أول الحكاية.. قصة اعتصام رابعة المسلح لإحراج الدولة فكانت نهايته التثبيت
الأحد، 24 يونيو 2018 06:00 ص
واجهت الدولة المصرية تحديات كبيرة منذ الاختبارات التي فُرضت عليها من قبل الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، إلا أن فى خضم الأحداث التي شهدتها الدولة كان وسيظل الاعتصام المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها أحد أبرز وأهم الاختبارات التى خاضتها الدولة فى أعقاب ثورة 30 يونيو.
«اعتصام رابعة المسلح» وصف من قبل –المراقبون- أن الجميع من أبناء الشعب المصري قاطبة أنه كان اعتصاماَ مسلحاَ من الدرجة الأولى وأصبح يضرب به المثل في التجمعات المسلحة حيث كان فى حقيقة الأمر محاولة مستميتة من قبل الإخوان لتأسيس حركة تمرد مسلحة تستهدف الخروج على الدولة المصرية التي ولدت من رحم ثورة 30 يونيو.
المتابع لأحداث الاعتصام منذ ثورة 30 يونيو يتضح له أن الاعتصام كان تحدى مكذوب لإرادة الدولة، فضلاَ عن كونه رسالة تهديد للتأكيد على القوة المزعومة للجماعة التى باتت تنادى بها منذ ثورة 25 يناير بل منذ تأسيس الجماعة طيلة 90 عاما عامة وخلال سنة حكمهم خاصة.
الإخوان منذ اعتصام رابعة العدوية المسلح كانت تراهن بالاعتماد على التنظيم الدولي ومخاطبة المجتمع الدولي على أن الدولة المصرية نتيجة الإنهاك الشديد والممنهج الذى تعرضت له من قبل الإخوان والضغوط الدولية –فى إشارة للدولة-لن تقدم بأى حال من الأحوال على فض الاعتصام بالقوة.
ظلت الجماعة تراهن منذ 30 يونيو وحتى فض الاعتصام على أن رغبة وسعى النظام لتأجيل الصدام معها من خلال طرق شتى الطرق والأبواب دون الوصول إلى استخدام القوة لتطبيق القانون هو بمثابة علامة على ضعف الدولة وتحسبا منها لرد الفعل داخليا ودوليا.
أصيبت جماعة الإخوان منذ ثورة 25 يناير إلى حالة من الترهل أدى بها إلى ما يطلق عليه بـ«تضخم الذات» حيث تفاقمت لدى الإخوان أعضاء وقيادة للدرجة التي أفقدتهم جميعا سواء في الداخل أو الخارج القدرة على قراءة المشهد بشكل صحيح، وأن الشعب الذي جاء بهم عبر صناديق الاقتراع لم يعد يتحمل وجودهم في المشهد أكثر من ذلك خاصة بعد محاولات الجماعة إقصاء الجميع والإبقاء على الجماعة في المشهد منفردة من خلال «أخونة الدولة».
الدولة المصرية بكل أجهزتها ومؤسساتها حاولت بأقصى جهد إنهاء اعتصامي «رابعة، والنهضة» بكافة الطرق والسبل السلمية الممكنة، بدأت الدولة بفتح الطرق لجميع الوسطات عبر أطراف داخلية وخارجية دولية، وذلك بغرض حرص الدولة على السلامة العامة ودون تعرض أياَ من الأطراف لفتح مواجهة من المؤكد أنه سيدفع ثمنها بالأساس من ألقت بهم الجماعة فى الصفوف الأولى للاعتصام ليكونوا فى مواجهة الدولة.
صباح 14 أغسطس 2013 ومع بداية عملية الفض نتيجة فشل كل المحاولات السلمية، ظهر ما لم يكن أحد يتوقعه سوى الدولة نفسها ألا وهو هروب جميع القيادات من الاعتصام تاركة أنصارها لمواجهة الدولة، حتى وصل الأمر إلى ارتداء المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع زى امرأة «نقاب» للخروج من المأزق الذى وضع التنظيم فى مهب الريح.
في تلك الأثناء، قررت الدولة أن فتح ممرا آمنا لخروج المعتصمين سالمين من الاعتصام، إلا أن هذا الأمر لم يرق أيضا لجماعة الاخوان الباحثة بشراهه عن أكبر قدر من الدماء للمتاجرة به فى الداخل والخارج وإيجاد حالة «المظلومية» التي اعتادت عليها طيلة عقودها التسعة، فكان أن اشتبك بعض أعضائها مع قوات الأمن وأطلقوا عليهم النيران، وهو ما أجبر قوات الأمن على التعامل معهم.
