قصة منتصف الليل: المتفائلة والمتشائم وبينهما النصيب
الخميس، 24 مايو 2018 08:45 مأحمد سامي
ما بين التفاؤل والتشاؤم خيط رفيع، فكلاهما يرا نفس الأشياء ولكن لكل منهما نظرته المختلفة، فمن يحيا بالأمل يعيش أبد العمر سعيد فتتولد بداخله طاقة نور من الرضا بالقادم مهما كانت عواقبه، وكما قال الشاعر محمود درويش لأنني أحب الحياة أريد أن أودعها ضاحكا، فالصبر على الابتلاءات يمحيها والصبر في المنح يزيد الإنسان قوة فاضحك واعلم أن القادم أفضل طالما تحيا بالإيمان.
ما بين الفرحة واليأس جلست «حسنية» تفكر في حياتها التي أصبحت تدور في فلك الأزمات، فما أن تشعر بأن الفرج قادم وستزول سحابة اليأس عن حياتها حتى تجد أن الأمور لا تسير كما ترام، ولكنها في النهاية تسلم أمرها لخالقها وتردد في داخلها: «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».
بلغت حسنية عامها الخامس والأربعين نشأت في إحدى قرى مدينة بني سويف فهي الكبرى بين ثلاثة أشقاء ولكنها ليست على قدر من الجمال، ولكن تنتمي لعائلة ثرية والدها وأشقاءها يمتلكوا الكثير من الأطيان والأموال، ويعيشوا على وهم الطمع بهم فكل من يتقدم لخطبتها والزواج منها يقابل بالرفض لاتهامه بالرغبة في الاستيلاء على ميراثها.
تعددت حالات الرفض من قبل أشقاءها فلم يقبل بأي شخص يتقدم لها الأمر الذي جعلها تضجر من حياتها، فهي تتمنى أن تتزوج وتصبح أمًا ولكن عائلتها تقف كحائط سد أمام رغبتها وترفض، حتى بلغت عامها الواحد والثلاثين وتقدم للزواج منها شخص من خارج القرية وعلى نفس المستوى الاجتماعي للأسرة فوافق أشقائها على مضض، فرحت من قلبها وأحسست بأن الله أنعم عليها بالزواج وبدأت في تحضير التجهيزات وشراء المنقولات الزوجية وغيرها من الأمور، وبعد عام من الخطبة وأثناء عقد القران قام أشقاءها بإلزامه بكتابة مبلغ مالي ووضعه باسمها في البنك وقطعة أرض وغيرها من الأمور لتنتهي الزيجة قبل أن تبدأ.
عاد الحزن ليرتسم على وجهها مرة أخرى، فبعد أن كانت تجهز نفسها للزفاف لملمت أغراضها ووضعتها جنبا حتى لا تتحسر على ضياع فرحتها كلما رأتهم، مرت ثلاثة أعوام وبقى حالها كما هو عليه فرغم وفاة والدها فلم يحن قلب أشقاءها عليها واعتبروها زوجات أشقائها كالخادمة بالمنزل ترعى الأطفال وتشرف على الأكل بالمنزل.
ظل العمر يجري بها وهي تعيش على وحدتها، فلم يعد يتقدم أحد للزواج منها، فباتت تدعي ربها أن ينتشلها من هذه الحياة فهو وحده القادر على تحقيق حلمها فأشقاءها انتزعت من قلوبهم الرحمة، يستولوا على ميراثها ويرفضوا زواجها، حتى تقدم للزواج منها شخص في نفس عمرها تزوج من قبل ولم يوفق وسيصطحبها معه للعيش بالقاهرة ولا يريد منها أموال أو ميراث ولكن يريد من تؤنس وحدته، هبطت «حسنية» على قدمي شقيقها تستعطفه وتطلب منه الموافقة على الزواج فهي لا تريد الأموال ولكن تريد أن تعيش حياتها كأي امرأة.
وافق شقيقها على الزواج ولم يمر شهر حتى انتهت من كل الترتيبات والتجهيزات اللازمة وحان موعد الزفاف، لتكن المفاجأة في انتظارها فأثناء قدوم المأذون لكتب الكتاب سرق منه دفتر قيد الأزواج، الأمر الذي دفع الزوج للتشاؤم من هذه الزيجة ورفض إتمامها، ليهبط عليها الخبر كالصاعقة وتصيبها حالة من فقدان النطق المؤقت بعد صدمة ضياع فرحتها للمرة الثانية.
لم تكن تعلم حسنية أن القدر يخبأ لها شئ أجمل في انتظارها، فلم يمر شهرين على هذا الأمر حتي فاجأتها خالتها بخبر سار فقد تقدم شخص للزواج منها بعد أن علم بقصتها وصبرها علي هذه الحياة فقد توفيت زوجته ويريد أن يتزوج من آخري، وكل ما يريده أن تكن أنسانة طيبة حسنة المعشر، لم تفرح كعادتها بالخبر حتي لا تكن الصدمة الثالثة في انتظارها، ولكنها تمهلت ودعت الله أن يساعدها ويكن إلى جوارها، وبعد ثلاثة أسابيع أصر العريس على أن يدخل السعادة إلى قلبها وترتدي الفستان الأبيض ككل البنات وتزف في فرح كبير يحضره كافة أهل القرية لتمر الأشهر وهي تنعم بالسعادة مع زوج حنون أنساها حياة الشقاء والألم السابقة.