«البيضة والحجر».. كيف يستولى الدجالون والمشعوذون على أموال المواطنين دون عقاب؟
السبت، 07 يوليو 2018 05:00 م
زادت فى الفترة الأخيرة معدلات الجريمة المرتبطة بممارسة الدجل والشعوذة، ليس فى مصر وحدها إنما توغلت الظاهرة فى معظم بلدان العالم العربى، حيث يلجأ النصابين لتلك الزاعم من أجل جمع ثروات طائلة خلال أوقات قياسية، مستغلين الجهل والفقر، وكذلك الأمراض النفسية للضحايا الذين يقعون كفرائس سهلة تسلم نفسها للصياد بكل سهولة، حتى يتحكم فيهم ويبيع لهم الأوهام، مقابل أموال يجمعها هؤلاء النصابين.
آلاف الأشخاص فى مصر يدعون القدرة على علاج الأمراض المختلفة خاصة النفسية، ويزعمون كذلك قدرتهم على حل المشكلات الاجتماعية وفك السحر باسم الدجل والشعوذة وتحضير الجان، وآخرون يزعمون أيضا قدرتهم على علاج الأمراض والمس من الجان باستخدام القرآن والإنجيل، وأغلبهم يمارسون أنشطتهم منذ سنوات، خاصة فى القرى، ويجمعون من وراء ذلك أموالا طائلة تقدر بالمليارات، حيث تؤكد دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن مصر رغم الظروف الاقتصادية الصعبة بها، إلا أنها تنفق أكثر من 10 مليارات جنيه سنويا على الدجل والشعوذة، خاصة أنه مازال هناك الآلاف من المصريين الذين يعتقدون بالسحر والمس من الجن وغيرها من الخرافات المنتشرة، بسبب الجهل والفقر وانعدام الوعى الاجتماعى والثقافى لديهم.
ألاعيب وحيل الدجالين لا تنتهى وليست ذات قالب ثابت، فتعدد أساليب المراوغة ونصب السباك للضحايا على حسب كل دجال أو نصاب، فتجد بعض الدجالين يستقطبون ضحاياهم من المهوسين بأعمال الربط والسحر من أجل تحقيق رغبات معينة، وتجد آخرين يوهمون ضحاياهم بقدرتهم على تسخير الجان لفتح المقابر الأثرية بمقابل مادى كبير، كما تجد نصابين يلهثون وراء الثراء السريع، فيستقطبون ضحاياهم بزعم توليد الدولارات بطرق معينة يزعمون قدرتهم على تنفيذها، إلى جانب الذين يوهمون الناس بقدرتهم على شفاء الأمراض المستعصية والنادرة، أو علاج العقم عند الرجال والنساء، وغيرها من الحيل التى لا حصر لها.
منذ ثلاثة أيام، تمكنت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، من ضبط أخطر دجال فى مصر، والمعروف بالشيخ "كيرلس"، لاتهامه بالنصب والاحتيال على المواطنين فى جميع الدول العربية، منذ 4 سنوات، حيث وردت معلومات تفيد بأنه ينصب على المواطنين تحت مسمى معالج روحانى متخصص فى علاج الأمراض العضوية والنفسية بالطاقة الكونية، وحصوله على شهادات علمية من جامعات ومعاهد دولية ومصرية "مزورة"، من أجل الاستيلاء على أموالهم، وأثبتت التحريات أن ثروته من ممارسة نشاطه الإجرامى تجاوزت الـ18 مليون جنيه.
وفى نفس السياق، تمكن رجال مباحث قسم أول شرم الشيخ، من القبض على دجال ادعى قدرته على إخراج الجن وفك الأعمال، وزعم أنه "مغربى الجنسية"، ويتخذ من مسكنه مسرحا لممارسة أعمال الدجل والشعوذة، وتبين أنه أنشأ صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى بدعوى العلاج وفك الأعمال وتسخير الجن، وقدرته على فك المربوط، للاستيلاء على أموال المواطنين والنصب عليهم خاصة السيدات، حيث تبين من التحريات أنه مارس الجنس مع سيدة داخل شقتها 12 مرة بزعم «فك سحر»، وبتفتيش مسكنه عثر على العديد من الأحجبة والبخور والأحبار والأوراق التى تستخدم فى أعمال الدجل والشعوذة.
