال إعادة بناء الجيش المصرى والذى بدأ فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خاض الاقتصاد المصرى ملحمة صعبة وحقيقية من أجل مساندة البلاد التى كانت على وشك خوض حربها عام 1973، استطاع المصريون التكاتف – كعادتهم – بجوار جيشهم وبلادهم فى محنتها، وبعد انتصار اكتوبر وبحلول عام 1975.

 

ولا شيء يمكن أن يصف حالة الاقتصاد المصرى فى هذه اللحظة أكثر من قول الرئيس أنور السادات نفسه فى مذكراته الشخصية التى حملت عنوان "البحث عن الذات" حين قال: "استدعيت وزير المالية و الاقتصاد د.حسن عباس زكى و سألته عن الموقف الاقتصادى فقال ببساطة : إن الخزينة فاضية، وإننا نكاد نكون فى حالة إفلاس، قلت له: كيف وصل الحال إلى هذا؟ ألم تخبر جمال؟ فقال: أنا قعدت ألبس طاقية ده لده ولكن دلوقتى خلاص.

أرسلت واقترضت 20 مليون جنيه ولكن حسن عباس زكى قال لى إن هذا الملبغ لم ينفع كثيرا، وكنت أذعر فعلا، عندما أدركت أننا على وشك أن يأتى اليوم الذى لا نملك فيه رواتب الجنود المرابطين على الجبهة و مرتبات الموظفين فإذا جاء يوم و لم يقبضوا رواتبهم و عرفوا أن أهلهم فى مصر لا يجدون ما يأكلونه فسوف يتركون الجبهة وتنهار مصر،  طبعا كافحت و استعنت بكل مدد يمكن الإستعادة به، ولم أشعر طوال سنة 71 و سنة 72 بحقيقة الكارثة و لكن قبل المعركة بخمسة أيام واجهت مجلس الأمن القومى بحقيقة اقتصادنا و بأنه تحت الصفر و هذا أمر لو صادف غيرى أو أى انسان لابد أن يخيفه و لكنى فكرت و قررت، ولا اعتقد ان احدا مكانى سيجد الشجاعة لإصدار أى قرار و لكننى كنت على ثقة أن مفتاح كل شئ سياسيا و اقتصاديا و عسكريا هو أن نصحح هزيمة سنة 1967 لكى نستعيد ثقتنا فى أنفسنا وثقة العالم بنا فلم يكن الوضع الاقتصادى سوى بعد واحد من أبعاد المشكلة".

 

وفى بداية عام 1977 حاول الرئيس السادات إجراء تصحيح هيكلى فى الاقتصاد المصرى، عبر تخفيض الدعم، لكن الغضب الشعبى الذى ووجه به فى 18 و19 يناير جعلته يتراجع عن قراراته الاقتصادية، ولعل هذا التراجع عن هذا القرار الاقتصادى كان بداية تضخم المشكلة لا حلها، ففى عام 1977 اقترضت مصر ما قيمته 8.1 مليار دولار، وفى سنة 1981 اقترضت 14.3 مليار دولار، بحسب الدكتور جلال أمين.

 

لكن المشكلة الرئيسية ان هذه السنوات صاحبها زيادة سكانية كبيرة، وكذلك هجرة أكبر من المواطنين من الزراعة إلى القاهرة بحثا عن العمل فى قطاع "الخدمات" الذى بدأ يزدهر فى هذا الوقت، وبرحيل السادات أصبح الدين الخارجى 30 بليون دولار.

 

"الثمانينات".. أزمات الركود العالمية تضرب مصر

 

مع بداية الثمانينات كان العالم فى طريقه لما سمى بأزمة "وفرة البترول"، فبعد سنوات من ازدهار البترول واسعاره على أثر ازمة "النفط" التى اعقبت حرب اكتوبر، انخفضت اسعاره بشدة بقدوم الثمانينات، فانخفضت إيرادات مصر البترولية وانعكس ذلك على العمالة المصرية فى الخليج التى انخفذت تحويلاتها الخارجية، كما انخفضت أيضا الإيرادات القادمة من قناة السويس نتيجة انخفاض حركة السفن بسبب ازمة الركود بحوالى 50%.

 

وتوقفت بالطبع بعض المعونات المصرية التى كانت قد اقرت فى القمة العربية فى الخرطوم عام 1967 حين اعتمدت الدول العربية مساعدات لدول المواجهة الثلاثة، لكنها توقفت بشكل تام مع دخول اتفاقية كامب ديفيد إلى حيز التنفيذ وبدء المقاطعة العربية، ووصل الأمر ذروته عام 1986 مع ذروة الأزمة، وزاد حجم الدين المحلى بنسبة 21% خلال الثلاث سنوات التالية لانخفاض سعر البترول ليبلغ 45.7 مليار دولار بحسب الدكتور جلال أمين، فى كتابه معضلة الاقتصاد المصرى.

