«مجرمون ولكن أبطال».. حافظ نجيب.. محتال مسلم ترهبن ليصبح بطريرك الحبشة
الإثنين، 14 مايو 2018 07:00 م
ظلت شخصية حافظ نجيب المغامر والأديب المحتال لغزا فقد كان شخصية حقيقة من لحم ودم ، وليس من وحى خيال مؤلف مسلسل فارس بلا جواد، والذى كان قد لعب بطولته الفنان محمد صبحى، وهو المسلسل الذى كانت قد اعترضت دولة الاحتلال على عرضه نظرا لتطرقه إلى «بروتوكولات حكماء صهيون»
امتلك «حافظ نجيب» قدرات مدهشة بالتنكر والحديث بعدة لغات كما كان قادرا على انتحال الشخصيات بمنتهى الاتقان وهى القدرات التى وظفها فى افلاته من المآزق التى تعرض لها وقصة التحاقه بالمخابرات الفرنسية ثم افتضاح امره وتهريبه إلى مصر ، وهروبه من السجن أكثر من مرة ، واستمراره فى ممارسة هواية التنكر وانتحال الشخصيات إلى أن سقط فى قبضة البوليس.
كتب حافظ نجيب مذكراته حتي عام 1908 ونشرها الكاتب والباحث ممدوح الشيخ فى عام 1996 تحت عنوان «اعترافات حافظ نجيب » كما كتب عنه الأديب جورج طنوس كتاب بعنوان «الراهب المسلم» وكان قد نشره قبل أن يموت حافظ نجيب عام 1910 وهى الرواية التى حفلت بأحداث غريبة ومثيرة وعدها النقاد واحدة من اجرأ أو أروع روايات أدب الاعتراف في تاريخ الأدب العربي ، قيروى حافظ نجيب تفاصيل دخوله السجن أكثر من مرة وهروبه منه مرات عديدة ، وتنكره في شخصيات عدة وهو نفسه الذى يدخل الدير راهباً بينما هو في الحقيقة مسلم ،ويموت ويعود من الموت ويتزوج أميرة اسبانية ليحصل على لقب أشهر محتال في مصر فقد أبدع في تقمص الشخصيات لدرجة إنه كان سيصبح بابا الأقباط بعد تقمصه شخصية راهب باحد الأديرة.
الباحث والناقد المسرحي د- سيد علي إسماعيل كان قد حقق في حياة حافظ نجيب الذي :«كأنَّه كان مصاباً بلوثة عقلية لشدَّة إصراره على أن يعيش أدواره متنقلاً بين ثيمتي الخير والشر بصفته طرفاً منتجاً لهما دون أن يعنيه الضرر الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي الذي يلحقه بالمتعاملين معه».
يقول على إسماعيل :«حافظ نجيب في اعترافاته، كان يدافع عن نفسه أمام تهمتَي النصب والاحتيال بكل قوَّة، وكان يبرِّر الاتهامات الموجَّهة له، بأنَّها اتهاماتٌ من تدبير الأميرة فيزنسكي!. وعندما يتعرَّض إلى اتهام معيَّن من الصعب تبريره، كان يمر عليه مرور الكرام، ولا يوضحه، وهنا يسأل الباحث: هناك هاجس يراودني، ويتمثَّل في شكوك حول الاعترافات نفسها، فأنا أشكُّ في أنَّ حافظ نجيب هو الذي قام بكتابة الاعترافات، وأشعر بأن أحداً آخر قام بذلك، من أجل تبرير تُهم النصب والاحتيال! ،وهذا الاحتمال له أسباب عديدة، منها أن حافظ نجيب اعترف بتصرفات مخزية كثيرة فلماذا يتهرب من الاعتراف بجرائم النصب والاحتيال؟!
ومن الأسباب أيضاً؛ أنَّ معظم أحداث الاعترافات التي نُشرت عام 1946 تمَّ نشْرها في مسرحيات وقصص مُمثَّلة ومنشورة منذ عام 1915، قام حافظ بتأليفها وتمثيلها ونشْرها، والاعتراف بأنَّها قصص من حياته! لذلك كان من السهل أن يقوم أي إنسان، بتجميع هذه الأعمال والعبث في بعض أحداثها، ونشْرها على شكْل اعترافات.
