العبادي.. مسئول صيانة المصاعد يتلو «خطاب النصر»
الثلاثاء، 08 مايو 2018 04:00 م
قلة قليلة خارج العراق كانت تعرف اسم حيدر العبادى فى العام 2014 عندما تحول من شخصية مغمورة نسبيا إلى قائد للبلاد التى كانت تمر بحالة من الفوضى.
ظهر اسم العبادى كمرشح الحل الوسط بعد إبعاد سلفه نورى المالكى فى صراع على السلطة، وأصبح رئيسا للوزراء فى سبتمبر من ذلك العام بعد شهرين من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية مساحات شاسعة من العراق وإعلانه قيام دولة خلافة.
وبعد أربع سنوات تحدى العبادى توقعات جيش من المتشككين فيه فقد أعلن النصرعلى تنظيم داعش ونزع فتيل التوترات الطائفية التى أججها المالكى وحسن العلاقات مع الدول العربية السنية، وحافظ على وحدة العراق الهشة فى مواجهة محاولة فاشلة من جانب الأكراد للاستقلال عن البلاد.
كما عمل العبادى على تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة والمتعارضة لإيران والولايات المتحدة داعميه الرئيسيين.
والعبادى مهندس كهرباء سابق تولى فى فترة من الفترات مسؤولية صيانة مصاعد هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» خلال سنوات اغترابه طوعا فى بريطانيا. وهو يعول على إنجازاته التى حققها وهو فى منصبه للفوز بفترة ثانية فى الانتخابات التى تجرى يوم 12 مايو
غير أن النصر ليس مضمونا فمثل كل من شغلوا منصب رئيس الوزراء فى العراق منذ سقوط صدام حسين فى 2003 ينتمى العبادى 66 عاما للأغلبية الشيعية. غير أن أصوات الشيعة، التى تكفى فى العادة لتحقيق الفوز ومنح صاحبه الحق فى تشكيل حكومة ائتلافية، أصبحت منقسمة.
وبخلاف المالكى الذى يعجب به الشيعة المتخوفون من اقتسام السلطة مع الأقلية السنية والأكراد، يواجه العبادى أيضا هادى العامرى القائد الحربى الذى اعتبر بطلا من أبطال هزيمة داعش.
ولإدراك العبادى أنه لا يمكنه التعويل على أصوات الشيعة فقط فهو يتطلع لاستمالة قاعدة أوسع من الناخبين. وينفذ العبادى حملة دعاية انتخابية فى مختلف أنحاء العراق بقائمة "تحالف النصر" وهو التحالف الوحيد الذى يخوض الانتخابات فى محافظات العراق الثمانى عشرة.
وقال بدر الفحل النائب السنى من محافظة صلاح الدين الذى يسعى للفوز بفترة رابعة فى البرلمان إنه اختار خوض الانتخابات على قائمة العبادى لأنها تضم مختلف الطوائف وغير إقصائية.
وقال لرويترز فى مقر تحالف النصر فى تكريت "السيد العبادى شكل كتلة عابرة للطائفية. هى الكتلة الوحيدة منذ 2003. هى الكتلة تتكون من 18 محافظة، كل محافظات العراق، من سنة وشيعة وكرد ومسيح ويزيد".
وأضاف "نشعر أن السيد العبادى ليس لديه خطابا طائفيا، يريد أن يبنى البلد. المرحلة القادمة إن شاء الله هى مرحلة إعمار وبناء".
وقال الفحل إن العبادى منح الحلفاء السياسيين فى المحافظات السنية حرية كاملة فى اختيار المرشحين على قائمته. وأوضح أن قائمة تحالف النصر فى محافظة صلاح الدين كلها من السنة على سبيل المثال
خطاب النصر
بل إن العبادى قام بجولة نادرة فى المحافظات الكردية الشهر الماضى رغم أنه ما من أحد تقريبا يرى أن أمامه فرصا تذكر فى استمالة مرشحين من الأكراد الذين لا يزالون على غيظهم من الحملة التى شنها على الإقليم المتمتع بشكل من أشكال الحكم الذاتى بعد استفتاء أجراه الإقليم على الاستقلال فى سبتمبر أيلول الماضي.
كذلك مازال كثير من العرب السنة يشعرون بشيء من الاستياء تجاه الحكومة ذات القيادة الشيعية فى أعقاب الحرب والدمار الذى حاق فى الغالب بمناطقهم مع قدوم تنظيم داعش
ولذلك ورغم أن كثيرين يفضلون العبادى على غيره من ساسة الشيعة لأنه تجنب الطائفية فقد لا يترجم ذلك بالضرورة إلى أصوات لمرشحيه.
