أبغض الحلال.. معركة علماء الإسلام حول وقوع الطلاق الشفوى والمعلق والمشروط
الجمعة، 06 يوليو 2018 05:00 م
قد تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود، بعدما يعجزان عن الاستمرار فى الحياة الزّوجيّة، ولحرص الدين الإسلامى على تماسك الأسرة التى هى أساس المجتمع، جاءت مشروعية الطلاق؛ فسميت إحدى سور القرآن الكريم بـ"سورة الطلاق"، وقال الله تعالى فى أول آياتها «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا»، وفصل الله فيها أحوال الطلاق وهيئاته.
وحدد الله تعالى الطلاق بضوابط وأحكام تضمن حقوق الزوج والزوجة، وتضمن دوام العشرة بالمباح، أو التفريق بين الزوجين إن أصبحت الحياة مستحيلة بينهما، ونجد فى عصرنا الحالى أن جملة «عليا الطلاق» تتسبب فى خراب الكثير من البيوت، فقد يكون "يمين طائش" يقوله الرجل فى لحظة غضب أو تحكم، أو تكون مشروطة أو معلقة بأمر ما، وقد تكون صادقة جادة من جانب صاحب العصمة، ما يسمح لأسئلة الكثرة أن تتبادر إلى أذهان الناس منها متى يقع الطلاق؟، وهل هناك فرق بين صيغ وإرادة الطلاق وبين الحلف بالطلاق؟
اختلف علماء الدين الإسلامى حول وقوع الطلاق، إلا أنهم أكدوا أن الطلاق البائن هو الذى لا يحق للزوج بعده أن يرجع مطلقته إلى عصمته، إلا عندما ترضى، ويكون بعقد قران جديد، كأن يطلق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا»، وفى حال انتفاء فترة العدة تنتفى الرجعة، أو أن يطلق الرجل زوجته للمرة الثّالثة، وهنا لا تحل له مرة أخرى إلا إذا نكحت شخصا آخر، لقوله تعالى «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ».
أما عن "يمين الطلاق" فى حالة غضب الزوج، فيقول علماء الدين الإسلامى، إنه إذا كان الطلاق وقع فى حالة الغضب الشديد أو اللا شعور، حيث لم يدرك الزوج نفسه، أو لم يتمالك أعصابه، فإنه لا يقع الطلاق؛ مستندين فى ذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضى الله عنها، أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق"، حيث يؤكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى هذا الشأن، أن الطلاق لا يقع إذا لفظ به الزوج وقت الغضب بغير قصد ونساه بعد ذلك.
أما عن الطلاق المشروط بأمر ما، فنجد الرجال يتساهلون فى الحلف بالطلاق بالقول "عليا الطلاق" فى معظم أمور الحياة، ما يهدد استقرار الأسرة، حيث إن الله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للعبث أو الاستهتار، وإنما شرع ليستعمله الرجل فى الوقت الذى يريد فيه إنهاء عقدة النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك، فالواجب على الرجل أن يحفظ لسانه، وينأى بنفسه عن التلفظ بالطلاق فيما لا يستحق، حتى لا يقع فى دائرة من الندم، وهنا يقول الدكتور صبرى عبادة، مستشار وزير الأوقاف: "لو واحد قال لمراته تبقى طالق لو خرجتى من البيت، أو واحد قال لمراته إنتى طالق وهو سكران أو شارب خمرة أو مكره أو هناك أى شىء يخرجه عن الطبيعة لا يقع الطلاق فى تلك الحالات أبدًا".
إن قول الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلى فأنت طالق، يعرفه العلماء بأنه الطلاق المعلق بشرط، وأكد بعضهم وقوع هذا الطلاق عند وقوع الشرط، حيث قال البعض إن هذا التعليق فيه تفصيل يرجع لنية القائل، فإن قصد به الحث على فعل شئ ما، أو التصديق أو التكذيب، فإنه لا يقع ويلزمه كفارة يمين عند الحنث، وقال البعض الآخر إنه إذا قصد به تطليق الزوجة حال فعل ما نهى عنه الزوج، يقع يمين الطلاق، وتعد طلقة واحدة بائنة لا يصح بعدها رجوع الزوجة إلا بعقد جديد.
أما عن الطلاق الشفوى، فقد شهد جدلا كبيرا بين العلماء، فمنهم من يرى أنه لا يقع إلا بشهود وتوثيق، ومنهم من يرى أنه يقع دونهما، حيث يقول الإمام محمد الغزالى فى أحد مؤلفاته: «أضم صوتى إلى من رفض الطلاق الذى ليس عليه إشهاد، فالشاهدان لا بد منهما لقبول العقد والرجعة والطلاق على سواء، وخير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد»، وهو نفس الرأي الذى استند إليه العديد من مشايخ الأزهر الشريف مثل «خالد الجندى وسعد الدين الهلالى» وغيرهم، حيث طالبوا بالإشهاد على الطلاق لتحقيق المصلحة، وإبعاده من أن يكون نتيجة غضب أو انفعال.
أما هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، فقد قطعت الطريق نهائيا أمام هذا الجدل الدائر حول وقوعه من عدمه، وأكدت وقوع الطلاق الشفوى المستوفى لأركانه وشروطَه، والصادر من الزوج عن إرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، دون شهود أو توثيق، مشيرة إلى أن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعييه أن يذهب للمأذون أو القاضى لتوثيق طلاقه، وأهابت بكل مسلم ومسلمة ضرورة التزام الفتاوى الصادرة عنها، وتأكيد الاستمساك بما استقرت إليه؛ صونًا للأسرة من الانزلاق إلى العيش الحرام.
اقرأ أيضا:
بعد المطالبة بإلغاء «محو الأمية».. هل نحتاج تشريعا جديدا لتحقيق طموحات الدولة؟
بعد زيادة معدلات «العنوسة» فى مصر.. كيف تواجه الدولة أزمة ارتفاع سن الزواج؟
الطريق إلى اليابان.. هل تعيد «المدارس اليابانية» مشروع محمد علي للتعليم في مصر؟