علوم مسرح الجريمة.. تعرف على حجية البصمات في الإثبات الجنائي
الأحد، 17 يونيو 2018 04:00 ص
ثبت بناء على البحوث والدراسات والتطبيقات العلمية، أن البصمات من أكثر التقنيات الحديثة دقة في التعرف على الجناة، وعدد المشتركين في الجريمة، والكشف عن تنفيذ مخططاتهم الإجرامية خاصة بالنسبة للمجرمين المحترفين ذوي السوابق العدلية الذين تحتفظ مصالح الأدلة الجنائية ببصماتهم، ومع تطور العلم الحديث أضحت البصمات عنصر فعال في منع الجريمة قبل وقوعها والقبض على الجاني الذي كان بصدد الشروع فيها مباشرة
اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة.. دور البصمات فى كشف هوية سن وجنس وحرفة الجاني
«صوت الأمة» رصدت في التقرير التالي ضمن سلسلة «علوم مسرح الجريمة» حجية البصمات في الإثبات الجنائي من حيث المقصود بمبدأ مشروعية الدليل، وأن إقامة الدليل أمام القضاء لابد أن يكون بإجراءات مشروعة، وقاعدة مشروعية الدليل الجنائي أن يستخدم في سبيل الحصول على الدليل وسائل يقرها العلم، وتأثير البصمة على مبدأ قرينة البراءة.
فى هذا الشأن، يقول اللواء الكيميائي محمود الحارث الباسوسي، خبير فحص التزييف والتزوير والبصمات بمصلحة الأدلة الجنائية سابقا، أن البصمات تؤدى إلى الاعتقاد بأنه لا دليل يلعب الدور الذي تلعبه بصمات الأصابع ، البصمات الجينية ، بصمة الصوت ، بصمة الأذن ، بصمة العين وغيرها في الحقل الجنائي وعليه تكون البصمة دليل علمي كاف لتقديم المجرم للعدالة .
اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة.. مصادر البصمة الوراثية الـ DNA في جسم الإنسان
وأضاف «الباسوسى» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن القانون يضع شروطا لقبول الدليل في أوساط العدالة .
-المقصود بمبدأ مشروعية الدليل-
طبقا لمبدأ الشرعية الإجرائية لا يكون الدليل مشروعا ومقبولا لعملية التقدير إلا إذا جرت عملية البحث أو الحصول عليه وتقديمه للقضاء بإجراءات صحيحة وسليمة قانونا واستخدام طرق ووسائل مشروعة للحصول عليه يقرها العلم بشكل يضمن تحقيق توازن بين مصلحة المجتمع في العقاب ومصلحة المتهم في احترام كرامته الإنسانية و حقوقه ومن ثم تبين أن للمبدأ جانبان :
الجانب الأول : إن إقامة الدليل أمام القضاء لابد أن يكون بإجراءات مشروعة
فشرعية الإثبات الجنائي الذي يهدف للوصول إلى الحقيقة يتطلب عدم قبول أي دليل تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة من شأنها المساس بالحرية الفردية وإن كان القانون يجيز المساس بها فقط من أجل إظهار الحقيقة إلا أن ذلك يكون في حدود ضمانات وقيود ينبغي احترامها . وبناء عليه لا يمكن للقاضي أن يعتمد على أدلة لم تراعى فيها القواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية والمتعلقة بالتفتيش و الاستجواب وندب الخبراء كما لا يمكنه أن يعتمد على أي دليل أتى مخالفا للنظام العام الآداب العامة،فمثلا لا يكون دليل البصمة مقبولا إذا نتج عن قبض أو وضع للنظر لأكثر من 48 ساعة .
أما الجانب الثاني من قاعدة مشروعية الدليل الجنائي: أن يستخدم في سبيل الحصول على الدليل وسائل يقرها العلم .
وتتطلب قاعدة مشروعية الدليل الجنائي وجوب الحصول على الدليل في إطار إجراءات احترمت فيها القواعد القانونية وأستعين فيها بوسائل مشروعة كما سبق الذكر إذ يترتب على مخالفة ذلك بطلان الدليل المستمد منها ولا يمكن الاعتداد بقيمته مهما كان دالا على الحقيقة الواقعية طبقا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل.
اقرأ أيضا: «ياما ناس كانوا مستورين وفضحتهم».. البصمة الوراثية DNA ودورها في بعض الجرائم
-وفيما يتعلق بمرحلة المحاكمة فإن إقامة الدليل فيها يجب أن يطرح أمام القاضي والخصوم لمناقشته في مرافعة علنية وشفوية و حضورية، وإن أهملت المحكمة مراعاة هذه القواعد فإن الدليل المستمد منها لا يكون متصفا بالمشروعية وبالتالي لا يعتد بقيمته مهما عظمت .
