"سوتشى" ونهاية مستقبل المعارضة السورية الغامض
الثلاثاء، 29 مايو 2018 02:01 م
الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد لمدينة "سوتشي" الروسية في 17 مايو الجاري، ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، جاءت لأزاحة الستار عن رفض دمشق لمشروع دستور جديد "يقلص" من نفوذ الأسد، وهو ما أكدتة وكالة " بلومبرج" على أن دمشق لن تقبل بالخطّة الروسيّة التى من شأنها التخفيف من قوة الأسد، في ظل الجهود التي يبذلها الكرملين لإجراء محادثات بهدف إنهاء الحرب السورية.
وعلى الرغم من أنّ الحكومة السورية نجحت في استعادة السيطرة على معظم المناطق في البلاد، إلا أن احتمالات التسوية تظل بعيدة، ويغذيها فى ذلك الإعتداءات المتكررة من قوات التحالف الدولى ممثلة فى أمريكا واسرائيل على سوريا بهدف اطالة أمد الأزمة، وحالة الإرتباك الأمريكى فى التعامل معها بدءا باعلان رحيل قواتها، والدعوة مجددا برحيل الأسد وأصرارها على عدم المشاركة فى إعادة إعمار سوريا من دون حصول انتقال سياسي.
وبالرغم من أن الخطّة الروسية لمسودّة الدستور التى كشفتها "بلومبرج" وتنصّ على شروط أساسيّة ممثلة فى "لامركزيّة" بعض سلطات الحكومة السورية، وأنّ الحدّ الأقصى الذي يحق به للرئيس أن يستمرّ بمنصبه هو دورتان انتخابيتان متتاليتان مدة كل منها سبع سنوات.
وليبقى السؤال أين المعارضة السورية من كل تلك التطورات والأحداث، والتى من المؤكد أنها بكافة أطيافها ومسمياتها منذ ظهورها بعيدة تماما عما يجرى وربما لاجود لها حاليا، فالمعارضة على مدى السنوات الثمان الماضية من عمر الأزمة، والتى أكلت معها الأخضر واليابس، قد فقدت الكثير من الزخم المترافق معها لتصل إلى مستويات متدنية فى تعامل المجتمع الدولى معها بوصفها معارضة غير مؤثرة سواء دوليا وعربيا لغيابها عن الأهداف الحقيقية التى تحفظ للوطن أمنه وإستقراره وسيادتة على أرضه، بسبب إرتباطها بمشاريع متعددة الإجندات والتوجهات، حتى ولو اقتضى الأمر العمل ضد رغبة السوريين .
حقيقة تؤكدها الكثير من التقارير السياسية والصحفية والإخبارية، التى رصدت وبشكل دقيق أفعال وتصرفات وتصريحات مسئوليها المتحولين والمتغيرين بشكل دائم وفقا للقوى الداعمه لها معنويا وماديا ولوجستيا، وبما يؤكد أن الجامع المشترك بينها،هو الاختلافات والتناقضات، وتبادل الإتهامات والتخوين فيما بينها، مما أفقدهم احترامهم أمام المجتمع الدولى، وعدم تمكن تلك المعارضة المنضوية جميعا تحت مسمى "الائتلاف السورى" من حشد حتى ظهير شعبى لها فى الداخل الذى يعانى الأمرين من جراء نزيف الدم المسال على مدار الازمة دون أن تحقق أية مكاسب تصب فى صالح الدولة والشعب السورى .
كما لم تتمكن المعارضة أيضا بمختلف أجنداتها المتعددة، والمرتبطة بوجودها بالدول المقيمة على أراضيها حتى أصحبت رهينة لها ولإرادات القوى الدولية المتصارعة على الأرض السورية، من إفراز معارضة وطنية خالصة تحفظ للسوريين دولتهم ووحدتهم ووطنهم وأرضهم، بل ساهموا فى تردى الأوضاع على المستوى الداخلى مما أفقدهم أيضا انعدام الثقة فيها طوال الأزمة بعد تراشق تبادل الأتهامات بالعماله فيما بينهم، وغاب عنهم ما يسمى ب"أصدقاء سوريا" والتى سرعان ما انفضت من حولهم ليبقوا مشردين فى دول اللجوء والشتات يقتاتون على دم الشعب السورى .