أما آخر الأسباب وأهمها -برأي المؤلف- والذي يؤكِّد أن هذه الاعترافات تمَّ العبث بها من قِبَل آخرين، أنَّ حافظ نجيب توقَّفَ عن إصدار مجلته (الحاوي) بعد صدور العدد رقم 41 بتاريخ 24/3- 1927، ثم أعاد إصدار المجلة مرة أخرى عام 1929وفيها بدأ في نشْر اعترافاته، قبل أن تَظْهَر في شكل كتاب بعد وفاته عام 1946.
الكاتب والباحث ممدوح الشيخ كان قد أعد دراسة عن حياة حافظ نجيب الحقت برواية كان قد كتبها «نجيب» بنفسه عن تفاصيل حياته المثيرة وهى الرواية التى أعدها للنشر وقدمها ممدوح الشيخ ، حيث تدور احداثها بين عامي 1855 و1909، وفيها يروي حافظ نجيب بعض تفاصيل مغامراته وقصة الباشا التركي الذي اختطفه من ابويه ورباه وزوّجه ابنته، وتجربته في المدرسة العسكرية والأميرة الروسية التي أحبته واصطحبته خارج مصر حيث درس الفنون العسكرية في فرنسا كما يتطرق حافظ نجيب إلى حربه مع الجيش الفرنسي في الجزائر.
يقول ممدوح الشيخ فى مقالا بعنوان «حقيقة الماضي السري للمغامر المصري حافظ نجيب بطل «فارس بلا جواد» تطرق فيه إلى نشأة التنظيمات السرية قائلا :« ومن قصص «دولة التنظيم السري» المثير في تاريخنا القريب ما رواه المغامر المصري حافظ نجيب في كتابه «اعترافات حافظ نجيب» الذي اكتشفته وقمت بإعادة نشره عام 1996 نجاحه في اختراق سلك الرهبنة في الكنسية القبطية الأرثوذكسية «رغم أنه مسلم».
يتابع الشيخ :«تبدأ أحداث «اعترافات حافظ نجيب» في حياة والده محمد نجيب، كان طفلا صغيرا يذهب مع أبيه ليلهو أمام محله التجاري بمنطقة الأزهر، وذات يوم وهو يلعب عبر الشارع جريا وراء لعبة فرت منه فكاد «حنطور» أن يدوسه. وتوقف «السايس» بسرعة ونزل ليأخذ الطفل في العربة ويمضي. وخرج والد محمد نجيب وجيرانه يجرون وراء العربة وينادون «التركي» ليترك الولد. سارت السيارة حتى وصلت قصرا بمنطقة السيدة زينب، ودخلت القصر الذي كان محاطا بنفق مليء بالماء يشكل مانعا يحمي القصر عليه جسر متحرك. ووصل الجمع ووقفوا يصيحون، وبعد قليل استدعي والد الطفل لمقابلة صاحب القصر الذي أبلغه أن هذا الطفل نعمة عظيمة من الله لم يصنها، وعليه قرر الباشا التركي أن يأخذه ليربيه !! ورفع الأب صوته معترضا مهددا بأنه سيشكو للخديوى، وكان عقابه الجلد والطرد».
في بيت الباشا التركي عاش الأب حياة النخبة الأرستقراطية التركية وأدخل الجيش وألحق بحرس الخديوي، وجاءت النهاية التي بدت سعيدة عندما قرر الباشا التركي أن يزوجه ابنته، ولم تطل أيام السعادة ، ففي أحد الأيام عاد الأب للقصر مخمورا وبدلا من أن يدخل غرفة نومه دخل غرفة الباشا وزوجته وأهانهما إهانات شديدة وهو مخمور. وجاء رد فعل زوجة الباشا شديد العنف. فقررت فورا طرد زوج ابنتها ونفذ القرار فورا، وعندما ولد حافظ نجيب وضعته جدته مع أسرة الجنانيني في مسكن صغير ملحق بالقصر لا يعرف إلا أن هذه أسرته، وكانت أمه الحقيقية بالنسبة له بنت سيد القصر لا أكثر، ولم يكن أحد يتخيل أن تبلغ الرغبة في الانتقام بزوجة الباشا حد أن تأمر ابنتها بأن تعيش مع الخدم عقابا على حزنها، وأن تعمل - وهي كفيفة - في تزويد الفرن بالحطب. وكان لموكب مولد السيدة زينب مهابة كبيرة وانشغل به سكان القصر إلا أم حافظ التي كانت على موعد مع الموت فأمسكت النار بملابسها وهي وحدها والأصوات صاخبة فلم يسمع استغاثتها أحد.
