بين الدين والقانون.. عقوبة طفل أشعل النار في جسد والدته بسبب خلع والده؟
الأربعاء، 27 يونيو 2018 06:00 ص
نقرأ فى أخبار الحوادث بجميع الصحف يوميا عن قضايا خلع تتداولها محاكم الأسرة على مستوى الجمهورية، فالأمر أصبح عادى بالنسبة لكثير من السيدات اللاتى عرفن هذا الطريق للتخلص من زوج أصبحت الحياة معه مستحيلة، ولكن عندما نقرأ خبرا عن طفل أشعل النيران فى جسد والدته، بسبب خلع والده، علينا أن نتوقف جميعا منتبهين لما حدث، ومتسائلين، هل يحق لشخص ما أن يعاقب أحد والديه على فعلة ما؟ وقبل الإجابة على مضمون هذا السؤال علينا أولا فهم ملابسات الواقعة المنوه عنها.
يقول الخبر إن خلافات زوجية وقعت بين "خالد. ر"، وزوجته "فدوى. إ" طوال 14عاما جمعتهما تحت سقف منزل واحد ونتج عنها إنجابهما طفلهما "مصطفى"، لتترك الزوجة منزلها أكثر من 6 مرات طلقت خلالها مرتين بشكل رسمى على يد مأذون، وعادت مرة أخرى، ولكن الاتهامات والحرب الدائرة بينهما استمرت حتى قررت أخيرا الحصول على الخلع أمام محكمة الأسرة بأكتوبر، وأعلنت رغبتها فى الزواج من آخر.
ويشمل مضمون الخبر أيضا، أن الواقعة بدأت بتلقى قسم شرطة أكتوبر بلاغا يفيد بوصول سيدة إلى المستشفى مصابة بعدة حروق إثر اشتعال النيران فى جسدها، وبعد إسعافها وسؤالها، تبين أن نجلها البالغ من العمر 10 سنوات هو مرتكب الجريمة، حيث أكدت أنها طلقت طلقة بائنة للخلع بسبب العنف الأسرى، مشيرة إلى أن زوجها كان مدمنا ويضيع كل أمواله على كيفه، ويسرق راتبها ويجبرها على الإنفاق على المنزل، ويتركها وطفلها دون طعام أو شراب، بخلاف تعرض نجلها الدائم لعنف والده من ضرب وحرق وحرمان من الطعام وتقييد بالحبال على أقل خطأ، ورغم ذلك فهو مرتبط به وبجدته لأبيه، ويرفض فى كل مرة الذهاب معها لأهلها، ما يجبرها على العودة خوفا عليه. حاولت الزوجة الهروب من جحيم الحياة دون فائدة، إلى أن طفح بها الكيل وأصبحت معقدة نفسيا، بسبب معاملة زوجها وابنها وسلوكهما العدوانى، ثم تمكنت مؤخرا من الحصول على حكم خلع، وقررت الزواج من رجل آخر، ولكنها لم تسلم من تهديدات نجلها ووالده، حيث أكدت فى بلاغها أن نجلها ذهب إليها وبرفقته والده، وعندما رفضت تهديداتهما تعدى عليها نجلها وأبيه بالضرب، ثم أشعل الإبن العاق النار فى جسد والدته من أجل إرضاء أبيه، ولم يخلص السيدة من الموت إلا الجيران بعدما أصيبت بعدة حروق.
ولكى نعرف ماذا اقترفت هذه السيدة من أجل ذلك، نوضح ما هو الخلع فى السطور التالية.. يعرف الخلع بأنه فراق الزوجة بعوض، حيث يأخذ الزوج عوضاً ويفارق زوجته، سواء كان هذا العوض هو المهر الذى دفعه لها أو أكثر أو أقل، وفى القانون المصرى دعوى ترفعها الزوجة المسلمة حال عدم التراضى مع زوجها على الطلاق، وتتنازل بمقتضاها عن جميع حقوقها المالية الشرعية من "مؤخر الصداق، ونفقة العدة والمتعة"، ولا تقضى المحكمة بالتطليق للخلع، إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين؛ بندب حكمين خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، فإذا عجزت عن الصلح، فإنها تحكم بالتطليق، ويكون الحكم غير قابل للطعن عليه نهائيا.
لم يكن القانون بمعزل عن الدين، ولكنه استمد نظام الخلع من أحكام الشريعة الإسلامية؛ حيث ورد فى الآية 229 من سورة البقرة قول الله تعالى: "الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، كما ورد فى السنة النبوية أن امرأة ثابت بن قيس ذهبت إلى النبى محمد وقالت: "يا رسول الله، إنى ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام ما أطيقه بغضاً، فقال لها رسول الله: أتردّين عليه حديقته؟ وكانت صداقاً لها، فقالت: نعم وأزيد، فقال لها: أما الزيادة فلا، وأمره أن يقبض الحديقة ويخلى سبيلها، وفى رواية أخرى: ويطلقها تطليقة، وفى رواية ثالثة: أنه طلقها عليه".
ومما سبق يتبن لنا أن الخُـلع يعتبر أحد الحلول الشرعية للمشكلات الزوجية، إذ أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللؤم أحيانا على مُعاشرة زوجة لا تُحبه بل تكرهه، أو لا يُريد أن يوقع الطلاق، بل يُريد أن تطلب منه ذلك، ليذهب بما أعطاها من مهر، أو يأخذ مقابل الطلاق، لأن الطلاق من حق الزوج فقط، فلا يقع إلا إذا أوقعه هو، ومما سبق يتبن لنا أن زوج هذه السيدة يرتكب بعض ما حرّم الله من الكبائر، ولم تستطع الزوجة الصبر على ذلك، كما أنها عندما حاولت وجدته يتمادى فى أخطائه، بل طلقها مرتين، غير إنه مازال يدمن المخدرات ويصرف عليها جميع أمواله، إلى جانب ابنها الذى لا يريد إدراك الموقف رغم كل ما عانته أمه من آلام وأحزان داخل منزل والده من أجل الحفاظ على استقراره، وبل ويرغمها أيضا على البقاء، والرجوع لعصمة أبه بعد طلقتين.
قد يقول البعض أننى أتحدث عن طفل فى العاشرة من عمره، ولكنهم يعرفون أن الإنسان فى هذا العمر يدرك عدة حقائق بينها معنى الأسرة وكيف تكون مستقرة، ويعرف أيضا أن الله نهانا عن عقوق الوالدين، بل أمر بعدف التأفف منهما، وأعطى الدين للأم مكانة كبيرة بين أفراد الأسرة، ولكن هناك شئ ما غير مفهوم، فهذا الابن العاق من وجهة نظر المجتمع والدين، قد تربى على العنف الذى تجرعه من أبيه، حيث إنه لم يلتمس لوالدته أى عذر لما أقدمت عليه من رفع قضية خلع ضد والده، لأنها تحملت كثيرا جدا قبل اللجوء للمحاكم، بل إنه البطل الحقيقى للواقعة التى نسردها، حيث اصطحب والده إلى منزل والدته، لينتقم منها بإشعال النيران فى جسدها، بعدما منح نفسه حق معاقبة والدته بالحرق، فى الوقت الذى لم تقترف فيه شيئا يخالف الدين أو القانون.