لقد عاشت المعارضة كافة دون أن يربطها هدف استراتيجى واحد جامع لوحدة السوريين، ومانع لأى فرقه بينهم، دون أن يعنيهم حقيقة ما وصل اليه الأمر من تدمير الدولة وتلويث ترابها بقوى الأحتلال الأجنبى " التركى والأمريكى " الذى سيطر على أجزاء من الوطن سواء فى شمال سوريا " أدلب وبعض المناطق بمحافظة حلب" أو فى "البادية السورية على الحدود السورية العراقية فى منطقة " التنف "، والتى تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية.
لقد شهدت المعارضة تغييرات بين رموزها، فمنهم من ذهب طى النسيان، واكتفى بما تحصل عليه من أموال لم يكن يحلم بها يوما مع شو اعلامى بين الحين والاخر، ومنهم من وقع فى "فخ" الإستقالات الغير مبرره تحت مزاعم كثيرة غير مقبوله، فإحدها تزعم تارة أنه طلب منها القبول بالرئيس بشار الاسد، واستمراره فى العملية السياسية، وهو ما أكدتة عضو المعارضة المستقيله "سهير الأتاسي"، في تصريحاتها من أن المجتمع الدولي يضغط على المعارضة للقبول ببقاء الأسد بحجّة الواقعية السياسية وسيطرة الروس على الملف السوري، وأن الخلاف حاليا أصبح حول فترة بقاء الأسد وإمكانية ترشحه للرئاسة مجدداً، وصلاحياته إن بقي رئيساً، وليس رحيله .
وفريق أخر قدم استقالات لذات السبب من قبل الهيئة العليا للمفاوضات، وعلى رأسها "رياض حجاب" الذى تصور أنه قاب قوسين أو أدنى من السلطة، ونتيجة للمتغيرات الجديدة على أرض الواقع فى احراز القوات الحكومية السورية سلسلة من الأنتصارات على "دواعش العصر" فى مختلف المواقع وإرغامها على الرحيل قسرا بعد معارك دامية، أسهمت فيها قوى الارهاب خطتها المحكمة فى تدمير كل ما هو قائم قبيل رحليها من أخر المعاقل بجنوب العاصمة دمشق وتحديدا فى منطقة " الحجر الأسود ومخيم اليرموك وحى التضامن " الملاصق للعاصمة، والتى أصبحت اليوم أمنة تماما بما فيها ريف دمشق.
فيما قدمت المعارضة بمواقفها المرتبكة والرافضة، مساحة جديدة من الثقة والقوة للدولة السورية لمواجهه كل من يرفع السلاح فى وجه الدولة، مما سبب لتلك المعارضة حالة من الانهيار والارتباك والضعف وربما الاندثار، وتغيير مواقفها بإرغامها على القبول "ببقاء الاسد" فى السلطة بوصفه توجها دوليا، ولو إلى حين، خاصة ومع تزامن الطرح الروسى بأن على الجميع القبول بما أعلنه مؤتمر "سوتشى" أنه لن يتعرض للرئيس بشار الاسد، فيما إعتبرت موسكو استقالة شخصيات متشددة بالمعارضة ستساهم في توحيدها، وهو أمر مشكوك فى تحقيقه إلى حين، خاصة مع اعلان الحكومة السورية على لسان نائب وزير خارجيتها أن دمشق بصدد البدء والتحرك عسكريا باتجاه الجنوب، وتحديدا فى محافظة درعا التى تقع على الحدود السورية الأردنية، لتحريره من عناصر الارهاب بمنطقة " انخل " والتى تبعد عن العاصمة دمشق قرابة المائة كم، والتى شهدت مؤخرا تدخلا عسكريا من قبل قوات التحالف الدولى ممثلة فى أمريكا وبتعاون من قبل اسرائيل تخوفا من المد الأيرانى وحزب الله فى "الجنوب"، والذى يشكل تهديدا لإسرائيل من وجهة النظر الأمريكية وتغييرا فى قواعد اللعبه مع اسرائيل .