وفى سياق متصل، تمكنت الأجهزة الأمنية بدمياط، من القبض على عاطل يمارس أعمال الدجل والشعوذة بقرية شرباص التابعة لمركز فارسكور، وينصب على المواطنين بزعم علاجهم من المس والجان، ويتحصل على مبالغ مالية كبيرة نظير ذلك، كما أنه يطلب معاشرة السيدات جنسيا بزعم إخراج الجان من أجسادهن، حيث تبين أنه استولى على 20 ألف جنيه ومصوغات ذهبية من إحدى السيدات، كما طالبها بمعاشرته جنسيا حتى يتمكن من إخراج الجان الذى أوهمها به، حتى تم ضبطه وحبسه من قبل النيابة العامة.
وفى واقعة أخرى، فقد تمكنت مباحث الجيزة من ضبط عامل بمنطقة الصف بعد اتهامه بقتل طفلته، حيث ذكر أفراد أسرته أن الطفلة فارقت الحياة، نتيجة تعرضها للخنق بـ«إيشارب» كانت ترتديه أثناء نومها، إلا أن والدة الطفلة اتهمت طليقها «والد الطفلة» بالتسبب فى قتل الطفلة بعدما أقنعه دجال بقتلها حتى يتمكن من فتح مقبرة أثرية، كما نجحت مديرية أمن الإسكندرية فى ضبط عاطل، لمزاولته نشاطًا إجراميًا باسم الدجل والشعوذة، حيث يوهم المواطنين بقدرته على شفائهم من الأمراض النفسية وقضاء حواجئهم المختلفة وحل مشاكلهم الزوجية وجلب الحبيب وإعادة المطلقة لزوجها، من أجل الاستيلاء على أموالهم وتحقيق ثروات طائلة فى زمن قياسى.
الأمر يتفاقم أكثر فأ:ثر حتى أصبح لهؤلاء الدجالين والنصابين إعلانات على بعض شاشات الفضائيات، إلى جانب صفحات التواصل الاجتماعى التى يروجون من خلالها لأعمالهم المشبوهة فى رحلة تحقيق الثراء السريع على حساب الفرد والمجتمع، حيث لم يعد البسطاء فقط هم الباحثون عن تجار الخرافة وبائعى الوهم والسحر والمروجين للدجل والشعوذة، وإنما امتد الأمر للكثير من أصحاب الفكر والأغنياء، المعتقدين فى وجود ضالتهم بهذا العالم الخفى، فيشغلهم الزئبق الأحمر ليكملوا به العفريت الذى يولّد دولارات، وغيرها من مزاعم الشفاء والإنجاب والزواج والطلاق والرزق.
إن حكم الشخص الذى يذهب إلى دجال أو مشعوذ، واضح وصريح، وفقا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من آتى كاهنا أو عرافا وصدقه فقد كفر"، وفى رواية أخرى فـ"كأن زنى فى أمه سبعين مرة"، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، كما أن جريمة الدجل والشعوذة تدخل قانونا فى إطار جرائم النصب والاحتيال، ويتم وصفها بأنها جنحة، حيث ينتحل المتهم "صفة" وليس باعتباره دجالا أو مشعوذا، ويتحصل من الضحية على أموال مقابل هذه الصفة، إلا أن معظم القضايا تنتهى ببراءة المتهم، لصعوبة إثبات أركان الجريمة.
البرلمان أيضا انتبه لخطورة تفشى هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة أنها تعتبر جريمة كاملة فى حق الشعب والدولة، حيث أكد الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب، فى وقت سابق، أنه سيتقدم بطلب عاجل إلى رئيس البرلمان الدكتور على عبد العال، حول ما يتم بثه من إعلانات فى بعض الفضائيات حول الدجل والشعوذة والعلاج الطبى والنفسى وغيرها، حول خطورة الظاهرة أشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار كمية كبيرة من الإعلانات التى تعد إعلانات مشبوهة، وتضر بالمواطن، وليس للعلاج، كما يروج لها من أكاذيب ودجل، مشددا على ضرورة اتخاذ اللازم من خلال الحكومة ضد تلك القنوات المشبوهة.
اقرأ أيضا:
نزيف الأسفلت عرض مستمر.. كيف تواجه «المرور» خطر ارتفاع أعداد حوادث الطرق
أبغض الحلال.. معركة علماء الإسلام حول وقوع الطلاق الشفوى والمعلق والمشروط
أزمة قوائم انتظار المرضى أبرزها.. كيف تواجه الحكومة تحديات تطوير المنظومة الصحية؟