مولانا الحلقة 7.. الجنيد «طاووس العلماء»
السبت، 26 مايو 2018 01:00 م
يعد أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السنى في القرن الثالث الهجري ولقب بـ«طاووس العلماء» و«إمام الطائفتين» والمقصود بهما «الصوفية والفقهاء».
يرجع العلماء أصل الجنيد إلى نهاوند في همدان «مدينة اذرية» حيث ولد سنة نيف وعشرين ومئتين للهجرة ومولده ومنشؤه ببغداد. قال عنه أبوالرحمن السلمى والذى يعد من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة».
كان الجنيد يفتي في حلقتهِ وهو ابن عشرين سنة، وتوفي يوم السبت سنة 297 هجرية وصحبه جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبةِ خالهِ سرى القسطى، والحارث المحاسبى، ودرس الفقه على أبي ثور.
يقول السلفيون قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ " أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ "؛ بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا ، وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا ، وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا ، مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ ، وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ : جَيِّدٌ ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِهِمْ ، وَكَلَامِ نُظَرَائِهِمْ ، مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَرْجُوحَةِ ، وَالدَّلَائِلِ الضَّعِيفَةِ ؛ كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ ، وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِدُ ، مَعَ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى» .
كما يتابع السلفيون :«الجنيد بن محمد رحمه الله : سيد الطائفة ومقدم القوم ، كان على حال من العبادة والزهد والتأله ، مستقيما على طريقة السلف في الجملة ، يعظم الكتاب والسنة ، وينهى عن الإحداث والبدعة ،وهو : الجنيد بن مُحَمَّدِ بْنِ الجنيد أَبُو الْقَاسِمِ الخزاز ، ويقال القواريري وقيل : كان أبوه قواريريا، وكان هو خزازا ، وأصله من نهاوند ، إلا أن مولده ومنشأه ببغداد ،قال الخطيب البغدادي رحمه الله :«سمع بها الحديث ، ولقي العلماء ، ودرس الفقه عَلَى أَبِي ثور ، وصحب جماعة من الصالحين ، منهم الحارث المحاسبي ، وسري السقطي ،ثم اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سنه ، وصار شيخ وقته ، وفريد عصره فِي علم الأحوال والكلام عَلَى لسان الصوفية ، وطريقة الوعظ ».
يقول الجنيد:«رأيت حكايات أبي يزيد رحمه الله على ما نعته ينبىء عنه: أنه قد غرق فيما وجد منها وذهب عن حقيقة الحق، إذا لم يرد عليها، وهي معان غرّقته على تارات من الغرق، كل واحد منها غير صاحبتها...، أما ما وصف من بدايات حاله فهو قوي محكم، قد بلغ منه الغاية، وقد وصف أشياء من علم التوحيد صحيحة، إلا أنها بدايات، فيما يطلب منها المرادون لذلك».
هناك قصة شهيرة وقعت بين البهلول والجنيد حيث كان الجنيد البغدادي يُعد من أشهر عرفاء بغداد وكان معروفاً بالعلم والفضل فسمع ذات يوم حديثاً عن بهلول وأفعاله الغريبة على لسان تلامذته فسألهم الجنيد وقال: من بهلول هذا؟ فقال التلاميذ: رجل مجنون، ليس له مكان معروف.
فطلب الجنيد رؤية بهلول، فذهب التلاميذ للبحث عن بهلول فوجدوه وقالوا له: إن شيخنا يطلبك ،فقال البهلول: إن كان لشيخكم معي حاجة فليأتِ هو إليّ.
فلما سمع الجنيد من تلامذته قول بهلول، قال: إن الحق معه ثم ذهب الجنيد بنفسه مع تلامذته إلى البهلول وبعد السلام والجلوس والمقدمات ،قال البهلول: من أنت؟ فقال الجنيد: أنا جنيد البغدادي وعملي تربية وهداية البشر،فتبسم البهلول قائلاً: إن كنت كذلك فهل تعرف آداب أكل الطعام فقال الجنيد بكل ثقة: نعم ، وقال: أبدأ بذكر الله، آكل من أمامي، التقم الطعام قليلاً قليلاً، وإلخ ،نهض البهلول من الأرض وقال: كيف تهدي الناس يا شيخ وأنت لا تعرف حتى آداب طعامك بعد؟
فقال التلاميذ: يا شيخ هذا مجنون، لكن الجنيد لا يعتقد بأن البهلول مجنون فأصبح الجنيد ينادي البهلول قائلاً إن لي معك حاجة ،فقال بهلول: إن كنت لا تعلم آداب الطعام فهل تعرف آداب الكلام، قال الجنيد: نعم، وهو أن لا أتكلم إلا بمقدار، ولا أقول قولاً شططا ووو إلخ
ذهب بهلول واستمر في طريقه، فناداه الجنيد مرة أخرى، فقال البهلول: ظهر لي أنك لا تعلم آداب الطعام ولا آداب الكلام فما تريد مني؟ ،فقال التلاميذ لأستاذهم الجنيد، يا شيخ هذا الرجل مجنون، فما تنتظر من مجنون أكثر من ذلك؟ ،انتهرهم الجنيد وقال: إن كان مجنوناً فعلينا أن نستمع لما يقول ،تبع الجنيد البهلول، لكن البهلول حاول الإبتعاد عنه كثيراً فناداه الجنيد: إن لي معك حاجة. فقال البهلول: ما حاجة من لا يعرف آداب طعامه ولا آداب كلامه معي؟
فقال الجنيد: أعلم شيئاً كثيراً. فقال البهلول: أخبرني هل تعرف آداب النوم؟ قال الجنيد: نعم، إن أتممت صلاتي المغرب والعشاء ومن ثم الدعاء، لبست ثوب النوم وووو إلخ ،فقال البهلول: إذاً حتى آداب النوم لا تعرف. فقال الجنيد:
أنا الجنيد البغدادي علّمني ما تعلم لما فيه رضا الله سبحانه وتعالى ،فقال البهلول: أما ما ذكرت من آداب الطعام فكله فرع، وأما الأصل في ذلك: فأن يكون طعامك من حلال، فإن لقمة الحرام لا ينفع معها مئات ما ذكرت من الآداب، وهي التي تسوّد القلب.
وأما آداب الكلام: فإنه لا بد من طهارة قلبك وصفاء نيتك وأن يكون كلامك طلب رضا الله لا من سواه، وأن تجتنب لغو الحديث فإنه يجرّ إليك يوم القيامة الويلات والثبور ولا ينفع معه شيء مما ذكرت من الآداب.
وأما آداب النوم: ما ذكرته فهذا فرع، وأما الأصل فيه فهو أن تفرّغ قلبك من حب الدنيا والحسد والبغض والعداء للمسلمين وأن تلهج بذكر الله تعالى حتى تنام عيناك ،وكان الجنيد العارف العالم جالساً أمام البهلول وكأنه تلميذ، فانحنى الجنيد على يدي البهلول وقبلهما وقال: «علّمتني الحق، أرجو أن يجزيك الله عني خيراً يوم الجزاء».