- فدليل البصمة قد يكون قاطعا في الإدانة غير أنه لا ينظر إليه ما لم يخضع لمناقشته أمام الخصوم مناقشة حضورية وعلنية وشفوية .
تأثير البصمة على مبدأ قرينة البراءة-
يتلخص مبدأ قرينة البراءة أو افتراض البراءة أن مصلحة المجتمع في العقاب، يجب ألا تترجم على إطلاقها بل يجب أن تسير وفق معاملة المتهم بريئا، طالما أن إدانته لم تثبت بحكم بات و أن المبدأ مناطه عدم إلزام الإنسان بتقديم أدلة إثبات براءته، لأن السلطة القضائية المكلفة بالملاحقة الجنائية هي الملزمة بتقديم أدلة لإثبات ما تنسبه إليه من فعل إجرامي و بالتالي لا يمكنها اتخاذ أي إجراء بحقه إلا بالاستناد لأدلة معقولة ومقنعة تبين بأن له صلة بهذا الفعل، إما كفاعل أو كشريك أو كمحرض .
اقرأ أيضا: 7 علامات تخلي صوابعنا مش زي بعضيها.. كيف كانت مضاهاة البصمة قديما والآن؟
كما أن القاعدة يترتب عليها قاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم بمعنى أن هذه السلطة لم تقم الدليل على الإدانة فإن الشك يظل قائما في ذهن القاضي مما ينجم عنه بقاء قرينة البراءة مستمرة وتفسير الشك لصالح المتهم وبذلك فهي ضمانة للمتهم فمن خلالها يعامل معاملة البريء وبالتالي تحفظ كرامته وسمعته.
-ولقد كان للشريعة الإسلامية أسبقية تناول هذا المبدأ لقول الرسول (ص): «أدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فأخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».
مشكلة المصلحة الأولى بالرعاية
يرجع سبب إشكالية مدى مشروعية استخدام التقنيات في الإثبات الجنائي، وتعارض المواقف حولها إلى مشكلة التعارض في تغليب مصلحة المجتمع في الحفاظ على أمنه واستقراره، بأية طريقة من طرق الإثبات من جهة ومن جهة أخرى تغليب مصلحة المتهم في المحافظة على حقوقه في سلامة جسمه التي تضمنها له قرينة البراءة هذا الأمر كان ولازال محل جدل فقهي وقضائي، لأن التطبيق العلمي لهذه الأساليب أتاح فرصة استفاضة المناقشات العلمية حول مشروعيتها.
اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة.. تعرف على الوسائل العلمية المتطورة لرفع وحفظ البصمات
وتضاربت الآراء حول المصلحة الأولى بالرعاية مصلحة المجتمع أم مصلحة المتهم ؟ فلا يخفى أن الجريمة تمس صالح المجتمع وللحد منها يجب ملاحقة كل من يسلك سلوك إجرامي وبظهور اكتشافات علمية بالغة الدقة في النتائج أصبح من السهل الوصول أو العثور على الجاني وإلقاء التهمة عليه بصورة قاطعة و بذلك تبعد الاتهام عن كل من حامت حولهم الشبهات إذن فمن مصلحة المجتمع استخدام هذه الأساليب التقنية و الاستفادة منها بتطبيقها في المجال الجنائي خاصة وأن المجرمين سخروا هذه المكتشفات لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية.
-لذلك يرى بعض الفقه إباحة اللجوء إليها وإن كانت تمس حق الفرد في سلامة جسمه، إذ أن على الفرد التنازل على بعض حقوقه في سبيل تحقيق أكبر قدر من العدالة و الأمن في المجتمع.
وفي المقابل يرى الجانب الآخر من الفقه أن الحقوق الفردية أولى من مصلحة المجتمع لأنها أسمى الحقوق التي كرستها الدول للمواطنين،ولأنها قوام الحياة العامة وبالغة الأهمية في بناء المجتمع وهو ما يبرر حماية الدول لها من الضمانات ما يكفل لممارستها الأمن ويعصمها من التعرض إلا لضرورة مشروعة وعليه لابد من تغليب مصلحة المتهم وحماية حقوقه لسلامة جسمه وإرساء قرينة البراءة له .
وأمام هذا التعارض وعدم التوازن بين مصلحة المجتمع وحقه في إنزال العقاب ومصلحة الفرد وحقه في اعتباره بريئا، فأن أفضل الحلول لمشكلة المصلحة الأولى بالرعاية هو ممارسة الوسائل في حدود القانون بما يضمن رعاية مصلحة الأمن والعدالة والدولة من جهة والحرية الشخصية للأفراد و المحافظة عليها من جهة أخرى.