جماعة الإخوان الإرهابية سعت بشكل كبير خلال السنوات الأربع الماضية إلى تثبيت وترسيخ مشهد مظلومية 14 أغسطس كبديل لثورة 30 يونيو، فكان 14 أغسطس بالنسبة للاخوان هم الرهان الوحيد لاستمرارهم فى عملية الحشد والاستقطاب، وذلك فى ظل فضح أهداف الجماعة الدينية والسياسية من جهة وانهيار بنية التنظيم من جهة أخري، فبعيدا عن مسار التقارير التى خرجت لتقييم ما حدث فى 14 أغسطس 2013 وما أعقبها من عمليات عنف عشوائي، إلا أن المؤكد أن حالة الاستغلال السياسي لفض الاعتصام من قبل الجماعة مازالت مستمرة، حيث راهنت جماعة الإخوان المسلمين منذ يوم 26 مايو 2013 على محاولة إرهاب المواطنين لمنعهم من الخروج فى 30 يونيو.
الرؤية فى ذلك التوقيت رغم ضبابيتها بالنسبة لقطاع كبير من أبناء الشعب إلا أنها كانت واضحة بشكل كبير لدى القوات المسلحة و أجهزة الأمن المختلفة مقابل أو بالأحرى عجز الجماعة عن قراءة الموقف كان السبب الرئيسى فى الوصول إلى مرحلة فض الاعتصام، وذلك لأن القوات المسلحة والشرطة مدعومتان من الشعب المصرى الذى قرر أن رصيد الإخوان قد انتهي، بالفعل أدركا جيدا أن الهدف من الاعتصام إحراج الدولة الجديدة.
أدى غطرسة الجماعة وغرورها إلى إنكارها لقدرة الشعب على الوصول إلى مرحلة الثورة ضد الجماعة، وبالتالي إلى تعاليها على الاستماع والتجاوب مع المطالب الشعبية قبل ثورة 30 يونيو، فقد أدى بالجماعة أيضا إلى مرحلة تحدى الدولة والصدام معها، وعلى الأرجح فإن الجماعة لم تدرك أنها بهذا التحدي البائس للدولة ترقص رقصة الموت الأخيرة.
الجماعة التى كانت قد كشفت عن وجهها الحقيقى الذى أخفته ثمانين عاما كان يمكن لها قبل ذلك التمرد المسلح أن تعيد ترتيب أوراقها وتوجد فى المشهد السياسى مرة أخري، ولكنها بتمردها على إرادة الشعب خسرت الحاضنة الأساسية لأى جماعية سياسية أو دعوية، وكما كان تدخل القوات المسلحة فى 30 يونيو إنفاذا لإرادة الشعب المصري، فإن قرار القضاء على التمرد الإخوانى لم يكن قرارا أمنيا فقط بقدر ما كان إنفاذا لإرادة الشعب أيضا الذى ضج كثيرا مما يقوم به الإخوان، ومارس من أجل إنهاء ذلك التمرد الكثير من الضغوط على أجهزة الدولة، بتعبير آخر فقد نجحت الدولة فى فض «الهالة» التى أحاط الإخوان بها أنفسهم والغرور الذى تملكهم فى أعقاب ثورة يناير 2011 خاصة مع خلو الساحة السياسية من قوى سياسية أخرى قادرة على مقارعتهم.
وجدير بالذكر هنا أن تلك «الهالة» والتحسب المبالغ فيه لقدرات الإخوان هو ما مكنهم من التهديد باستخدام القوة وتحويل مصر إلى «جحيم» سواء قبيل اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فى 2012 أو أثناء الاعتصامين المسلحين فى رابعة والنهضة.
والمتابع لحالة الترقب التى كان يبديها المصريون ومعهم أجهزة الأمن كلما حلت ذكرى فض الاعتصام يمكنه بسهولة أن يدرك حقيقة وضع الإخوان شعبيا ويدرك إلى أى مدى لم يعد هناك مجال للحديث عن تنظيم الإخوان المسلمين فى الساحة السياسية المصرية مرة أخري.
ولقد كان تأكيد استعادة الدولة وتثبيتها هو الهدف الاستراتيجى الكبير لأجهزة الدولة، حتي يمكنها التعامل مع تداعيات مرحلة الإخوان وما قبلها، والتي كادت تودي بفكرة الدولة الأقوى فى المنطقة ويدخلها دوامة الصراعات الداخلية كما حدث في دول عديدة في المنطقة دونما فض اعتصام الإخوان المسلح في رابعة .
السنوات الأربع الماضية والمواجهة المفتوحة التى خاضتها وتخوضها الدولة المصرية ضد الجماعات الإرهابية وفى القلب منها جماعة الإخوان تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ردع تلك الجماعة وكسر إرادتها باعتبارها جماعة لا تؤمن بفكرة الدولة من الأساس كانت البداية الحقيقية لتثبيت الدولة المصرية لتكون قادرة على بسط سيادتها وضبط الأمن وانفاذ القانون ومنع أى تنظيم من استخدام السلاح فى مواجهة الدولة التى بحكم التعريف تحتكر الاستخدام الشرعى للقوة. وبدون ذلك ما كان ممكنا لتلك الدولة أن تواجه كل التحديات على المستويين الداخلى والخارجي، وما كان ممكنا لها الوقوف بكل قوة فى مواجهة كل المحاولات التى تستهدف إفشال مشروع المصريين الذى عبروا عنه فى ثورة 30 يونيو.
Sit-fourth-Adawiya18583