مجرمون ولكن أبطال..«أدهم الشرقاوي »: «منين أجيب ناس لمعنات الكلام يتلوه»
الإثنين، 14 مايو 2018 09:00 م
عاشت شخصية « أدهم الشرقاوي» الأسطورية فى الوجدان الشعبي ، بفضل ما روى عن مغامراته ضد الانجليز الذين كانوا يحتلون مصر وقتها ، وتنكره فى العديد من الشخصيات خلال نضاله ضد هؤلاء المستعمرين واللصوص والعمدة الظالم ، فيما تظل هناك رواية مغايرة تماما تصفه باللصوصة والإجرام !، كما أن هناك طرح آخر غير مؤكد بوجود صراع على منصب العمودية كان بين أدهم وعمه عبد المجيد بك الشرقاوى لذلك كان « أدهم » يتعمد إثارة الفوضى في القرية حتى تفصل السلطات عمه من منصبه.
المطرب الراحل «محمد رشدى» استعرض ملحمة أدهم الشرقاوي في الإذاعة عام 1962 من خلال الموال الشهير «منين أجيب ناس لمعنات الكلام يتلوه ،شبه المؤيد إذا حفظ العلوم وتلوه ،الحادثة اللي جرت على سبع شرقاوي ،الاسم أدهم لكن النقب شرقاوي ،مواله أهل البلد جيل بعد جيل غنوه».
لاقى العمل الإذاعي نجاحا مدويا لتدخل السينما على الخط ، ليخرج إلى النور ففيلم «أدهم الشرقاوى» والذى لعب بطولته عبدالله غيث وغناء الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، عرف الناس أدهم الشرقاوى بطلا يدغدغ أحاسيسهم وهى و الذى جمع كافة المتناقضات فى حكايته الشهامة، ومقاومة المحتل، وسرقة الأغنياء، وكبرياء الأبطال، والنهاية عن طريق خيانة أقرب صديق له ؟
ولد أدهم عبدالحليم عبدالرحمن الشرقاوي المولود فى عام 1898، أى بعد الاحتلال الإنجليزى لمصر بـ17 عاما، فى قرية زبيدة، مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة وقتل فى أكتوبر عام 1921 عن عمر يناهز الـ 23 عاما.
تلقى ادهم الشرقاوى تعليمه فى مدرسة فرنسية خاصة بمدينة طنطا فضلا عن إجادته الانجليزية واليونانية وفق اقاربه الذى كانوا قد أكدوا إنه أمتلك ذكاء و قوة هائلة وصلت إلى درجة أنه كان يرفع رحى الطاحونة الثقيلة وحده، كما كان يجيد ركوب الخيل والسباحة
لا يختلف أحد على تفاصيل حكاية أدهم الشرقاوى والتى بدأت وهو فى سن التاسعة عشرة عندما ارتكب حادثة قتل وشهد عمه عبد المجيد بك الشرقاوى عمدة قرية زبيدة ضد أبن أخيه وخلال محاكمة «أدهم» سمع أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد وحكمت المحكمة عليه بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة قضاها في ليمان طرة .
لكن لماذا قتل أدهم الشرقاوى أول شخصا فى حياته ؟. كان هناك شخصا ثريا يدعى إبراهيم حافظ يمتلك عزبة مجاورة لأرض محمود الشرقاوى عم أدهم ووقعت خصومه ليحرض حافظ ضد بعض الأشخاص فيقتلوا «الشرقاوي »، ويصمم أبن شقيقه أدهم على أخذ الثأر ويعلم «حافظ » بذلك فيستأجر بضعة أشخاص لقتل «أدهم» ويكتشف الأخير أحدهم ويقتله.
فى سجن طرة يقابل أدهم الشرقاوى قاتل عمه ويدعى عبدالرؤوف عيد قاتل عمه فيقتله- طبقا لسريته الشعبية - ، ثم يهرب بأن يخلع بوابة الزنزانة ويقيد حارسه بالسلاسل، ويهرب مع زملائه فى الزنزانة ليستطيع «الشرقاوى »ومن معه الهروب السجن بعد معركة رهيبة لتبدأ أسطورة أدهم الشرقاوى الذى تنكر فى العديد من الشخصيات لينفذ مغامرات تناقلها الناس وساعده فى ذلك اجادته لعدة لغات أجنبية فقد تنكر ذات مرة فى شخصية «خواجة» ويتحاكى الناس بمغامراته وقدراته الخارقة خاصة بعد أن يقتل صهر وزير الأوقاف ، وتفشل السلطة فى الإيقاع به إلى أن يسقط بخيانة « بدران» أعز صديق له .
