العمدة سليمان غانم وحيدا.. كيف يعيش صلاح السعدني في عزلته الطويلة؟
الإثنين، 11 يونيو 2018 07:00 مزينب عبداللاه
كـ«الصنايعي» المحترف يمتلك قدرات خاصة وسر صنعة لا ينافسه فيها أحد، يحمل كثيرا من صفات الأسطى حسن أرابيسك ومهاراته، وربما حظه أيضا، يهتم بإتقان قطعه الفنية التي لا يمكن تكرارها أو تقليدها، يعشقها ويندمج فيها ويمنحها من روحه، وحين لا يجد قطعة فنية يمكنها أن تحمل نفس الصفات، يبتعد رغم عشقه لفنه، لا يعنيه الكم، ويكفيه أن يصنع قطعة نادرة لا يستطيع غيره صنعها، فتخلد في سجل التاريخ وفى ذاكرة جمهوره وعشاق فنه.
إنه عمدة الفن صلاح السعدني الذي اختار البعد والعزلة، رغم تشوق جمهوره لفنه وعشقه لأدواره، التي يرى فيها ابن البلد الذي يشبههم ويحمل صفاتهم وأحلامهم وإحباطاتهم.
ربما يحمل السعدني جزءا من استسلام «حسن أبو كيفه»، وخوفه من الاقتراب من «كرسي النعماني» لاستكمال تحفته الفنية التي يرى فيها حلم حياته، لأن الزمن لم يعد هو الزمن، والصحة لم تعد كما كانت، والرفاق غادروا واحدا تلو الأخر، فتركوا ندبات في قلبه لم يستطع تجاوزها، خاصة بعدما رحل أعز أصدقائه ورفاق رحلته.. «نور الشريف ومحمد وفيق ومحمود عبد العزيز، وأسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ ومحمد صفاء عامر».
استسلم للمرض والعزلة واكتفى بهذا القدر من الإبداع ولم نكتفي نحن، هكذا يعيش العمدة صلاح السعدني، المولود عام (1943)، اختار أن يبتعد عن فنه الذي يعشقه لأنه لم يجد الخامات الجيدة التي تمكنه من صنع تحفة جديدة.
صلاح السعدني ابن البلد الجدع المثقف خفيف الظل، عمدة الدراما الذي ترك فراغا كبيرا وابتعد، ولم يستطع غيره ملء هذا الفراغ، ابتعد بحكم المرض أو بسبب حالة الحزن التي تسيطر عليه بعدما فقد أعز الأصدقاء، أو لعدم وجود خامات فنية تسمح له بنسج شخصيات كتلك التي نسجها في ذاكرتنا وذاكرة الدراما.
العمدة سليمان غانم في «ليالي الحلمية»، ونصر وهدان القط في «حلم الجنوبي»، ود عزيز محفوظ في «الأصدقاء»، والحاج عبد القادر عوف في «كفر عسكر»، والمعلم إبراهيم العقاد في «الباطنية» وعاطف في «أبنائي الأعزاء شكرا»، فضلا عن أدواره السينمائية في أفلام الأرض والمراكبي وغيرها.
كان السعدني يبدع في أداء كل شخصية ولم يخطط لهذه النجاحات، ورغم عبقريته إلا أنه كان الأقل حظا، ورغم ذلك لم يشعر بالغيرة مطلقا.
فنان مثقف شرب الثقافة والأدب من شقيقه الأكبر الكاتب الساخر محمود السعدني الذي كان يصطحبه إلى قهوة «محمد عبد الله» بميدان الجيزة، وكانت بمثابة صالون ثقافي يجمع أهل الأدب والشعر، مثل عبد الرحمن الخميسي، ونعمان عاشور، وزكريا الحجاوي، ويوسف إدريس.
وبدأت موهبته تظهر منذ أن كان طالبا بالمدرسة السعيدية وبعدما التحق بكلية الزراعة وتعرف على أصدقاء عمره، عادل إمام وسعيد صالح ونور الشريف وبدأت تسطع نجوميتهم في مسرح الجامعة، وانتقل نشاطهم إلى السينما، وشاركوا فى عدد من الأعمال.
وبمجرد أن بدأت تسطع نجومية السعدني في الستينات وبداية السبعينات، تعثرت مسيرته لما يقرب من 10 سنوات بسبب خلاف شقيقه الكاتب الساخر مع الرئيس السادات، وهو ما أدى إلى حظر أعمال الممثل الناشئ بالتلفزيون المصري، فاتجه للتمثيل في مسلسلات من إنتاج عمان ودبي، وكانت هذه السنوات سببًا في تأخر صلاح عن أبناء جيله، ليعود ويتألق من جديد في الثمانينات ويقدم أهم أدواره.
كان آخر أدوار عمدة الفن شخصية عبد القادر في مسلسل القاصرات، التي قدمها منذ 5 سنوات وبعدها ابتعد عن الفن.
يعيش السعدني حالة من العزلة بعد إصابته بالضغط والسكر، فأصبح ممنوعا من الصيام بأمر الطبيب، وساءت حالته النفسية بعد وفاة أعز أصدقائه الفنان نور الشريف الذي زاره قبل وفاته بشهر وقضى معه يوما كاملا، وارتبطا معا بأجمل ذكريات الصبا والشباب، وزاد حزنه بعد وفاة محمود عبد العزيز ومحمد وفيق.
يرفض أي عمل ويشعر أنه لن يجد عمالقة يشاركونه صناعة الإبداع مثل أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، ومحمد صفاء عامر، ويقول عنهم إنهم يمثلون جزءا هاما من تاريخه، وجمعت بينهم حالة روحية فريدة.
لا يشارك السعدني في أي مناسبات أو لقاءات، ويرفض الظهور الإعلامي، ولا يرد على تليفونه، ترد زوجته لطمأنة أصدقائه ومن يتصلون به.
يقضى عمدة الفن أغلب أوقاته مع أحفاده الذين لا يكف عن الحديث واللعب معهم، ولا يخرج من بيته إلا نادرا، حيث أصبح يكره الزحام، كما قالت زوجته التي لا تفارقه أبدا، ويتابع المباريات والبرامج الرياضية، ويقرأ القرآن.
حريص على متابعة مسلسل صديقه الزعيم عادل إمام «عوالم خفية»، ويصفه قائلا: «فنان مجاش زيه، وصنع جزءا من تجربتي الشخصية منذ كنا صغارا، وكنت أنا وسعيد صالح وعادل إمام، لا نفارق بعض في أيام الشباب»، بينما يحرص الزعيم والفنانة هالة صدقي والفنان نبيل الحلفاوي على زيارته دائما.