انتصارات رمضانية.. فتح مكة.. عندما دخل الناس في دين الله أفواجاً
الثلاثاء، 29 مايو 2018 09:00 مكتب - محمد الشرقاوى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكم فى أيام ربكم لنفحات ألا فتعرضوا لها»، وأظهر الحديث الشريف فضل الأيام المباركة التى أمر الرسول الكريم بانتهازها واستغلالها أحسن استغلال لما فيها من عظيم الفضل، لذا كانت هناك بركات وانتصارات فى معارك عسكرية خاضها المسلمون. شهر رمضان المعظم، ظل شهرا للنصر، من بداية الغزوات الإسلامية حتى الآن، وتحققت فيه انتصارات رائعة، سجلها التاريخ العسكرى والإسلامى، فحقنت فيه دماء سفكت، وحفظ الله بفضله أرواحا كانت منتهكة.
فى السنة الثامنة من الهجرة نقضت قريش صلح الحديبية مع النبى صلى الله عليه وسلم، حين ساعدت قبيلة بكر فى حربها ضد خزاعة.
ولما أحسّت قريش بخيانتها، أرسلت أبا سفيان إلى المدينة؛ ليقوم بتجديد الصلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويزيد فى مدّته، ولكنه فشل فى ذلك، وعاد إلى مكة خائبًا، ثم خرج ثانية عندما اقترب الجيش من مكة، ولم يستطع أن يفعل شيئًا، فأسلم وعاد إلى مكة ليحذر قريشًا من مقاومة المسلمين.
وقت أن نقضت قريش صلح الحديبية، عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على فتح مكة، فأخذ يُعِدّ العدّة لذلك فى سرية وخفاء، وفى اليوم العاشر من شهر رمضان فى السنة الثامنة من الهجرة، تحرّك عشرة آلاف صحابى تحت قيادة رسول الله لفتح مكة، وخرجوا من المدينة وهم صائمون، وفى الطريق إلى مكة، قابل الرسول عمه العباس مهاجرًا مع أهله إلى المدينة، فصحب العباس رسول الله فى سيره إلى مكة، بينما تابع أهله طريقهم إلى المدينة.
وفى منطقة تسمى «مرّ الظهران» نزل الجيش وكان الليل قد دخل، فأمر رسول الله بإيقاد النار، فأوقدوا نارًا عظيمة، أدخلت الرعب فى قلوب المشركين.
وفى اليوم الثانى تحرك الجيش، ودخل رسول الله مكة، واتجه إلى ذى طوى، وخرّ ساجدًا شكرًا لله على ما أكرمه به من العزة وذلّ الكافرين، وهنا قسم رسول الله الجند، فسار الزبير بن العوام بجزء من الجيش، وانطلق سعد بن عبادة بقسم آخر، ثم أخذ على بن أبى طالب الراية، ودخل خالد بن الوليد مكة من جانب آخر، وسار أبو عبيدة بن الجراح بين يدى رسول الله حتى نزل أعلى مكة.
ولم يلق المسلمون أية مقاومة تُذكَر أثناء دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش، وهرب المشركون بعدها، وقد أمر النبى -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم.
وبعد أن هدأت أوضاع الناس دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، المسجد الحرام وحوله الأنصار والمهاجرون، ثم طاف بالبيت وفى يده قوس، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فأخذ يطعنها بالقوس، ويقول: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).
أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، وفتحها ثم دخلها، فرأى صورًا فمحاها، وحطم الأصنام، ثم صلى فى داخلها، وخرج فوجد المسجد قد امتلأ بأهل مكة ينتظرون مصيرهم، فخطب فيهم، ثم قال: «يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل بكم؟»، قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ثم أعطى رسول الله مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة.
كان لفتح مكة أثر كبير فى تاريخ البشرية، فقد قضى على الأوثان والشرك فى مكة تمامًا، وتسابقت الشعوب والقبائل إلى الدخول فى الإسلام، قال تعالى عن نتيجة الفتح: «إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا».
ودخلت الجزيرة العربية بأكملها فى دين الله، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم فى بعث الرسل إلى البلاد المجاورة، ووضع النبى الأسس الخالدة التى قامت عليها الفتوحات الإسلامية، مثل عدم الاعتداء على المدنيين، وعدم قطع شيء من النبات بلا فائدة، والعفو والصفح عند المقدرة.