تقول جريدة «اللطائف المصورة» إن أدهم الشرقاوى ظل يرتكب الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب فى ناحية زبيدة حتى يكون ذلك مدعاة رفت عمه من العمدية فلم يفلح أيضا، وعندما كبرت عصابته كان يتم استئجاره لارتكاب جرائم القتل «مقابل المال» فقتل الكثيرين وكان منهم خفير نظامى بعزبة خلجان سلامة وشقيقه الشيخ أبو مندور وهو من أعيان المركز وآخرون، ثم أخذ يهدد العمد والأعيان ليبتز منهم مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه،
وأخيرا هاجم أدهم الشرقاوى مع أحد أعوانه- وكانا ملثمين- الشيخ حسين السيوي وهو من أعيان ناحية كفر خليفة، وكان أدهم الشرقاوى يطارده وهاجمه بينما كان جالسا مع خمسة من أصدقائه أمام منزله يتحادثون ويلعبون الطاولة، وكان ذلك فى الساعة العاشرة صباحا أى فى رابعة النهار، وصرخ فيهم أدهم الشرقاوى وأطلق رصاصة على الشيخ حسين السيوى فأرداه قتيلاً، فدب الرعب فى قلوب الأهالى،
وكان أدهم الشرقاوى يسطو على التجار على قارعة الطريق نهارا ويسلب محافظهم وما يحملون وعندما شاع الرعب بين الناس عززت الحكومة قوات الأمن فى المنطقة وأكثرت من دورياتها، وتخاصم أدهم الشرقاوى مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا فوشى به الخفير لدى البوليس ودلهم على مكانه وحين شددت الحكومة النكير على أدهم الشرقاوى وجدّت فى مطاردته تركه أعوانه خوفاً على حياتهم، أما أدهم فلم يخف بل ظل ينتقل بين مراكز ايتاى البارود وكوم حمادة والدلنجات.
وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس التوفيقية أحد الجاويشية ويدعى محمد خليل ومعه أومباشى سودانى وأحد الخفراء فكمنوا له فى غيط ذرة بزمام عزبة جلال، وكان أدهم الشرقاوى فى حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غذائه الذى جاءته به امرأة عجوز، وكان يخفر أحد الخفراء النظاميين.
تتابع اللطائف :«ولما أحس أدهم الشرقاوى بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته الماروز دفاعا عن النفس ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا» وتقول «اللطائف المصورة» أن أدهم الشرقاوى (لم يكن قوى العضلات بدرجة تمكنه من ارتكاب هذه الجرائم، ولكنه من أجرأ اللصوص والقتلة فلا يبالى بالحكومة ولا ببطشها)، وفى عدد اللطائف صورة لأدهم الشرقاوى أخذت له بعد٢٥ ساعة من مصرعه التقطها له مصوراتى البحيرة الخواجة فؤاد نجم بدمنهور».
ارتبطت شخصية «بدران» بالسيرة الذاتية لأدهم الشرقاوي، فقد تناولها المطرب الشعبي الراحل محمد رشدي في ملحمته الغنائية، وهى الشخصية التى قدمها توفيق الدقن فى الفيلم، وحسين الشربينى فى المسلسل.
الأعمال الفنية التى تناولت سيرة أدهم الشرقاوي أظهرت« بدران» بالشخص الخائن الذي أبلغ عن أدهم الشرطة ما تسبب في مصرعه فيما يؤكد البعض أن بدران كان فى منتهى الوفاء لأبن عمه أدهم الشرقاوي وكان يعمل شيخ خفر وكان يبلغ الأخير بالحملات الأمنية التى ستداهم القرية للقبض على أدهم ، والمرة الوحيدة التى لم يعلم فيها بقدوم قوات الشرطة جرى بالفعل مقتل أدهم الشرقاوي .
عاش « بدران »ومات وهو حزين بسبب إلصاق تهمة الخيانة به وهو منها بريء ويرجع البعض السبب في تشويه صورة بدران إلى أتباع أدهم الشرقاوى نفسه للإيحاء بأنه بدران هو من وشى به عند الانجليز بعد أن دوخ أدهم الجميع وقتها
لم يسلم «بدران »من اتهامه بالخيانة خلال الأعمال الفنية التي تناولت سيرة أدهم الشرقاوي ، وهو الذى كان دائما ما يؤكد أنه برىء- ما جعل البعض يتداول عبارة «يا خوفى يا بدران ليكون آخر عشا » للتدليل على خيانة بدران لصديقة بطل الملحمة الشعبية التي عاشت في وجدان الجميع.