ذكرى اغتيال الأزهر.. رحيل فرج فودة
الجمعة، 08 يونيو 2018 09:44 م
يوم هادئ بالمنطقة كعادته، في الساعة السادسة والنصف من مساء 8 يونيو عام 1992، خرج المفكر المصري الكبير فرج فودة من مكتبه برفقة ابنه بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة شرق القاهرة كي يستقل سيارته عائدا لمنزله، اعترضه كل من أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان؛ حيث كانا يستقلان دراجة بخارية وأطلقا عليه الرصاص الذي اخترق كبده وأمعاءه بينما أصيب ابنه إصابات طفيفة.
سائق سيارة فرج فودة ترك المفكر الراحل وطارد الجناة بالسيارة وتمكن من اللحاق بالمتهم عبد الشافي رمضان الذي سقط خلال المطارة من الدراجة البخارية على الأرض ليرتطم بالرصيف ويصاب بإغماءة؛ مكّنت السائق والمارة من ضبطه والإمساك به وتسليمه للشرطة.
في الوقت نفسه كان فرج فودة قد وصل إلى المستشفى وهناك كان يصارع الموت ووفقا لرواية الأطباء المعالجين له فقد قال قبل وفاته بلحظات "يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني"، وحاول جراح القلب د.حمدي السيد نقيب الأطباء وقتها إنقاذه لمدة ست ساعات كاملة لكن القدر اختاره لجواره.
قبل الحادث بأسبوع كانت هناك مناظرة شهيرة في مصر بطلاها فودة والشيخ محمد الغزالي؛ وقبل المناظرة كانت هناك موجات تصعيد من تنظيمات متطرفة ضد فودة بسبب آرائه وأفكاره أدت إلى ما حدث في 8 يونيو.
قبل المناظرة بأيام قليلة، أصدرت جبهة علماء الأزهر بيانا ناريا ضد فودة؛ وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه الجديد الذي أطلق عليه اسم المستقبل، وزادت في بيانها قسوة عندما اتهمت فودة بالكفر وأوجبت قتله ونشرت صحف موالية ذلك البيان وتلقفته أيادي أنصار الجماعة الإسلامية وأعدوه كمنشورات وزعوها في المناظرة .
عبدالغفار عزيز، الشيخ الأزهرى الذى تولى عمادة كلية الدعوة الإسلامية بالمنوفية وعمره 41 عاماً، كأصغر عميد لكلية أزهرية، كان أحد هؤلاء، حيث أصدر بياناً يكفر «فودة»، نشرته جريدة «النور» قبل الاغتيال بـ5 أيام فقط، ثم أصدر كتاباً بعد الحادثة، باسم «من قتل فرج فودة؟»، أورد فيه 4 اتهامات تفيد بردة المفكر، أولها رفض تطبيق الشريعة، حتى أنهى الكتاب بعبارة «فرج فودة هو من قتل فرج فودة».
فتوى التكفير شارك عزيز فيها كثيرون قالوا بكفره لكنهم لم يدعوا لقتله، منهم الشيخ محمد الغزالى، أحد كبار مشايخ الأزهر، الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العام السابق لواقعة الاغتيال، وقال فى متن الشهادة التى أدلى بها أمام المحكمة: «إنهم قتلوا شخصاً مباح الدم، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، لأنها وظيفة حاكم وليست وظيفة فرد»، اختتم الشيخ الأزهرى شهادته، وغادر المحكمة بنفس راضية، تاركاً من ورائه كلمات سجّلها التاريخ، وظلت إلى اليوم محل انتقاد واسع، ليست من جانب النخبة الثقافية والفكرية فحسب، الذين اعتبروا أنها «شهادة دفاع عن الإرهاب».
فتاوى تكفير «فودة» التى أصدرها عدد من شيوخ الأزهر، و«بيان الردة» لجبهة علماء الأزهر، وفتوى «إباحة الدماء» لعمر عبدالرحمن، أمير تنظيم الجهاد، كانت كلها حاضرة بالزنزانة التى أقام فيها «عبدالشافى»، المتهم الأول، فى انتظار تنفيذ حكم الإعدام شنقاً الذى أصدره القاضى، الحكم الذى كان يعتبره «بائع السمك» الحاصل على دبلوم صنايع، بمثابة «الطريق للفردوس الأعلى»، بحسب نبيل نعيم، القيادى الجهادى السابق، الذى التقاه قبل إعدامه 1993: «قابلته قبل تنفيذ الحكم، وكان معترفاً ومؤمناً جداً بما فعله، ومقتنعاً أنه نصر الإسلام وأعز الدين، وقال لى: يا شيخ نبيل أنا قتلت كافر بإجماع أهل العلم، وحبل المشنقة هيكون طريقى للجنة».
«نعيم» أحد مؤسسى تنظيم الجهاد، الذى كانت تربطه علاقات بأطراف إسلامية مختلفة داخل وخارج مصر، قبل أن ينشق عن التنظيم، أوضح أن «عبدالشافى» وشريكه «أشرف» كانا ينتميان للجماعة الإسلامية، وقررا تنفيذ العملية بعد تكليف نقله إليهما المحامى «منصور»، من صفوت عبدالغنى، القيادى بالجماعة، الذى كان محبوساً على ذمة قضية أخرى، مضيفاً: «منصور نقل التكليف لعبدالشافى، وقال له: الشيخ صفوت بيقول لك مفيش حد يخلصنا من فرج فودة»، الرواية التى ذكرها «نعيم» هى الرواية نفسها التى ذكرها «عبدالشافى» فى اعترافاته أمام نيابة أمن الدولة عليا طوارئ، لكنها تختلف عن اعترافاته السابقة التى أدلى بها أمام نيابة شرق القاهرة فى التحقيق الأول من القضية، الأمر الذى استند إليه «منصور»، لنفى الرواية برمتها وإثبات براءته من تهمة نقل تكليف «الاغتيال»، النفى الذى اقتنع به القاضى، وأصدر حكمه ببراءة «منصور»، لكن طريقه إلى السجن ظل ممهداً بقرار اعتقال أصدرته أجهزة الأمن عقب القضية، حتى جرى إطلاق سراحه فى أكتوبر 2006.