بعد ارتفاع معدلات زواج الأطفال.. هل نحتاج تعديلا تشريعيا أم تغييرا في الثقافة؟
الجمعة، 13 يوليو 2018 08:00 م
مشاكل نفسية وانهيار مجتمعى قد يواجهه المجتمع المصرى خاصة فى الريف، إذا لم ننتبه الدولة لخطورة قضية زواج الأطفال، حيث إن معدلات انتشار هذه الظاهرة الخطيرة فى تزايد مستمر، فرغم أن الدستور وضع موادا تنص على حماية الطفل، إلا أنه لا يوجد نصا دستوريا صريحا يحمى الأطفال من كارثة الزواج المبكر بشكل مباشر، حيث اقتصر فقط على التأكيد على التزام الدولة برعاية الأطفال وحمايتهم من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى.
بدأت ظاهرة زواج الأطفال تتجلى للمجتمع المصرى منذ عقود طويلة، فكان ومازال للمصريين عاداتهم وتقاليدهم المعروفة، والتى من بينها عادات نتمسك بها ونحاول تطويرها يوما بعد الآخر، وعادات أخرى ننفر منها ونحاول طيها مع مرور السنين، إلا أن البعض لا يزال يتمسك بها ولا يحاول حتى فهم أسباب نفور الباقيين منها، ولعل أخطر هذه العادات هى زواج الأطفال، والتى تفاقمت مع تقدم المجتمع وتطلعه إلى الوصول لمستوى الدول المتقدمة.
عندما نعرف أن هناك طفلا عمره 12 عاما أعلن عن خطبته من طفلة عمرها 10 أعوام فى حفل ضخم ضم أفراد عائلتى الطفلين فى قرية تابعة لمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية، علينا التوقف وطرح مجموعة من الأسئلة التى قد لا نجد لها إجابات، فكيف لطفل مازال يأخذ مصروف يده من والده أن يتزوج فى هذها المرحلة العمرية؟، ولماذا وافق والد الطفلة على هذه الزيجة؟ ثم ماذا بعد؟ وما هى تحركات الدولة لحماية هؤلاء الأطفال؟ وهل نحن بحاجة لتعديل تشريعى للتصدى للظاهرة؟
الأزمة ليست وليدة اللحظة، فقد عرف المجتمع المصرى منذ القدم زواج الأطفال، حيث ترك لنا التراث العفن هذه الموروثات لتقضى على أحلام مستقبلية مشروعة تدور كلها حول النمو والتقدم نحو الأفضل، ولكن الأزمة تزيد حيث كشف مؤخرا تقرير لخط نجدة الطفل الذى أطلقه المجلس القومى للأمومة والطفولة التابع لوزارة الصحة، عن ارتفاع عدد البلاغات التى يتلقاها الخط حول زواج الأطفال، ليصل إلى 61% من إجمالى البلاغات المقدمة خلال 2018.
التقرير الذى نشره المجلس القومى للأمومة والطفولة عبر موقعة الرسمى، أكد أيضا أن هناك ارتفاعًا كبيرًا فى أعداد البلاغات التى استقبلها الخط من محافظة الفيوم التى استحوذت على ما يقرب من 91% من أعداد البلاغات، حيث ينتشر بها زواج الأطفال، وهو ما ظهر من خلال قراءة عدد البلاغات خلال النصف الأول لعام 2018، والتى بلغت 193 بلاغًا من أصل 218 بلاغًا بالفيوم منذ عام 2014.
وإن كانت محافظة الفيوم هى الأولى فى زواج الأطفال، فقد يقول البعض إن ذلك لأنها محافظة ريفية وتغلب عليها بعض العادات والتقاليد والثقافات الخاصة، ولكن الغريب أن تحتل محافظة القاهرة المرتبة الثانية بين المحافظات التى ينتشر فيها زواج الأطفال بعد الفيوم بنسبة 7.4%، والأغرب أن تكون الجيزة فى المرتبة الثالثة، حيث إننا نتكلم عن محافظتين يطلق عليهما مع القليوبية "القاهرة الكبرى"، وهى العاصمة التى تعتبر منبعا للثقافة ومركزا لنشر التحضر بين أفراد الشعب.
لا يمكن إطلاق التقرير على مستوى الجمهورية، ولكنه يعد مؤشرا خطيرا على ارتفاع معدلات زواج الأطفال، خاصة عند مقارنته بالسنوات الماضية، الأمر الذى يتطلب تضافر جهود المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وفى مقدمتها الأزهر والكنيسة، من خلال التوعية والتثقيف فى الخطب والمحاضرات الدينية وتفنيد الأباطيل الفقهية المتعلقة بالظاهرة الخطيرة.
المجلس القومى للطفولة كان له موقفا واضحا من هذه القضية الخطيرة، حيث أكد على ضرورة مواجهة التحديات الخاصة بالتصدى لظاهرة زواج الأطفال، خاصة زواج الصفقة الذى يتم بالتحايل على القانون من خلال عقد زواج عرفى ثم تصديقه بعد بلوغ الفتاة السن القانونية، وشدد على ضرورة الاستناد إلى حكم المادة 116 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 الذى يضاعف العقوبة إذا وقعت الجريمة على طفل.
وأوصى المجلس القومى للطفولة بتعديل نص المادة رقم 227 / 1 من قانون العقوبات التى تنص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق»، بحيث يتم اعتبار السن من البيانات الجوهرية، وتشديد العقوبة بالسجن على المأذونين، ويتم معاقبتهم على أساس كونها جناية، إلى جانب اعتبار التحايل على تصديق عقد الزواج جنحة.
وهناك تقرير سابق للمجلس القومى للسكان، التابع لوزارة الصحة والسكان، يؤكد أن 14.6 % من الفتيات المتزوجات فى مصر يتزوجن فى سن من 15 إلى 19 سنة ، أى يتزوجن وهن أطفالاً، وذلك وفقا لنتائج المسح الصحى السكانى، ويشير التقرير إلى أن زواج الأطفال يفاقم من حجم المشكلة السكانية بمصر على مستويين الأول أنه يزيد من أعداد المواليد بما يقارب 244 ألف طفل سنويا، أن 500 ألف فتاة ممن يتزوجن قبل 18 سنة يتعرضن لمخاطر الحمل والولادة.
وطبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن السبب الأول فى وفيات الفتيات لمن هن فى سن المراهقة، هو الحمل والولادة، مشيرا إلى أن 71% ممن يتزوجن فى سن الطفولة قبل 18 سنة يتعرضن لمضاعفات صحية خطيرة، وأن 49% من تلك الحالات تصاب بـ«تعسر فى الولادة»، و19% منهن يصبن بـ«النزيف»، وأن 12% يتعرضن للإجهاض، كما أن 88% يصبن بـ«الناسور البولى».
اقرأ أيضا:
على خطى الدول المتقدمة.. كيف توفر منظومة الصحة الجديدة الخدمة اللائقة بالمواطن؟
إشادة إيطالية بتطوير المنظومة الصحية فى مصر.. تعرف على خطة علاج مرضى «فيروس سي»؟
بعد تراجع معدلات انتشارها في مصر لـ60%.. كيف تواجه الدولة جريمة «ختان الإناث»؟ (صور)
بتكلفة تزيد عن 5 مليارات.. كيف تقضى الصحة على «فيروس سي» مع تطبيق التأمين الصحى؟