بلاط الشهداء.. انتصار توقفت معه فتوحات المسلمين فى أوروبا
من بين الانتصارات الرمضانية معركة «بلاط الشهداء سنة 114 هجرية»، وفتح المسلمون للأندلس، ولم يتوقفوا عند ذلك، بل دفعهم شعورهم بالانتصار، إلى عبور جبال البرانس الفاصلة بين الأندلس وفرنسا وكان أول من فكر فى هذا الأمر القائد موسى بن نصير، الذى أراد دخول فرنسا ثم بقية أوروبا، حتى يصل إلى القسطنطينية، عاصمة الدول البيزنطية من الغرب.
وظلت فكرة فتح فرنسا حلما، يراود القادة المسلمين، حتى دخل بالفعل والى الأندلس الحر بن عبدالرحمن الثقفى جنوب فرنسا، وجعل مدينة «أربونة» قاعدة لمن أراد من المسلمين فتح أوروبا، ثم حاول السمح بن مالك الخولانى، تحقيق تلك الفكرة ولكنه استشهد فى تولوز وانهزمت جيوشه المسلمة، ورجعت إلى أربونة.
ولما دعا القائد عبدالرحمن الغافقى، استجاب المسلمون لذلك، حينها تناهت إلى «دوق اكتانية» الأخبار المفزعة عن مصرع صهره عثمان بن أبى نعسة، وبلغته أنباء النهاية التى صارت إليها ابنته الحسناء (مينين)، فأدرك أن طبول الحرب قد دقت، وأيقن أن أسد الإسلام عبدالرحمن الغافقى فى دياره.
انطلق الغافقى، بجيشه من شمال الأندلس، وانصب على جنوب فرنسا من فوق جبال البرنيه، كما ينصب السيل، ثم عبر بجيشه الجرار نهرالجارون، وطفقت كتائبه تجوس مقاطعة أكتانية ذات اليمين وذات الشمال.
ثم اتجه المسلمون إلى مدينة «بوردو» كبرى المدن الفرنسية آنذاك، وعاصمة مقاطعة أكتانية، وقد كان سقوط المدينة، فاتحة لسقوط مدن أخرى كثيرة خطيرة أهمها «ليون وبيزانسون وسانس».
اهتزت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها لسقوط نصف (فرنسا) الجنوبى كله فى يدى عبدالرحمن الغافقى خلال بضعة أشهر، وفتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم، ودب الصريخ فى كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف فى وجه هذا الهول القادم من الشرق.
كان الجيش الإسلامى آنذاك قد بلغ مدينة «تور» طليعة مدن فرنسا فى رمضان 114 هجرية، فحاصرها المسلمون، فما لبثت أن سقطت بين أيديهم على مرأى شارل مارتل.
لا تتفق المصادر على تاريخ بدأ وانتهاء المعركة وكم كانت مدتها، استمرت المناوشات بين الفريقين لأيام، إلى أن لجأ المسلمون للهجوم فى اليوم الأخير بفرسانهم على جيش شارل، الذى تحمله مشاة جيش الفرنجة، وبدا كما لو أن المسلمين اقتربوا من النصر.
إلا أن شارل أرسل فرقًا يعتقد أنها كانت بقيادة أودو هاجمت معسكر المسلمين من الخلف، ما دفع المسلمين لمحاولة إنقاذ معسكرهم، حاول الغافقى ومن بقى من جنوده معه الثبات فى القتال والسيطرة على الموقف بعد أن اضطربت صفوف المسلمين، وظل يقاتل حتى قُتل.
ثم نجح بقية جيش المسلمين فى الدفاع عن معسكرهم حتى نهاية اليوم، وفى الليل، اجتمع قادة الجيش ورأوا أن ينسحبوا ليلًا بعد أن فقدوا قائدهم عبدالرحمن الغافقى، وفى اليوم التالى، عندما وجد الفرنجة أن القتال لم يتجدد تخوفوا من أن يكون ذلك كمينًا، إلى أن استطلعت قواتهم مخيمات المسلمين التى تركوها وراءهم ووجدوها فارغة.