كما يواجه العبادى انتقادات لاستمرار الفساد وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التى تفاقمت بسبب القتال وإجراءات التقشف التى اتخذتها حكومته وكذلك موقفه المؤيد لقطاع الأعمال فى بلد أغلب الناس فيه من موظفى الدولة ولا يثقون بالقطاع الخاص.
وقال محمود غضبان الطالب بمدينة النجف المقدسة عند الشيعة "العبادى رجل مثقف وسياسى توافقى ولكن جلب لنا المشاكل".
وإدراكا لنقطة الضعف هذه تركز خطاب الدعاية الانتخابية لرئيس الوزراء على هزيمة داعش
وكان العبادى أعلن النصر فى ديسمبر بعد حملة ضارية استمرت ثلاث سنوات لتحرير العراق من المتطرفين الذين سيطروا فى فترة من الفترات على ثلث مساحة العراق.
ولتحقيق ذلك حصل على دعم من الولايات المتحدة وإيران فى آن واحد إذ تحاشى كل من الطرفين الآخر فى صراع الإقليمى المتفاقم لهزيمة داعش
ومع تركيز التحالف الذى قادته الولايات المتحدة على إعادة بناء قوات الأمن العراقية المستنفدة وتدريبها وفى الوقت نفسه شن ضربات جوية شبه يومية تم دمج الفصائل الشيعية التى تدعمها إيران فى نسيح المجتمع العراقى وأجهزة الدولة ووفرت فى الوقت نفسه دعما عسكريا حيويا للقوات الحكومية.
وكانت براعة العبادى فى المواءمة بين إيران والولايات المتحدة وسط التوترات المتصاعدة بسبب الاتفاق النووى الإيرانى سبب جعله المرشح المفضل لدى الحلفاء الغربيين الذين ليس لديهم ما يبرزوه من انجازات للدولة منذ اجتياح العراق قبل 15 عاما سوى العنف والفساد المستشرى ومؤسسات عليلة.
كما اكتسب العبادى الثناء بفضل تحسين علاقته بجيران العراق من الدول العربية السنية وهى الاستراتيجية التى كان المالكى يعارضها.
احترام لا حماس
رغم أن أنصار العبادى وخصومه يتفقون على أنه ليس سياسيا بالفطرة فهم يقولون إنه ازداد ثقة منذ بدايته التى اتسمت بالتوتر قبل أربع سنوات. ومع ذلك فهو يعتبر زعيما مترددا فى اتخاذ القرار يفضل تدبر الأمر لفترة طويلة مع مستشاريه وأعضاء البرلمان.
وقال ثلاثة دبلوماسيين غربيين فى بغداد إن حكوماتهم ستجد العبادى أسهل مرشح يمكن العمل معه لكن هذه المرونة ذاتها تعتبر نقطة ضعف فى بعض الدوائر التى تعتبره أداة فى يد أجنبية.
وقال ضابط الشرطة المتقاعد فلاح عبدالله (65 عاما) فى القيارة الواقعة على بعد 60 كيلومترا جنوبى الموصل "العبادى رجل محترم لكنه لا يسيطر على اختياراته. فهو يتأرجح بين ما تريده إيران وما تريده أمريكا".
ويرتبط ذلك ارتباطا كبيرا بإرث سلفه المالكى الشخصية الاستقطابية التى لها حضور كبير فى انتخابات 2018 خاصة فى ضوء انقسام أصوات الشيعة.
ورغم أن كثيرين يحملون المالكى مسؤولية فقدان السيطرة على مساحات كبيرة من البلاد لصالح داعش وترسيخ الفساد فى وزارات العراق المتضخمة فلا تزال قاعدة أنصاره الكبيرة ترى فيه زعيما قويا وقف فى وجه الغرب ودافع عن مصالح الشيعة.
ويواجه العبادى أيضا منافسة شديدة من العامرى زعيم منظمة بدر أكبر الفصائل الشيعية المدعومة من إيران والذى ترتكز حملته الانتخابية أيضا على خطاب النصر.
والعامرى قائد قوات الحشد الشعبى التى تضم الفصائل المدعومة من إيران والتى لعبت دورا كبيرا فى هزيمة تنظيم داعش بعد أن دعا آية الله العظمى على السيستانى أرفع المراجع الشيعية إلى حمل السلاح.
وفى حين أن كثيرين من العراقيين يحترمون العبادي، وهو أمر لا يستطيع كثيرون فى النخبة السياسية الزعم به، فإن خطاب النصر هو الذى دعمه حتى الآن. بل إن بعض من يعتزمون التصويت للعبادى يقولون إنهم يفعلون ذلك انطلاقا من توجه عملى لا بسبب الحماس له.
وقال أحمد الهادى «32 عاما» الذى يعمل فى سوبر ماركت فى بغداد "العبادى أحسن السيئين. يبقى رئيس وزراء ويكون فى سلام وإعادة بناء العراق".