استدعي حافظ طفلا صغيرا للمشهد المخيف وعرف أمه لحظة وفاتها. وتوالت المفاجآت فقبل أن تدفن أمه مات جده وخرج النعشان معا، وقررت زوجة الباشا أن تحاول التكفير عن غلطتها فاحتضنت حفيدها وأصبحت لا تكاد تفارقه، ولم يهنأ حافظ بالاستقرار، فجاء القصر محضر يبلغ الهانم بضرورة الحضور للمحكمة لأن والد حافظ يطلب ضمه لحضانته، وعاد بركان الغضب للانفجار فسبت الفلاح الذي يريد أن يوقفها في المحكمة ، وأمرت المحضر أن يأخذ الطفل ولما رفض كان نصيبه الجلد فحمل الطفل مكرها ، وغادرت هي مصر بلا عودة وتحت عنوان «من القصر إلى المغامرات».
يتابع «الشيخ» :«كان الأب قد تزوج في السودان سيدة سودانية وأنجب منها أبناء لم يلقوا من أمهم أي عناية، كما أنه اشترى جارية أخرى لا تقل عن زوجته إهمالا وأصبح حافظ من «أطفال الشوارع». ومر حافظ بتجربة أخرى، إذ أحيل أبوه للاستيداع من الجيش والتحق بالشرطة وطاف مديريات الصعيد، وسجل جوانب شديدة الثراء من الحياة الاجتماعية آنذاك. وتأثر حافظ في هذه الفترة بقلة دخل أبيه الذي أراد أن يوفر كل ما كان يدفعه للإنفاق عليه بتأثير من زوجته الجديدة. وحانت الفرصة عندما أعلن عن افتتاح مدرسة عسكرية جديدة يميزها أنها داخلية (توفر الإقامة) ومجانية.
وألحق حافظ بالمدرسة وهو صبي صغير فاعتصرته المدرسة وصنعت منه إنسانا آخر وتركت الحياة العسكرية وقوانينها الصارمة بصمات غائرة في نفسه. في بداية القرن العشرين كانت التوسعات العسكرية المصرية البريطانية المشتركة قد انتهت وتقرر تخفيض قوة الجيش المصري فأصبح حافظ طالبا مزمنا لا ينتظر له أن يتخرج ويلتحق بالجيش، وقبل أن يستولي عليه اليأس شهدت حياته المنعطف الأكبر، إذ تعرف إلى سيدة روسية مرموقة هي البرنسيس فزنسكي وكانت زوجة لديبلوماسي بريطاني (سفير بريطانيا في تركيا). لفت حافظ نظرها في زيارة لها للمدرسة وعرضت عليه أن يبدأ بداية جديدة في أوروبا واصطحبته لتركيا لتلحقه بالجيش التركي ثم تضمه إلى «الفرق الأجنبية».
يقول« الشيخ »:«تعلم الشاب أصول «الإتيكيت» ثم السفر لباريس فالتحق بمدرسة الحرب «البولتكنيك»، ثم بالجيش الفرنسي. وفي هذه المرحلة بدأت بينهما «علاقة خاصة» امتدت لسنوات وكانت بداية دخوله عالم المرأة الذي شارك بنصيب وافر في صياغة مستقبله المضطرب. وألحق حافظ بالجيش الفرنسي المحتل في الجزائر وخدم مع الجنرال جورو، ثم أبلغه جورو أنه رشحه للخدمة في «المكتب الثاني» المخابرات الفرنسية. وشارك عالم المخابرات في صقل شخصيته بشكل ملموس، وبعد اكسابه المهارات اللازمة تم تدريبه ليكون خادما أخرس، وهي الشخصية التي تنكر فيها في المهمة الوحيدة التي كلفته بها المخابرات الفرنسية. أرسل متنكرا ليعمل في ضيعة سيدة في ألمانيا بهدف التجسس على أسرار عسكرية، وخالف حافظ التعليمات التي تحكم جمع المعلومات فقبض عليه متلبسا. ولخوفها من أن يسبب فضيحة هربته فرنسا من السجن فأعيد إلى باريس ومنها لمصر.
يتابع «الشيخ»:«عاد حافظ إلى مصر بلا عمل وبلا مال، ولم تكن أسرته لترحب به فعاش فترة عصيبة في منزل أبيه بمدينة قليوب. ومصادفة قرأ في إحدى الصحف خبر عودة فرنسكي لمصر فذهب إليها وبدأ فصلا جديدا من حياته صنع شهرته، قررت أن تفتح لحافظ نجيب شركة ليتاجر في البورصة وأسستها له برأسمال كبير فأصبح صاحب ثروة كبيرة».