 

الأكثر من هذا أن البنية التحتية المصرية كانت قد وصلت إلى مرحلة كبيرة من التهالك غير المقبول، وهو الأمر الذى استدعى من الدولة فى هذه المرحلة التوجه لإصلاح البنية التحتية لتهيئة البلاد لاستقبال أى استثمارات خارجية.

 

وظلت معضلة الديون المصرية مستمرة فى ظل الزيادة السكانية الرهيبة فقد كان عدد سكان مصر عام 1981 يبلغ 45 مليون شخص حسب تقرير البنك الدولى، ليصل إلى 85 مليون شخص بحلول عام 2011 بما يعنى أنه وفى خلال 30 عاما فقط تضاعف عدد سكان مصر، بشكل أثار الأزمات المتتالية، وجعل الدولة فى كثير من الأوقات عاجزة عن اتخاذ قرارات جذرية لحل بعض المشكلات، مثل انتشار العشوائيات وغيرها.

 

"سنوات ما بعد الثورة".. الدولة تدفع ثمن عدم الاستقرار

 

دفع الاقتصاد المصرى ثمنا مريرا بسبب سنوات ما بعد الاستقرار التى تلت ثورة 25 يناير، فقد ارتفع عجز الموازنة بشكل كبير، نتيجة ضغوط زيادة الأجور على موازنة الدولة واتخاذ الحكومات فى سنوات 2012 و2013 سياسات إرضائية فى مسألة التعيين فى الجهاز الإدارى للدولة، وعدم قدرتها فى الوقت نفسه على اتخاذ إجراءات جذرية لحل المشكلات الأزلية.

 

وتماما كما فى بداية الثمانينات كانت البنية التحتية قد تهالكت بدورها، مع ارتفاع قياسى فى تعداد سكان مصر ليصل إلى 100 مليون مواطن بحلول عام 2017 بزيادة قدرها 15 مليون شخص فى خلال 6 سنوات فقط.

بخلاف الضربات التى تعرضت لها مصر فى مجالات السياحة، والتصدير، وتلاعب البعض بسوق النقد الأجنبى الذى تم استنزافه تماما فى أزمنة ما بعد الثورة.

ويوضح البيان المالى الذى أصدرته الحكومة كيف خلق كل هذا عبئا ثقيلا على الاقتصاد المصرى، فكان إجمالى قيمة الدين عام 2009 يبلغ 705 مليار جنيه، وفى العام التالى بلغ 810 مليار، ثم قفز إلى 966 مليار فى 2011، ومن جديد فى 2012 يصل إلى 1 تريليون و143 مليار، وبعدها يصل إلى 1 تريليون و458 مليار فى عام 2013، ووصولا إلى 3 تريليون و752 مليار فى فبراير من عام 2018، مدفوعا بالعجز الكبير فى الموازنة العامة.

 

ماذا بعد ؟ .. الإصلاح والعزيمة

 

تبقى قصة الدين العام لمصر، قصة تراجيدية، تبدو فى أحيان غير مبررة مثل بعض ديون الخديوى إسماعيل، لكنها فى أحيان أخرى أو فى أغلب الأحيان كانت أمرا لا مهرب منه، مثل ديون عبد الناصر لبدء التصنيع، أو الديون التى أعقبت فشل محاولة الاصلاح الاقتصادى للسادات، وكذلك ديون إصلاح البنية التحتية المصرية، لكن الأمل فى انتهاء هذا الدين وانتفاؤه تماما عبر الأجيال ليس أمرا مستحيلا، فقد نجح فيه المصريون مرة حين تكاتفوا واهتموا بتطوير اقتصاد بلادهم واستفادوا من التغيرات العالمية الواقعة، بل وقاموا بشراء الديون من الأجانب كى تصبح ديونا وطنية خالصة، وهى أيضا ليست "حكاية مصرية" خالصة، بل هى ربما قصة "الاقتصاد الحديث" كله.

 

ولمعرفة كيف ان هذا الدين قصة "العالم" يمكننا الرجوع إلى تقرير صندوق النقد الدولى الذى أصدره فى منتصف إبريل الجارى، وكيف أن إجمالى الديون العامة والخاصة فى العالم يبلغ 164 تريليون دولار، ويمثل 225% من إجمالى الناتج العالمى، يبلغ ديون الولايات المتحدة الأمريكية منهم حوالى 20 تريليون دولار، ويتجه إلى مزيد من النمو

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق