سلطانة الطرب تخرج من عزلتها.. شريفة فاضل: ما حدش بيزورنى واللى بيغيب بيتنسي
الثلاثاء، 05 يونيو 2018 08:00 م
بمجرد بدء العشر الأواخر من رمضان تتردد أغنية "تم البدر بدرى" على المسامع، تثير أشجان الكبار والصغار، وعلى مدار سنوات طويلة حتى أصبحت أيقونة وعلامة لقرب انتهاء الشهر الكريم.
وبينما تحضر هذه الأغنية بقوة، وتنتشر فى كل مكان، ويسمعها ويعرفها الجميع تجلس صاحبتها المطربة شريفة فاضل وحيدة فى حجرتها، يعتقد البعض أنها رحلت، بينما لا يعرف جمهور الشباب الذين يستمعون إلى هذه الأغنية اسم صاحبتها التى حازت لقب سلطانة الطرب فى زمن الفن الجميل.
شريفة فاضل
"اللى بيكبر ماحدش بيفتكره ولا بيعرفه ..ماحدش بيكلمه ولا يزوره ".. بهذه الكلمات بدأت سلطانة الطرب حديثها معنا بصوت يملؤه الحزن وتظهر من بين نبراته علامات الإرهاق والمرض والتسليم بأن الزمن لم يعد كما كان.
" بتوع زمان راحت عليهم ".. بكل هذا الوجع خرجت الكلمات من سلطانة الطرب التى يردد الكثيرون أغانيها فى كل المناسبات ، تملأ أغنيتها أم البطل أسماعنا وتثير أشجاننا فى كل المناسبات الوطنية ومع كل شهيد يصعد إلى السماء ، بينما ترقص قلوبنا فرحا حين نستمع إلى أغنيتها " مبروك عليك يامعجبانى ياغالى " والتى غنتها فى فرح ابنة الرئيس جمال عبدالناصر ، كما تزوج على أغنيتها دقوا المزاهر آلاف العرسان.
رحلة تألق ونجومية وحزن وألم وفراق ومسيرة حياة كانت فيها سلطانة الطرب تجلس على عرش الشهرة والنجومية ، سمعها الأمراء والملوك والرؤساء ، كما استحوذت على قلوب البسطاء ، بينما تجلس الأن وحيدة فى شقتها ، لا تكاد تبرح غرفتها بعد أن نالت منها سنوات العمر وهجرها ونسيها نجوم وزملاء كانت سببا فى اكتشافهم ووضعهم على طريق الشهرة.
تجلس شريفة فاضل فى حجرتها، تستمع إلى أغنيتها الشهيرة، «تم البدر بدرى والأيام بتجرى».. وتنساب الدموع من عينيها وهى تودع الشهر الكريم، و تتذكر أحبابها الذين رحلوا مبكرا ومنهم ابنها البطل الشهيد الطيار سيد السيد بدير ، الذى استشهد فى حرب الاستنزاف ، فغنت لأمهات الأبطال أغنية " أم البطل " بدموعها ودماءها قبل أن يجف دمه.
تحكى سلطانة الطرب عن حياتها الحافلة بالأحداث ، حيث ولدت عام 1938، وهى حفيدة المقرئ أحمد ندا مؤسس دولة التلاوة، واسمها الحقيقى فوقية محمود أحمد ندا، وانفصل والداها، وتزوجت والدتها من إبراهيم الفلكى أحد أثرياء مصر، الذى أطلق اسمه على ميدان الفلكى الشهير.
تشير شريفة فاضل إلى أنها عاشت مع والدتها وزوجها فى عوامة بالنيل ، وكان يزورالأسرة كبار الأثرياء ورجال الدولة ومنهم الملك فاروق، الذى استمع إلى صوتها وهى طفلة فصفق لها.
وتحكى بداية طريق نجوميتها عندما سمعها رجل الأعمال الشهير «السيد ياسين» صاحب مصنع الزجاج الشهير، فاقترح على والدتها وزوجها أن تدخل المجال الفنى كمطربة فى فيلم من انتاجه، وهو فيلم «الأب»، الذى غنت ومثلت فيه وهى طفلة.
تشير إلى أن زوج والدتها شجعها وألحقها بمعهد التمثيل والإذاعة قبل أن تكمل سن 13 عامًا، وأن الشاعر صالح جودت، اختار اسمها الفنى وعرفها على كبار الشعراء والكتاب والفنانين.
وفى منتصف الخمسينيات تزوجت شريفة فاضل من المخرج والممثل السيد بدير، وأنجبت منه ولدين "سيد، وسامى" ، وحققت نجاحات كبيرة وقدمت العديد من الأعمال، التى تعتبر علامات فى تاريخ الطرب، ومنها «فلاح كان فايت بيغنى»، «حارة السقايين»، «وأه من الصبر وأه»، و«أمانة يابكرة»، «وأه يالمكتوب» و«الليل » ، وحازت لقب سلطانة الطرب لجمال صوتها وأدائها شخصية منيرة المهدية، التى أسندها لها المخرج حسن الإمام، وبسبب الغيرة الشديدة انفصلت عن سيد بدير.
تبكى شريفة فاضل وهى تتذكر ابنها الشهيد ، وكلما سمعت أغنية أم البطل ، وتحكى عن هذه المأساة المحفورة فى قلبها قائلة :" استشهد ابنى خلال حرب الاستنزاف وقبل انتصارات اكتوبر ، بعد تخرجه وتلقيه تدريبات على الطيران فى روسيا ، كان ابنى الكبير وأول فرحتى، وتوقفت عن الغناء بعد هذه الصدمة".
شريفة فاضل
تحكى عن عودتها للغناء بعد انتصارات أكتوبر :" فرحت لما انتصرنا فى اكتوبر وطلبت من صديقتى الشاعرة نبيلة قنديل تكتب أغنية عن أم البطل المقاتل ، علشان كل أمهات الأبطال اللى استشهدوا واللى انتصروا ،ونبيلة قعدت فى غرفة ابنى الشهيد نص ساعة ، وخرجت ومعها كلمات أغنية أم البطل ، وبكيت وأغمى عليا لما سمعت الكلمات ، وبعدها طلبت من الملحن على اسماعيل تلحينها وذهبت إلى الإذاعة لتسجيلها."
تبكى أم البطل وهى تتذكر هذا اللحظات :" كلمات الأغنية كانت صعبة عليا ، واتأثرت وأغمى عليا اكتر من مرة وانا باغنيها ، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلى طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت وسجلتها فى يوم واحد ، وكنت دايما باغنيها آخر أغنية فى الحفلات علشان مابقدرش أغنى بعدها".
أصيبت أم البطل بنزيف فى الشرايين أثناء غناء الأغنية فى إحدى الحفلات وتوقفت فترة عن الغناء ، ثم عادت من جديد.
تتحدث عن رائعتها " تم البدر بدرى" ، مؤكدة أنها كانت تحرص على أن يكون لها أغنية فى شهر رمضان ، فكتب كلماتها الشاعر عبدالفتاح مصطفى ولحنها الملحن عبدالعظيم محمد ، ورفضت الحصول على أجر مقابل غناءها ، قائلة :" كان كفاية عندى يكون ليا أغنية تتذاع فى شهر رمضان ، والحمد لله إن الناس لسه بيغنوها حتى لو مش عارفين اسم اللى غنتها."
كانت شريفة فاضل سببا فى اكتشاف وشهرة عدد من نجوم الفن ، بعد أن أسست كازينو الليل فى الهرم ، الذى كان ملتقى لأهل الفن ،وقدمت فيه عددا من الفنانين ، وتقول :" كنت عاملة كازينو الليل للعائلات ، كان مطعم ومسرح وكنت حاطة شروط علشان يكون مكان لائق ومناسب للعائلات وكان ممنوع ستات يدخلوا لوحدهم "
وأضافت:" كان محمد عبدالوهاب بييجى علشان يسمع أحمد عدوية".
باعت شريفة فاضل كازينو النيل بعدما أصيب زوجها الثانى اللواء طيار على زكى بالشلل فتفرغت لخدمته، وأنجبت منه ابنها تامر الذى يعيش معها حاليا، بينما يعيش ابنها سامى السيد بدير فى أيرلندا.
عانت "أم البطل" من التجاهل منذ بداية عهد مبارك، و تجاهلها المسئولون عن حفلات الإذاعة والتليفزيون الرسمية، رغم ماقدمته من أعمال وطنية ودينية ومكانتها التى كانت تحظى بها فى عهد الرئيسين جمال عبد الناصر والسادات ، فاعتزلت الغناء رغم قدرتها على العطاء فى بداية التسعينات.
تحرص على الصيام رغم حالتها الصحية، وتقضى أغلب وقتها فى حجرتها، مابين النوم والصلاة وقراءة القرآن.
" ماحدش بيزورنى من الوسط الفنى ، اللى بيغيب بيتنسى ، كانت فيفى عبده بتزورنى بس دلوقت خلاص الدنيا تلاهى وماحدش فاضى لحد ، أنا خلاص راحت عليا ومش هاخد زمنى وزمن غيرى ، كفاية إن الناس بتسمعنى لحد دلوقت"